• عدد المراجعات :
  • 637
  • 1/22/2011
  • تاريخ :

الله سبحانه وتعالى احيا  الموتى لابراهيم

الورد

أثبت الحكماء ان لليقين مراتب ودرجات، ولكل منها عندهم اسم خاص، ولتبيين هذه الدرجات نأتى بمثال:

إذا سمع الإنسان اسم النار، ولم يرها، وقيل له إنّها موجود عنصرى لها هيئةٌ خاصةٌ، وأ ثر معيّن، في الأعضاء، وأذعن بذلك لكون المخبرين صادقين، فهذه مرتبة من اليقين.

ثم إذا شاهدها من بعيد، ولكن لم تمسّ حرارتها بدنه، وإنّما رأى هيئتها، والتهابها، بأُم عينه، فهذه مرتبة من اليقين أقوى من السابقة.

ولكن أين هذه المرتبة ممّا إذا شاهدها عن كثب ومسّته حرارتها، ففي هذه المرتبة يتكامل يقينه بها، ويبلغ الدرجة القصوى.

وإذا كان لليقين مراتب ودرجات، فلا لوم على الأنبياء والأولياء أن يطلبوا من الله سبحانه إحياء الموتى حتى يشاهدوه بأعينهم لإكمال مراتب يقينهم بالقيامة، وتبديل علم اليقين فيهم بعين اليقين، اقتباس من قوله سبحانه: (كلاّ لَو تعلمُون عِلمَ اليَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الجحيم * ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَينَ اليقين)(التكاثر:5-7).

ومن هنا نرى أنّ الله سبحانه أحيا الموتى لإبراهيم الخليل، وعزير، وغيرهم كما سيأتي، والغاية كانت إكمال مراتب اليقين، أو إتمام الحجة على البعيدين عن هذه المعارف، كماهو الحال في إحياء عيسى الموتى لبني إسرائيل، وفيما يلي نورد هذه النماذج من القرآن الكريم.

 

1ـ إبراهيم وإحياء الموتى

ذكر المفسرون أنّ إبراهيم عليه السَّلام رأى جيفة تمزقها السباع، فيأكل منها سباع البر، وسباع الهواء ودواب البحر، فسأل الله سبحانه وقال: ياربّ قد علمت أنّك تجمعها في بطون السباع والطير ودواب البحر، فأرني كيف تحييها لأُعاين ذلك؟

يقول سبحانه: (وإذقال إبراهيمُ ربِّ أرني كَيفَ تُحِي الموتى قالَ وَلَم تُؤمن قالَ بلى ولكن لِيَطمَئِنَّ قلبي، قال فخُذ أَربَعَةً من الطَّير فَصُرهُنّ إلَيكَ ثّم اجعَل على كلِّ جَبَل منهُنَّ جُزءاً ثَمَّ ادعُهُنَّ يأتينَكَ سَعياً واعلَم أنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيم)(البقرة:260).

وما ذكرنا من سبب النزول يكشف عن أنّه لم يكن غرض إبراهيم إحياء نفس فقط، وإلاّ لكفى فيه إحياء طير واحد بعد إماتته، وإنما كان الغرض مشاهدة إعادة أجزاء كلّ طير إليه بعد اختلاطها بأجزاء الطيور الأُخر. وهذا لا يتحقّق إلا بتعدد الطيور أوّلاً، واختلافها نوعاً، ثانياً، واختلاطها بعد ذبحها، ثالثاً، فلأجل ذلك ورد أنّه أخذ طيوراً مختلفة الأجناس، قيل إنّها: الطاووس، والديك، والحمام، والغراب، فقطّعها، وخلط ريشها بدمها، ثم فرّقهنّ على عشرة جبال، ثم أخذ بمناقيرهنّ، ودعاهنّ باسمه سبحانه، فأتته سعياً، فكانت تجتمع ويأتلف لحم كلّ واحد وعظمه إلى رأسه، حتى قامت أحياء بين يديه.

