• عدد المراجعات :
  • 441
  • 2/26/2011
  • تاريخ :

هل المعاد إعادة للمعدوم؟

الورد

إذا كان الموت إفناء للانسان أو لبعضه، فكيف يمكن إعادة ما بطل وانعدم؟ فانه لا يكون إلا خلقاً جديداً لا إعادة له خصوصاً اذا لم يكن بين المبتدأ والمعاد رابطة وصلة.

والجواب

إنّ هذا السؤال نابع ممّا يزعمه السذج من الناس من أنّ الموت اعدام لجثة الانسان و بدنه نظير إحراق الحطب، فأنّ قسماً منه يتبدل الى الدخان و ينعدم، و لا يبقى منه إلا شيء ضئيل نسميه بالرماد، فلو كان الموت بهذا المعنى فيكون المعاد إعادة للانسان المعدوم.

ولكن قانون بقاء المادة، يبطل هذا الزعم، فانّه ينص على أنّ المادة لا تنعدم، بل تتحول من صورة الى صورة أُخرى1.

وعلى ضوء هذا، فالتفاعلات الحاصلة في المادة الحيّة، أو غير الحية، لا تنقص من وزن المادة شيئاً، فالعالم من حيث الوزن ثابت، وانّما الاختلاف في الصور والانواع، وهذا القانون دعم دعوة الأنبياء بأنّ البشر خلقوا للبقاء لاللفناء، كما دفع توهم كون الموت اعدام لقسم من مادة البشر، وأثبت أنّ هناك مادة واحدة ثابتة في مهب التفاعلات الفيزيائية والكيميائية والحيوية، وانما التغير في الصورة الطارئة عليها.

نعم، سبقه علماء الاسلام، في تأسيس هذا الأصل لكن بصورة أوسع و هو أنّ الوجود لا يتطرق إليه العدم.

شبهة عدد كفاية الموادّ الأرضية لاحياء الناس

قد كشفت التنقيبات الجيولوجية والأتربة على أن الانسان يعيش في هذا الكوكب منذ قرابة مليوني سنة، وعلى هذا فلو كان المعاد عاماً لجميع الناس، الذين عاشوا على هذه الكرة، فكيف يكون ترابها كافياً لاحيائهم، فان المعاد حسب ما مرّ معاد عنصري، يعود كل إنسان إلى بدنه العنصري، فالمعاد كثر، مع أن ما يعادون به، وهو المواد العنصرية الأرضية قليل لا يكفيهم.

قال صدر المتألهين في بيان هذه الشبهة: "إن جرم الأرض مقدور محصور ممسوح بالفراسخ والأميال والأذرعة، وعدد النفوس غير متناه فلا يفي مقدار الأرض، ولا يسع لأن تحصل منه الأبدان غير المتناهية2".

والجواب عن هذا السؤال من جهات ثلاث: عقلية وعلمية وسمعية

 

الجهة الأولى:الجواب العقلي و هو أمور

أوّلا: إن ما تنقله لنا هذه التنقيبات و الحفريات التاريخية و الطبيعية على درجة يفيد القطع واليقين، حتى نرفع باقوالهم اليد عن الوحي الالهي أو نتردد في صحة المعاد.

وثانياً: لم يدل دليل على أن بدن الانسان كنفس البدن الدنيوي في الحجم والوزن وسائر الجهات المادية المادية، بل يكفي أن يصدق على المعاد أنه نفس المبتدأ وأما المطابقة في سائر الجهات فلم يدل عليها دليل.

وثالثاً: لو فرض عدم كفاية المواد الترابية لإحياء جميع من قطنوا هذا الكوكب، فلا مانع من تكميلها بتراب الكرات الأُخرى، وليس ذلك على خلاف العدل، لما عرفت من أنّ الثواب و العقاب بملاك الروح والنفس، فالنفس الانسانية اذا أُدخلت في أي بدن كان، وحُشرت مع أي جسم انساني فهو هو، و ليس غيره و انما يكون البدن أداة و وسيلة لتعذيبه، و تنعمه، و لولا دلالة القرآن على أنّ المعاد في الآخرة عنصري، لكان العقل مكتفياً باعادة الروح و النفس غير انّ اصرار الذكر الحكيم، على كون المعاد عنصرياً، يصده عن الاكتفاء بالمعاد الروحاني.

