ليلة الشهيد و وسام الحسين
لقد اجتمعنا هذه الليلة ، لنحيي ذكرى ليلة العاشر من محرم .. و هي ليلة الشهيد . شاع في عالمنا المعاصر اتخاذ يوم من أيام السنة لتكريم فئة من الفئات ، و يقترن ذلك اليوم باسم تلك الفئة كيوم العمال ، و يوم المعلم ، و يوم الأم ..
لكننا لم نسمع بتخصيص يوم لتكريم الشهيد .. و في الإطار الاسلامي ، تميز يوم العاشر من محرم وحده ، بأنه يوم الشهيد ( حبذا لو اتخذت الشعوب الإسلامية بأجمعها هذا اليوم يوما للشهيد ، لتستلهم جميعها من هذه الذكرى ما يعينها على الوقوف بوجه انواع التحديات التي تواجهها ) ، ها نحن نجتمع في ليلة هذا اليوم الكبير لنعيش منطق الشهادة .
منطق العشق الإلهي الممزوج بمنطق الإصلاح الإجتماعي .. منطق الإنسان العارف المصلح .. منطق مسلم بن عوسجة ، و حبيب بن مظاهر و زهير بن القين و أمثالهم من الشهداء ، الذين يمثلون منطق الشهادة و شخصية الشهيد خير تمثيل .
في مثل هذه الليلة اجتمع الحسين (ع) بأصحابه ليقلدهم وساما ، يبين مكانتهم و منزلتهم ، و ليميط اللثام عن صمودهم و إصرارهم على انتخاب طريق الشهادة . جمع الحسين أصحابه عند قرب الماء - و في رواية عند قرب المساء - فخطبهم قائلا : " أثني على الله أحسن الثناء ، و أحمده على السراء و الضراء ، اللهم إني أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوة - و علمتنا القرآن ، و فقهتنا في الدين ".
ثم قال : " أما بعد فإني لا أعلم أصحابا أوفى و لا خيرا من أصحابي ، و لا أهل بيت أبر و لا أوصل من أهل بيتي ، جزاكم الله عني جميعا . ألا و أني أظن أن يومنا من هؤلاء الأعداء غدا ، و أني قد أذنت لكم ، فانطلقوا جميعا في حل ، ليس عليكم مني ذمام ، و هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا ، و ليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي ، فجزاكم الله جميعا خيرا ، و تفرقوا في سوادكم و مدائنكم ، فان القوم إنما يطلبوني ، ولو أصابوني لذهلوا عن طلب غيري ... " .
تقول الرواية :
" إن الحسين جمع أصحابه عند قرب الماء ، أو عند قرب المساء ، فان كانت ( قرب المساء ) فتعني قرب أمسية يوم التاسع من محرم . أما إن كانت ( قرب الماء ) ، فتعني في الخيمة المخصصة لقرب الماء في معسكر الحسين . و ربما جمع الحسين هؤلاء في هذه الخيمة لأنها أضحت خالية من الماء ... إذ أن أرباب المقاتل ، يذكرون أن آخر وجبة من الماء حصل عليها الحسين كانت ليلة العاشر من محرم ، و في هذه الليلة شرب من كان مع الحسين ، ثم قال لأصحابه : إغتسلوا بما بقي من هذا الماء ، فإنه آخر حظكم من ماء الدنيا .
و يبتدئ الحسين - في خطبته - بالثناء على الله تعالى و حمده على كل حال . عبارات الحمد و الشكر ، تتردد على لسان الحسين دوما ، معبرة عن الإرتباط الوثيق بينه و بين الله تعالى . فقد أجاب الفرزدق حين قال له: قلوب الناس معك و سيوفهم عليك : " إن نزل القضاء بما نحب فنحمد الله على نعمائه ، و هو المستعان على أداء الشكر ، و إن حال القضاء دون الرجاء ، فلم يعتد من كان الحق نيته و التقوى سريرته " ، (الكامل 3/276 و الطبري 4/ 290).
شفاعة الشهيد و طبيعة الموت
جسد الشهيد
الموت عند الاولياء والصالحين