وبذلك كمل إيمانه، وتم إذعانه بأنّه سبحانه يمكن أن يعيد أجزاء بدن كل حيّ إليه، وأن اختلط بحي آخر، كما لو أكلت الإنسان الميتَ سباعُ البراري وجوارحُ الهواء، وحيتانُ البحار، فإنّ الاختلاط لايكون مانعاً عن الإحياء والإعادة، وهذا من شبهات المنكرين حيث كانوا يركزون على "ضلالة الأجزاء" في الأرض، واختلاط أجزاء الموتى بعضها ببعض، وقد قال سبحانه في هذالمجال: (قَد عَلِمنَا ماتَنقُصُ الأرضُ مِنهُم وَعِندَنَاكِتَابٌ حفَيظٌ)(ق:4).

 

والاستدلال بالآية يتوقف على الإمعان في أمرين

الأوّل: إنّ مقتضى البلا غة مطا بقة الجـواب للسؤال، ولمّا كان سؤاله عن مشاهدة إحياء الموتى "واقتضى الحال الإجابة عنه" فيجب أن يكون ما يأمر به سبحانه محققاً لاحياء الموتى، وهو لا يتحقّق إلاّ بأن يقوم إبراهيم بتقطيعهنّ وخلط أجزائهنّ، وتفريقهنّ على الجبال.

الثاني: الإمعان في قوله: (فَصُرْهُنَّ)، والمصدر الّذي اشتُقّ منه، وفيه احتمالات:

1ـ ما نقل عن ابن عباس من أنه قرأ"فَصَرَّهُنَّ" بتشديد الراء، من باب صرَّ، يَصُرُّ، من التصرية، وهي الجمع والضم1، وهذه القراءة غيرمعروفة، فهذا الاحتمال ساقط.

2ـ أن يكون مأخوذاً من الصّير، معتل العين، فيقال صار يصير صيراً،بمعنى انتهى إليه، مثل قوله:(إليه المصير). والأمر منه "صُر" ولعل مَن فَسَّره من أهل اللغة بمعنى المَيل أخذه من هذا.

3ـ أن يكون مأخوذاًمن "صري" معتل اللام،ذكره الفراء في معاني القرآن، فقال إنها إن كانت بمعنى القطع، تكون من "صَرَيت، تصري" واستشهد بقول الشاعر:

 

صَرَت نظرة لو صادف جوز دارع
غداً والعواصي من دم الجوف تنعر2.

  

فإن جعل من "صَير" يكون بمعنى "أمِلهُنَّ إليك" ويجب عند ذلك تقدير كلمة اقطعهن، لدلالة ظاهرة الكلام عليه، فيكون معنى الآية. أملهنّ إليك. فقطِّعهُنَّ، ثم اجعل على كل جبل منهن جزءاً، مثل قوله: (اضرِب بعصاكَ البَحرَ فَانفَلَقَ)(الشعراء:63)، أي فضرب فانفلق.

وإن جعل من"صري" تكون الكلمة متضمنة معنى الميل بقرينة تعدّيها بـ "إلى" فيكون المعنى: اقطعهنّ متمايلات إليك، كتمايل كل طير إلى صاحبه.

وعلى كل تقدير، فالآيه تدل على أنّ إبراهيم قطّعهنّ وخلط أجزاءهنّ، ثم فرقها على الجبال، ثم دعاهن، فأتَينه سعياً.

ومن غريب التفسير، ماذكره صاحب المنارفقال في معنى الآيه ماحاصله: خذ أربعة من الطّير فضمها إليك، وآنسها بك، حتى تستأنس وتصير بحيث تجيب دعوتك إذا دعوتها، فإن الطيور من أشّد الحيوانات استعداداً لذلك، ثم اجعل كل واحد منها على جبل، ثم ادعها، فانها تسرع إليك من غير أن يمنعها تفرق أمكنتها وبعدها، كذلك أمرربك إذا أراد إحياء الموتى، يدعوهم لكلمة التكوين: "كونوا أحياء" فيكونون أحياء، كما كان شأنه في بدء الخلقه إذ قال للسموات والأرض: (ْآتتِيَا طوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِين)(فصلت:11) قال: والدليل على ذلك من الآية قوله تعالى:(فَصُرْهنَّ)، فإن معناه "أملهن" أي "أوجد ميلاً بها، وآنسها بك ويشهد به تعديته بإلى، فإنّ صار إذاتعدى بإلى كان بمعنى الإمالة"3.

