الفردوسي و السلطان محمود
بدأ الفردوسي بنظم الشاهنامه بعد سنتين من وفاه الشاعر الدقيقي، الذي لم يسعفه الحظ في اكمال شاهنامته، و ذلك في عام 370 هـ اعتماداً علي شاهنامه ابي منصوري و ما تناقلته افواه الناس(1). و أمضي 30 عاماً في نظمها. و كان السلطان آنذاك سيف الدوله محمود سبكتكين الغزنوي الذي انهي في عام 389 هـ حكم السلاله السامانيه الذي دام 110 سنوات. و قد اقترح الوزير الايراني ابوالعباس الفضل بن احمد الاسفرايني وزير السلطان محمود علي الفردوسي ان يسميّ كتابه باسم السلطان. و فعل الفردوسي ذلك و حمل الشاهنامه الي البلاط الغزنوي في 401 او 402 هـ. لكن الحظ لم يحالفه، فقد سجن هذا الوزير ثم قتل بعد فتره و جيزه و تولي الوزاره الحسن الميمندي الذي كان لايتعاطف مع اللغه الفارسيه(2).
و قال البعض كالاستاذ المينوي انّ الفردوسي قد بعث بنسخه من الشاهنامه في 12 مجلداً الي السلطان محمود في غزنين، و لم يذهب بنفسه اليه. و هذا الامر بعيد للغايه لعدم وجود مصدر يؤكد ذلك، ثم كيف للفردوسي ان يثبت كتاباً بهذه الاهميه الي سلطان عظيم و مغرور اوصله شعراء البلاط الي مقام الربوبيه دون ان يذهب معه و لو من باب نيل الصله و الجائزه(3).
و ورد في «تاريخ سيستان» لمؤلف مجهول انّ الفردوسي قد قرأ الشاهنامه علي السلطان محمود لعده ايام. و عندما فرخ منها قال له السلطان: ليس فيها شيء سوي حديث رستم. و في جيشي الف رجل كرستم! فقال له الفردوسي: اطال الله عمر السلطان، انا لا ادري كم في جيشك مثل رستم، اكني ادري ان الله تعالي لم يخلق عبداً له كرستم. فقال السلطان لوزيره: انّ هذا الصعوك قد رماني بالكذب(4).
و يقال انه حصل علي جائزه بسيطه لا تتناسب مع عظمه الشاهنامه فقسمها بين حمامي و فقاعي، الامر الذي اغضب السلطان فقرر قتله. فلجأ الفردوسي الي هرات مختفياً فيها سته اشهر في حانوت اسماعيل الوّراق. ثم سافر من هناك الي طوي فأخذ منها نسخه اخري من الشاهنامه و قصد طبرستان حيث اضاف اليها مائه بيت في هجاء السلطان محمود. و يذكر النظامي العروضي ان تلك الابيات قد فقدت فيما بعد، و لم يبق منها سوي 6 أبيات(5).
و يعتقد المستشرق الشهير «نولد» ان ذلك الهجاء لم ينشر في حياه الفردوسي و لم يصل الي مسامع السلطان محمود، و الاّ لما سلم الفردوسي من سطوته(6).
و ينفي الدكتور محمد امين الرياحي ما تصوره البعض من انّ الفردوسي قد نظم الشاهنامه بناءً علي طلب من السلطان محمود. و يعزو ذلك التصور الي تكرار اسم «محمود» في الشاهنامه، و يؤكد انه قد ثبت اليوم ان الفردوسي هو الذي فكر في نظم الشاهنامه و بحث عن المصادر، و انّ ابناء جلدته هم الذين شجعوه علي ذلك.
و لكن لماذا تكرر اسم محمود 15 مره؟
يجيب الدكتور الرياحي بانّ اسم السلطان محمود لم يكن موجوداً في التدوين الاول للشاهنامه. و قد اضافه الفردوسي في التدوين الثاني بعد ان استقر رأيه علي اهدائها للسلطان. و كان الهدف من اهدائها اليه ان يحظي هذا الكتاب بالانتشار الواسع بدعم من سلطان قدير كمحمود. غير انه و علي العكس من توقعات الفردوسي لم يلق اي اهتمام منه(7).
و هناك عده اسباب ذكرها المؤرخون لعدم اهتمام السلطان محمود بالشاهنامه منها شيعيه الفردوسي او معتزليته، و مدحه للابطال الايرانيين القدماء، و سعي الحاشيه لدي السلطان و غيرها.
و لا يعتقد الدكتور الرياحي و آخرون ان سبب عدم اهتمام السلطان محمود بالشاهنامه يعود لكون الفردوسي شيعياً و السلطان سنياً، ذلك لانه قد زوّج احدي بناته من منوجهر بن قابوس احد امراء آل زيار الشيعه. كما انه كان يرسل الصلات الي الغضائري الرازي من غزنه الي الري، و الغضائري شاعر شيعي. لهذا لا يعد تشيّع الفردوسي و تعصب محمود للتسنن سبباً في ذلك الاجحاف(8).
--------------------------------------------------------------
الهوامش
1- فردوسي ـ بديع الزمان فروزانفر ـ ص 372.
2- خداينامه ها و شاهنامه فردوسي ـ ص 232.
3- فردوسي و شعر أو ـ ص 99.
4- خداينامه و شاهنامه فردوسي ص 233.
5- جهان بيني فردوسي، ص 210.
6- المصدر نفسه، ص 210.
7- افسانه فردوسي و محمود ـ د. محمد امين رياحي ص 235 ـ 236.
8- المصدر نفسه، ص 245.
الفردوسي