وعلى ضوء ذلك، فلو كانت المواد الأرضية غير كافية لاحياء كل من سكن هذا الكوكب، فلا مانع من تكميل بدن كل إنسان بمواد من كواكب أُخرى.

هذه الأجوبة، أجوبة عقلية، وهناك أجوبة أخرى تعتمد على ا لتجربة والدليل العلمي.

 

الجهة الثانية: الجواب العلمي، وهو أُمور

إن ما ذكروه من عدم كفاية تراب الأرض لإحياء الناس باطل بالنظر إلى حجم المواد الأرضية وذلك لأن حجم الكرة الأرضية يبلغ ألفاً وثلاثة وثمانين ملياراً وثلاثمائة وعشرين مليون كيلومتر مكعب3، هذا من جهة.

ومن جهة أخرى إنّ صندوقاً بحجم كيلومتر مكعب، بمعنى أنّ كلا من طوله وعرضه وارتفاعه يبلغ كيلو متراً واحداً، انّ مثل هذا الصندوق يسع داخله لأضعاف عدد سكان الأرض الحاليين4.

وذلك أنّ كل كيلومتر في الطول يسع خمسة آلاف إنسان، يقف كل منهم إلى جانب الآخر، و كل كيلومتر في الارتفاع يسع سبعمائة و خمسين إنساناً متوسط طول الواحد منهم متراً و نصف المتر، يقف كل منهم على رأس الآخر، فاذا أردنا حساب من يمكن أن يحويه ذاك الصندوق، فما علينا إلا أن نضرب الطول بالعرض بالارتفاع5، فتكون النتيجة اتساع هذا الصندوق لثمانية عشر مليار، و سبعمائة و خمسين مليون إنسان.

هذه سعة الكيلومتر المكعب الواحد، فما ظنك بسعة ألف وثلاثة و ثمانين مليار، و ثلاثمائة و عشرين مليون كيلومتر مكعب؟ إنها بالتأكيد تكفي لأضعاف لا تحصى ممن قطن هذه الكرة الأرضية.

فمسألة قلة المواد الأرضية لإحياء الناس، مسألة ذهنية طرحت من غير تدبر في حجم العالم.

2- إنّ بدن الانسان لا يتشكل من التراب فحسب، بل الماء و الغازات من العناصر الرئيسية التّي يتكون منها بدن الانسان. ويحيط بالأرض طبقة من الغازات تسمى بالغلاف الجوي، تبلغ في الارتفاع والسماكة ألف كيلومتر، و تبلغ في الوزن خمسة ملايين مليار طن6 هذا في جانب الغازات.

وأما في جانب المياه المتواجدة على سطح الكرة الأرضية فيكفينا أن نعرف أنّ القاء حجر في إناء مملوء من الماء، يوجب ارتفاع سطح الماء بما يساوي حجم هذا الحجر، هذا من جهة.

ومن جهة أُخرى، أثبت الحديث أننا لو جمعنا كل البشر الّذين يقطنون الكرة الأرضية7 وألقيناهم في بحيرة قزوين، فسوف لن يصل ارتفاع الماء في البحيرة الى سنتيمتر واحد بل يكون أقلّ منه، بمعنى أنّ ارتفاع المياه لن يكون محسوساً لنا.

هذا وليست هي إلا بحيرة8 فما ظنّك ببحار الدنيا ومحيطاتها.