يلاحظ عليه: إنّ ماذكره خلاف نصوص الآيه، فأنّ إبراهيم طلب من الله سبحانه أن يريه كيف يحيي الموتى أوّلاً، وأراد سبحانه بقرينة تخلل الفاء في قوله: (فخذ)، إجراء ذلك بيد إبراهيم ثانياً، ثم أمره سبحانه أن يجعل كل جزء منهنّ على جبل، لا كل واحد منهن عليه ثالثاً.

وهذه الوجوه تدعم صحة النظرية المعروفة في تفسير الآية. وأماتعدية (صرْهُنّ) بـ (إليك)، فقد عرفت الكلام فيه، وأنّه إن كان بمعنى الميل فالأمر بالتقطيع مقدّر، وإن كان بمعنى القطع، فالكلمة متضمنة لمعنى الميل.

على أنّه لوكان المراد ما اختاره من المعنى، لما احتاج إلى هذا التفصيل، بل يكفي في المقام إحالة إبراهيم إلى لاعبي الطيور، الذين يربون الطيور، حتى إذا استأنسوا بأصحابهنّ، يفرقونهنّ للطيران، ثم يد عونهنّ بالصفير والعلامات الخاصة، فيأتين سعياً.

ولعمرى،إنّ هذا التفسير يحطّ من عظمة القرآن، وجلالته، ويفتح الباب للملحدين في تأويل مادلّ عليه القرآن من معاجز وكرامات الأنبياء والرسل، ولقد أعرب الكاتب عن باعثه في آخركلامه بقوله: "وأمّا المتأخرون فهمّهم أن يكون في الكلام خصائص للأنبياء، من الخوارق الكونية، وإن كان المقام، مقام العلم والبيان والإخراج من الظلمات إلى النور، وهو أكبر الآيات، الخ"4.

وهذا يعرب عن أن المعاجز بنظره، تضاد العلم ولا تصلح للإخراج من الظلمات إلى النور، مع أنّه سبحانه أسماها بالبينات، وقال: (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَات بَيِّنَات)(الإسراء:101)5.

*الإلهيات،آية الله جعفر السبحاني

------------------------------------------------------------

الهوامش:

1- الكشاف، ج 1،ص 296.

2- معاني القرآن :ج 1ص 174. الشعر: "صَرَت نَظَرة": أي قطعت نظرة، أي فعلت ذلك، والجوز وسط الشيء والعواصي جمع العاصيوهوالعِرق، ويقال نعرالعِرق: فار منه الدم.

3- لاحظ تفسير المنار، ج3، ص 55 ـ 58 : وذكر وجوهاً في دعم هذه النظرية التّي نقلها عن أبي مسلم، وقد استحسنها في آخر كلامه وقال: "ولله درّ أبي مسلم، ما أدقّ فهمه وأشدّ استقلاله فيه".

4- المصدرالسابق،ص58.

5- ولقد خرجنا في تفسير الآية عمّا اتبعناه من الإيجاز إيعازاً للباحث بما في المنار وأمثاله من الدعوات التّي لا تتفق مع مبادئ الإسلام، وسيلاحظ نظيره في الآية التالية.

الصفحة الرئيسية > الاسلام > اصول و عقائد الامامية > المعاد

الله سبحانه وتعالى احيا  الموتى لابراهيم ، الاسلام ، اصول و عقائد الامامية ، المعاد، الله سبحانه وتعالى، احيا  الموتى ،ابراهيم


الرجعة في أحاديث أهل البيت عليهم السلام

التّناسخ و أقسامه و براهين بُطلانه

سؤال القبرفي کلام امير المؤمنين

برّ الوالدين والتخفيف من سكرة الموت

ملك الموت في کلام اميرالمؤمنين(عليه السلام)

ما هو الموت وحقيقته

تجرد الروح الإنسانية

 

 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)