نماذج من روايات التحريف في كتب أهل السنة 6
الطائفة الثانية : الروايات الدالّة على الخطأ واللحن والتغيير
الاَُولى : روي عن عثمان أنّه قال : «إنّ في المصحف لحناً ، وستقيّمه العرب بألسنتها . فقيل له : ألا تغيره ؟ فقال : دعوه ، فإنّه لا يحلّ حراماً ، ولايحرّم حلالاً»، (1).
حمل ابن أشتة اللحن الوارد في الحديث على الخطأ في اختيار ماهو أولى من الاَحرف السبعة ، وعلى أشياء خالف لفظُها رَسْمَها ، وهذا الحمل غير مستقيمٍ ، والاَولى منه هو ترك الرواية وتكذيبها وإنكارها ، كما فعل الداني والرازي والنيسابوري وابن الاَنباري والآلوسي والسخاوي والخازن والباقلاني وجماعة آخرين (2)، حيثُ صرّحوا أنّ هذه الرواية لايصحّ بها دليل ولا تقوم بمثلها حجّة ؛ لاَنّ إسنادها ضعيف ، وفيه اضطراب وانقطاع وتخليط ، ولاَنّ المصحف منقولٌ بالتواتر عن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فلا يمكن ثبوت اللحن فيه ، ثمّ إنّ مابين الدفّتين هو كلام الله بإجماع المسلمين ، ولا يجوز أن يكون كلام الله لحناً وغلطاً ، وقد ذهب عامّة الصحابة وسائر علماء الاَُمّة من بعدهم إلى أنّه لفظ صحيح ليس فيه أدنى خطأ من كاتبٍ ولا من غيره ، واستدلّوا أيضاً على إنكار هذه الرواية بقولهم : إنّ عثمان جعل للناس إماماً ، فكيف يرى فيه لحناً ويتركه لتقيّمه العرب بألسنتها ، أو يؤخّر شيئاً فاسداً ليصلحه غيره ؟! وإذا كان الذين تولوا جمعه وكتابته لم يقيّموا ذلك ـ وهم الخيار وأهل اللغة والفصاحة والقدرة على ذلك ـ فكيف يتركون في كتاب الله لحناً يصلحه غيرهم ! ثمّ إنّ عثمان لم يكتب مصحفاً واحداً بل كتب عدة مصاحف ، فلم تأتِ المصاحف مختلفة قطّ ، إلاّ فيما هو من وجوه القراءات والتلاوة دون الرسم ، وليس ذلك باللحن» (3).
والذي يهوّن الخطب في هذه الرواية ومثيلاتها الآتية أنّها برواية عكرمة مولى ابن عبّاس ، وكان من أعلام الضلال ودعاة السوء ، وكان يرى رأي الخوارج ، ويُضرب به المثل في الكذب والافتراء ، حتى قدح به الاَكابر وكذّبوه ، أمثال ابن عمر ومجاهد وعطاء وابن سيرين ومالك بن أنس والشافعي وسعيد بن المسيب ويحيى بن سعيد ، وحرّم مالك الرواية عنه، وأعرض عنه مسلم (4).
--------------------------------------------------------
الهوامش
(1) الاتقان 2 : 320 ، 321 .
(2) تاريخ القرآن الكردي : 65 ، التفسير الكبير 11 : 105 ، تفسير النيسابوري 6 : 23 المطبوع في هامش تفسير الطبري ، تفسير الخازن 1 : 422 .
(3) روح المعاني 6 : 13 .
(4) أُنظر وفيات الاعيان 1 : 319 ، ميزان الاعتدال 3 : 93 ، المغني في الضعفاء 2 : 84 ، الضعفاء الكبير 3 : 373 ، طبقات ابن سعد 5 : 287 ، تهذيب الكمال 7 : 263 .
نماذج من روايات التحريف في كتب أهل السنة 5
نماذج من روايات التحريف في كتب أهل السنة 4
نماذج من روايات التحريف في كتب أهل السنة 3