ديكتاتوريات النظام العربي .. في المزاد العلني !
" على أونه .. على دوه .. على تريه " , هكذا ينادي بائع التحف في المزادات العلنية , لمن يدفع أكثر للظفر بالتحفة أو السلعة المعروضة للبيع , وما أن يتم بيع التحفة الأولى ينتقل المنادي لبيع سلعة ثانية وثالثة , وهلم جرا ,...
" على أونه .. على دوه .. على تريه " , هكذا ينادي بائع التحف في المزادات العلنية , لمن يدفع أكثر للظفر بالتحفة أو السلعة المعروضة للبيع , وما أن يتم بيع التحفة الأولى ينتقل المنادي لبيع سلعة ثانية وثالثة , وهلم جرا , وقد ذكرني هذا النداء لبائع التحف اليوم بالسقوط المتتالي لزعماء العرب " التحف " , الذين يصلحون للعرض في المتاحف , حيث تتهاوى ديكتاتوريات الأنظمة المهترئة , الواحدة تلو الأخرى في مزاد علني ,
وقد ذكرني هذا النداء لبائع التحف اليوم بالسقوط المتتالي لزعماء العرب " التحف " , الذين يصلحون للعرض في المتاحف , حيث تتهاوى ديكتاتوريات الأنظمة المهترئة , الواحدة تلو الأخرى في مزاد علني , ولكن نشاهده بالملايين على شاشات التلفزيون , وبحضور المشترين الكثيرين , وليس النخبة من علية القوم والأغنياء , في صالات المزاد العلني المزركشة , والمشترون في هذا المزاد هي الشعوب المغلوبة والمظلومة , التي لم تصل في يوم من الأيام إلى صالات المزادات , وكان أسمى أمانيها أن تقيم عرسا في صالة للأفراح , ولكننا رأيناها اليوم تصنع النصر والأفراح , وتنزع عن نفسها أيام القرح والأتراح , في مشهد كأنه الإعصار أو أعتى عواصف الرياح .
- " على أونه " : في المزاد الأول افتتحت تونس المزاد , الذي استمر لمدة ثلاثة وعشرين يوما , بالإعلان الشعبي عن انتهاء زمن " زين العرب " , بعد أن أعلن المنادي في المزاد , أن تونس قد أصبحت اليوم حرة , وأن " بن علي " قد هرب , نظام حديدي حكم البلاد لمدة 23 عاما , ينهار في 23 يوما , أمام تضحيات الجماهير الثائرة الهادرة , التي لم تستطع كل آلة القمع البوليسية أن تقف في طريقها , بعد أن قدمت مئات الشهداء , على درب الشهيد الأول لثورة تونس البوعزيزى , الذي أعاد العزة لتونس وشعبها , بعد سنوات الظلم والذل والقمع , مرددة شعار الشاعر التونسي الراحل أبو القاسم الشابي " إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر". وهكذا استجاب القدر , وأسدلت الستارة على مسرحية " الزين وليلى الأميرة " .
- " على دوه " : المزاد الثاني كان هذه المرة في أكبر العواصم العربية , قاهرة المعز التي رفعت الشعار في المزاد منذ اليوم الأول , بأن " الشعب يريد إسقاط النظام " , وتمضي الأيام بين قمع قوات الأمن , التي لم تستطع الصمود أمام جحافل الجماهير , لتستعين فلول الهاربين بأسلحة الخيل والجمال والحمير , ونشر الرعب بأيدي " البلطجية " من أتباع رجال السلطة والمال , فتلتهب الثورة برغم ما آل إليه الحال , من فوضى وحرق وتدمير , في ظل تمسك الحاكم بالكرسي المتهالك والمنهار , ثم كانت نهاية المزاد بالإعلان عن التنحي قبل جمعة الرحيل , مع نهاية اليوم الثامن عشر , وأصبحنا كأننا في مناقصة وليس في المزاد , وهكذا انخلع الحاكم بعد ثلاثين عاما من الحرمان والفساد , وانقشع الغيم والضباب , وانفتحت أمام شباب الثورة كل الأبواب , وأشرقت شمس الحرية , ملبية شعار أمير الشعراء " وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق " , وذلك بعد أن قدم الشعب المصري مئات الشهداء على مذبح الحرية.
