الرهبانية و الطريق إلى السعادة
كان يظن كثير من الناس والفلاسفة في الماضي ولا يزال الكثير منهم يظن بأن الطريق إلى السعادة البشرية ينحصر في كبت الغرائز الحيوانية، وإطفاء الميول الجنسية. وكانت هذه العقيدة حتى زمن قريب شائعة جداً في أوروبا وأمريكا. فقد وجد في العالم المسيحي نساء ورجال كثيرون يترهبون باسم الدين ويتركون الدنيا وملاذها، ويعرضون عن قانون الخلقة المتقن ومنهج الفطرة السليمة أي الزواج الصحيح. وكان وقع هذا الترهب حسناً جداً في نفوس المسيحيين... ظانين أنهم يتمكنون بهذا العمل أن يتخلصوا من قيود الحيوانية ويصلوا إلى الانسانية الحقيقية فيصبحوا كملائكة السماء في الطهارة والروحانية والتجرد:
"كان أكثر الفلاسفة وعلماء الأخلاق قبل فرويد ينبذون الغرائز، أي أنهم كانوا يصرحون أحياناً ويلمحون أحياناً أخرى بأنها عوامل تجر الانسان إلى الخصائص الحيوانية وكانوا يؤكدون على أن التمدن الصحيح لا يمكن أن يتحقق في المجتمع إلا بالصراع العنيف مع تلك الغرائز التي كانوا يعتبرونها (أرواحاً حيوانية). وبعبارة أخرى فان هؤلاء المفكرين كانوا يقولون بأن هذه الغرائز تمنع البشرية من التكامل، ولو كان يمكن أن تفقد من المجتمع بالمرة، كان من السهل إيجاد حياة اجتماعية متكافئة ومتزنة ".1
إن الغرائز الحيوانية والميول الجنسية تلعب دوراً مهماً في كيان الانسان ووجوده. فإن الله خلق البشر، مع هذه الغرائز. وكل ما أودعه الله الحكيم في خلق الانسان فلا بد وأن يكون لمصلحة معينة.
"كان أكثر الفلاسفة وعلماء الأخلاق قبل فرويد ينبذون الغرائز، أي أنهم كانوا يصرحون أحياناً ويلمحون أحياناً أخرى بأنها عوامل تجر الانسان إلى الخصائص الحيوانية وكانوا يؤكدون على أن التمدن الصحيح لا يمكن أن يتحقق في المجتمع إلا بالصراع العنيف مع تلك الغرائز التي كانوا يعتبرونها (أرواحاً حيوانية).
الاستجابة للغريزة الجنسية
إن الاسلام العظيم الذي لم يغفل جانباً من جوانب الحياة، ولم يغمط الحقائق الفطرية المؤثرة في سعادة البشر حقها... ليوصي المسلمين بالاستجابة للغريزة الجنسية وممارسة ميولهم الغريزية حسب منهج سليم، ولذلك فانه يعتبر الامتناع عن الزواج عملاً غير مرغوب فيه. ويرى أن العزاب يشكلون خطراً مهماً على سلامة المجتمع، فالرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله يقول: "شرار أمتي عزابها"2.
ومن خلال سيرة النبي صلّى الله عليه وآله تجاه العازفين عن الزواج في المدينة ندرك مدى اهتمام الاسلام بهذه الناحية. فقد كان هناك رجل يسمى (عكاف) قد أعرض عن الزواج، وقد حضر مجلس الرسول صلّى الله عليه وآله مرة فسأله النبي عن إمكانياته وظروفه المالية والبدنية، فأجاب بالايجاب فقال له النبي صلّى الله عليه وآله حينذاك بكل صراحة: "تزوج وإلا فأنت من المذنبين"3.
إن الترهب والاعراض عن الدنيا يعتبر عملاً حسناً ومرغوباً فيه من الوجهة الدينية في عالم الغرب، بينما القضية على عكس ذلك تماماً في الاسلام فالاعراض عن الزواج في نظره لا يعد سيئة فحسب، بل يعتبر إعراضاً عن طريق الفطرة المستقيم وانحرافاً عن سنة الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله فهو يقول: "النكاح سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني".
ومع أن الحث على الزواج والتأكيد على إرضاء النوازع الفطرية قد ورد بصورة كثيرة في القرآن الكريم والرويات العديدة، فإن الشهوة لم تعرف أصلاً ثابتاً للسعادة، بل يعتبرها الاسلام فرعاً من فروع شجرة السعادة لا غير.
محمد تقي فلسفي
---------------------------------------------------
الهوامش:
1- أنديشه هاى فرويد ص:50.
2- مستدرك الوسائل للمحدث النوري ج 2:531.
3- المصدر السابق.
جميلة انتظرتها بعد منتصف الليل
عِلمٌ وطهارةٌ وموقف
فَضائل العلم
خطورة التلوث الاخلاقي؟
على أعتاب الرحيل
أواصر المحبة
محاسبة النفس قبل الفراق