الحجّ في الأدب الجاهلي في الحجاز و الجزيرة العربية
ارتبط تاريخ اللغة العربية بتاريخ مكّة المكرّمة منذ أن بنى إبراهيم (عليه السلام) الكعبة (البيت الحرام) في الوادي المبارك بمكّة المكرّمة ، فنشأت اللغة العربية العدنانيّة نسبة إلى عدنان بن إسماعيل بن إبراهيم (عليه السلام) ، ولم تنشأ هذه اللغة مصادفة ، بل لقد كان للحج دور في تكوينها وتطويرها وتحسينها ، متفاعلا في ذلك مع الأسواق العربية التجاريّة والأدبية التي تقام في مواسم الحج ، في عكاظ ومجنة وذي المجاز وغيرها من الأسواق العربية، التي كانت تُقام قريباً من مكّة المكرّمة وفي الطريق إلى الحج أو في الطريق من الحج ، حيث يظل الحج أيضاً عاملا هاماً في هذه الأسواق ، وفي كل ما جلبته من الخير على اللغة العربية ، فقد كانت تفعل فعلها البطيء في تجميع العرب وتقريب مجتمعاتهم ، فكانت تعتبر إرهاصاً ببوادر الدعوة النبويّة على يد الرسول محمّد بن عبدالله(صلى الله عليه وآله).
وكانت أكثر هذه الأسواق حولية تُقام في أيام معلومات في كلّ عام ، وكانت ميداناً لغير البيع والشراء والتجارة ، فقد كان فيها تناشد الأشعار ، وكان فيها تفاخر وتأثّر ، وتنافر ومقارعة ومعاظمة ، فيفوز في هذا أقوام ويخسر آخرون ، وتحتفل العرب لها الاحتفال اللائق بها، وكان لهم حكّام معلومون يفضّون المشاكل بين القبائل، ولهم محكّمون يحتكم إليهم الناس في مناظراتهم وأشعارهم ، كما لهم في هذه الأسواق خطباء.
والواقع ، أنّ الاختلاط القائم بين القبائل العربية في أسواق الحج الموسمية ، أثّر في اللغة والدين والعادات ، فقد ترتب على قيام قريش على هذه الأسواق لأعوام طويلة قبل البعثة النبوية ، أن تتبوّأ في اللغة المكان الأعلى; لأنّ لغات القبائل عامّة من اليمن وعُمان والشام والعراق ونجد وتهامة ، تطرق مسامع قريش على الدوام ، فتختار منها ما يحسن ، وتنفي ما يقبح ، وقد كانت على هذا الاصطفاء اللغوي زمناً كافياً حتى خلصت لها هذه اللغة الممتازة ، وتهيأت لينزل بها القرآن الكريم على أفصح وجه وأبلغه وأتمّه كمالا وسلاسةً وجمالا.
وكان الشعراء الذين ينظمون الشعر; لينشدوه بعكاظ وغيرها من الأسواق في الجزيرة العربية، يتوخون اللغة المجمع على فصاحتها، والتي صار لها النفوذ والشيوف فكانت لهجة قريش هي اللهجة الرسمية بين لهجات الجزيرة العربية كلّها.
كما أثّرت هذه الأسواق التي تُقام في مواسم الحج في التبادل اللغوي ، وفي العادات بين أبناء القبائل العربية في الجزيرة العربية ، ذلك أنّ أي اختلاط بين فريقين لابدّ أن ينتهي بأثر في كلّ منهما ، فاليمني يأخذ شيئاً من أخلاق الحجازي ، والنجدي يحمل ألواناً من عادات العُماني وهلّم جرا.
وبالإضافة إلى الأدب المُتمثّل في الشعر والنثر ، والعادات ، لعبت الأسواق العربية التي تُقام في مواسم الحج ، دوراً كبيراً في الدين لقيام جميع تلك القبائل بمناسك واحدة يؤمّهم فيها قريش أهل الحرم.
أسماء مكّة
أسواق مكّة و المدينة