وسؤالنا اليوم للقائد الهمام , إلى متى الاستمرار في هذا العناد , وإلى أي عدد من الشهداء سيرفع المزاد , فإذا كان الصمود في المزاد التونسي وصل لليوم الثالث والعشرين , فإن المناقصة لسقوط النظام في مصر الكنانة نزل لليوم الثامن عشر , فهل نشهد تراجع المزاد لزوال النظام في طرابلس الغرب والعرب , إلى اليوم الحادي عشر أو الثاني عشر أو الثالث عشر
- " على تريه " : وجاء المزاد الثالث من جماهير الجماهيرية , التي تربع على عرشها القائد الأوحد صاحب نظرية حكم الجماهير , الذي قرر عند إعلان الجماهير المزاد , أن ما يجري على أرض ليبيا ليست ثورة جماهيرية , بل حركة جرذان وفئران , وبعض البلطجية من متعاطي المخدرات , وكذلك متعاطي حبوب الهلوسة من الشبان والفتيان , مهددا بحرب تطهيرية لإبادة الجماهير الليبية , وقرر إعلان المزاد لسحق الثور في كل البلاد , وإعلان الزحف المقدس على أهالي بنغازي " المقملين " , الذي أطاحوا بحكم الطاغية في شرق البلاد , تلك الجماهير التي خرجت تبحث عن الحرية , بعد أن فاض بها الكيل من حكم أذاقهم الويل , أكثر من أربعين عاما من القمع والفقر , في ظل تبديد ملك الملوك وعميد الرؤساء , ثروة ليبيا النفطية , على مآربه الشخصية , للعائلة القذافية واللجان الشعبية والثورية , بحجة حماية الثورة الجماهيرية , وكذلك في دعم ما أسماها الحركات الثورية , في ايرلندا وإفريقيا واسيا وأميركا اللاتينية .
وفي خطاب العزيزية " الموتور " , بعد يوم واحد من خطاب الخليفة " سيف الأحلام " , أعلن الحاكم الوحيد صاحب الرأي السديد , أنه لا يوجد في البلاد من يزايد عليه في هذا المزاد , فهو صاحب الثورة ومن حرر البلاد , وأنه باني ليبيا الحديثة , وأنه القادر على تدميرها في كل ساعة ودقيقة , إذا ما استمر الشعب في ثورته لإسقاط النظام , وأنه سيبقى على رأس النظام رغم ثورة الجرذان, وسيقاتل ضد شعبه من شارع لشارع , ومن دار إلى دار , حتى ولو رجعت ليبيا إلى عهود البرابرة , بعد حرق النفط وتقسيم البلاد والديار , وتدمير كل مدينة وقرية ودوار.
وسؤالنا اليوم للقائد الهمام , إلى متى الاستمرار في هذا العناد , وإلى أي عدد من الشهداء سيرفع المزاد , فإذا كان الصمود في المزاد التونسي وصل لليوم الثالث والعشرين , فإن المناقصة لسقوط النظام في مصر الكنانة نزل لليوم الثامن عشر , فهل نشهد تراجع المزاد لزوال النظام في طرابلس الغرب والعرب , إلى اليوم الحادي عشر أو الثاني عشر أو الثالث عشر , ليكون فأل شؤم وغضب , على عميد الزعماء المسلمين والعرب .. وآخر المقال في هذا المجال , على من يرسو المزاد , فيمن تحكموا في رقاب العباد , من حكام أذاقوا شعوبهم كل أنواع العذاب , في جمهوريات وممالك وإمارات , يجلس فيها الحاكم على الكرسي , فلا يزيحه سوى الانقلاب أو الممات .
*د. عبد القادر فارس