فلسفة الرسالات
ويمضي الامام - متابعاً خطوه - في دائرة المعارف التي نهجها لتعميق المفاهيم وتركيز المقاييس الجديدة، ويقف على فلسفة الرسالات، فيلخصها في بندين:
1- إن الله أخذ الميثاق من بني آدم - قبل أن ينقلهم إلى هذا العالم - على أن الله ربهم، فأعطوا الميثاق من أنفسهم: ( وإذ أخذ ربك من بني آدم - من ظهورهم - ذريتهم، وأشهدهم على أنفسهم: (ألست بربكم)؟! قالوا: (بلى.. شهدنا)...) ، (سورة الأعراف، 172). وأخذ نفس الميثاق من الأنبياء - بصورة أكيدة -: ( وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم، ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم. وأخذنا منهم ميثاقاً غليظاً) ، (سورة الأحزاب، 7) . ثم تمرد بنو آدم على الميثاق الذي أعطوه من أنفسهم - لما انتقلوا إلى هذه الدنيا - فكفروا بالله، فبعث الله الأنبياء ليطلبوا من بني آدم العمل بذلك الميثاق.
2- إن الله أرسل إلى كل إنسان رسولاً هو ضميره، وهذا الرسول يقول للإنسان كل شيء، يقول: هذا.. حق، وذاك.. باطل، ولماذا فعلت الشر وتركت الخير؟؟!! ففي بعض الحديث: ( إن لله على الناس حجتين: حجة ظاهرة، وحجة باطنة. فأما الظاهرة: فالرسل والأنبياء والأئمة(ع)، وأما الباطنة: فالعقول)، (1) ومحكمة الضمير تبقى مفتوحة ليل نهار، وتدأب في أعمالها واصدار أحكامها حتى في حالات النوم، فتصور الأحكام بالاحلام. ولكن الضمير قد يضعف بكثرة تسفيهه وتقريعه، وقد يدفن تحت ركام من الشهوات والعادات، فأرسل الله الأنبياء لتحرير الضمائر المكبلة، وتفجير الضمائر المهلهلة:
(واصطفى - سبحانه - من ولده (آدم(ع)) أنبياء: أخذ على الوحي ميثاقهم، وعلى تبليغ الرسالة أمانتهم؛ لمّا بدل اكثر خلقه عهد الله إليهم… فبعث فيهم رسله، وواتر إليهم انبيائه؛ ليستأدوهم ميثاق فطرته... ويثيروا لهم دفائن العقول...)، (2)
فالأنبياء ما جائوا ليناقضوا الإنسان، وإنما جائوا ليشجعوه على الالتحاق بواقعه، ويفجروا طاقاته الدفينة تحت أنقاض التخلف والإجرام. أو لم يفسر القرآن فلسفة بعثة الرسول بقوله:(... ويضع عنهم إصرهم، والأغلال التي كانت عليهم...) سورة الاعراف، 157؟!
لآية الله السيد حسن الشيرازي
-----------------------------------------------------
الهوامش
1 - موسوعة بحار الأنوار، ج1، ب4، ح30، فقرة 16.
2 - نهج البلاغة، الخطبة الأولى.
أهمية الحكومة في نهج البلاغة
الإمام (عليه السلام) يصف التقوى