3- إن النيازك المشاهدة في الليالي هي نتيجة وصول أحجار وأتربة وأجسام ثقيلة من الفضاء الخارجي الى الغلاف الجوي، فيوجب احتكاكها الشديد به احتراقها وتناثرها، وهبوطها على الأرض ذرات خفيفة لا تزعج الحياة عليها و هذه الأحجار توجب ازدياد المواد الأرضية زيادة مطّردة بشكل يومي، و قال العلماء انّ عشرين مليون حجراً فضائياً يصطدم يومياً بالغلاف الجوي و هي تسير بسرعة خمسين كيلومتراً في الثانية، فتتلاشى و تتناثر و تهبط بلا ازعاج على القشرة الأرضية9.

وعلى هذا، فالمواد الأرضية لم تزل في حال التوفر والازدياد، واللّه يعلم الى أي حد يصل حجمها الى يوم البعث.

4- وصل العلم الى أنّه لو كانت هناك قدرة على ازالة الفراغات المتخللة بين ذرّات المواد الأرضية لبلغت هذه الكرة العظيمة الهائلة في الحجم، مقدار جوزة صغيرة. ولو فرض افراغ فواصل ذرّات المنظومة الشمسية، بشمسها وسيّارتها الكبيرة والصغيرة، لبلغ حجمها مقدار فاكهة كبيرة كالبطيخ هذا من جانب.

ومن جانب آخر، لو ازدادت الفراغات بين الذرات، لازداد حجم العالم ازدياداً كبيراً، فليس الحجم تابعاً لكثرة الذرات وقلتها ففي وسع المولى سبحانه و هو على كل شيء قدير أن يبسط فراغ المواد الأرضية فيزداد حجمها، وتكفي لاحياء الموتى مهما بلغوا.

وليس هذا الأمر بعيداً عن الحس، فانا نرى أنّ حجم الماء يتفاوت في حالاته الثلاث التجمد والسيلان و التبخر، وعليه فلا مانع من امتداد المادة الأرضية يوم القيامة امتداداً هائلا بحيث يصبح ما كان لا يكفي لإحياء أكثر من إنسان واحد كافياً لإحياء الكثير من الناس، هذا ما كشف عنه العلم.

 

الجهة الثالثة: الجواب السمعي

قد أعرب الوحي عن كفاية مواد الأرض لاحياء الموتى بوجه خاص، يفهمه المتدبّر في القرآن الكريم.

يقول سبحانه: "وَإِذَا الاَْرْضُ مُدَّتْ"(الانشقاق:3).

ويقول سبحانه: "وَحُمِلَتِ الاَْرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَة"(الحاقة:14).

ومن المحتمل جداً أن يكون مد الأرض في ظل الاندكاك، بكسر الذرّات الموجودة فيها، فيبلغ حجم حجر يقدر بمتر مكعب الى ملايين الكيلو مترات المكعبة. فخرجنا بهذه النتيجة، وهي أنّ تصور عدم كفاية المادة الأرضية لاحياء الناس، باطل في العقل، والعلم والوحي.

آية الله جعفر السبحاني

------------------------------------------------------

الهوامش:

1- وهو قانون لا فوازييه 1743-1794م.

2- الأسفار، ج 9، ص 200.

3- 1083320000000.

4- دلّت الإحصاءات الأخيرة أنّ عدد سكان الأرض حالياً يبلغ قرابة خمسة مليارات إنسان.

5- 5000 × 5000 × 750 = 0000000 1875 انسان.

6- 5000000000000000.

7- وهم عند اجراء هذا الحساب، ملياري إنسان.

8- تبلغ مساحة بحيرة قزوين 420000كلم مربع.

9- الله يتجلى في عصر العلم، ص 20.


عقيدتنا في البعث والمعادابليس و لحظة احتضار الانسان

حساب الأعمال فْي كلام اميرالمؤمنين

وصف بالإجمال لعذاب النَّار

المعاد الجسماني والروحاني

الشفاعة

الله سبحانه وتعالى و إحياء قتيل بني إسرائيل

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)