خلقكم من نفس واحدة و جعل منها زوجها
في سورة الأعراف ، قال تعالى : ( هو الذي خلقكم من نفس واحدة و جعل منها زوجها ليسكن إليها ) ، المقصود من زوج في هذه الآية هي المرأة التي هي زوجة الرجل ، و أفضل تعبير للمرأة هي كلمة زوج و جمعها أزواج ، و ليس زوجة التي جمعها زوجات ، و التعبير عن المرأة بكلمة زوجة ليس فصيحاً بل ان الراغب اعتبرها في المفردات لغة رديثة ، لذا لم تذكر المرأة في أي جزء من القرآن بعنوان زوجة ، و لم تذكر نساء الدنيا أو الآخرة بعنوان زوجات ، بل ذكرن فقط بعنوان زوج و أزواج ؛ و لأن عنوان امرأة طرح مع تعبير زوج ، يستفاد من الآية ان الرجل بعنوان زوج و ضمير مذكر ، ليسكن يعود إلى الرجل أي أن الرجل بدون المراة ليس لديه سكينة ، و هو يحتاج إلى أنيس .
و ضمير إليها ـ المؤنث يعود إلى الزوج أي المرأة ، و يصبح مفاد ذلك هكذا أن الميل الأنسي ، هو الرجل إلى المرأة ، و لايأنس بدونها ، و يأنس معها ، و يسكن ، و تتضمن آية سورة الأعراف مسائل أخرى خارج إطار هذا البحث . و مرجع ضمير ـ إليها ـ ليس هو نفس واحدة ، بل كما ذكر أن مرجع الضمير هو الزوج ، الذي استعمل بمعنى المرأة في سورة الروم ، قال تعالى : (و من آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها ، و جعل بينكم مودة ، و رحمة ان في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) . المسائل التي تستنبط من هذه الآية الكريمة غير التي تستظهر من آية سورة الأعراف هي عبارة عن :
1 ـ ان جميع النساء هن مثل الرجال من حيث جوهرة الوجود وأصل المبدأ القابلي ، و خلق أية امرأة ليس منفصلاً عن خلق الرجل ، طبعاً مسألة الطينة لها حكم منفصل فطينة أولياء الله ممتازة عن غيرهم ، و هذا البحث لا يختص بالمرأة أو الرجل ، و ليس هناك أي فرق في هذا التماثل بين أول إنسان و الناس اللاحقين كما أنه ليس هناك أمتياز من هذه الناحية بين الأولياء و الآخرين .
2 ـ جميع النساء هن من سنخ جوهرة الرجل من حيث الحقيقة ، مثل التعبير الذي ذكر في شأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم ) ، (سورة آل عمران ، الآية : 164) ـ ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم ) ، (سورة التوبة ، الآية : 128) . طبعاً هناك فرق كثير بين الوجود النير للنبي صلى الله عليه و آله و سلم و الآخرين ، ولكن هذا لا يؤدي إلى أن يكون الوجود المبارك للرسول صلى الله عليه وآله و سلم نوعاً منفصلاً عن النوع المتعارف للإنسان ، كما أن الوجود النير لفاطمة الزهراء عليها السلام له ميزات كثيرة لا توجد في غير الأنبياء و الأئمة عليهم السلام ، و هذه الميزات المعنوية لا تمنع الوحدة النوعية لفاطمة الزهراء عليها السلام مع النساء الأخر .
3 ـ ان منشأ ميل الرجل إلى المرأة ، و سكن الرجل في ظل الأنس إلى المرأة هو المودة و الرحمة التي جعلها الله بينهما ، و هذه المودة و الرحمة الإلهية هي غير ميل غريزة الذكر و الأنثى الموجودة في الحيوانات أيضاً ، و في القرآن لم يذكر الميل الشهوي للحيوانات كآية إلهية ، و لا يلاحظ تأكيد على ذلك ، و ما ورد في حديث زرارة عن الإمام الصادق عليه السلام ، يؤيد أن الاصالة في ميل الرجل إلى المرأة هي المحبة الإلهية ؛ لأن مسألة الشهوة الجنسية أعطيت لآدم بعد الأنس الإنساني لآدم عليه السلام بحواء طبق الحديث السابق ، و في المرتبة السابقة حيث كان الكلام عن الرأفة القلبية لم يطرح كلام عن الغريزة الشهوية أصلاً ، و من هذه الناحية كانت المرأة محبوبة عند رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم حيث قال : " حبب إليّ من دنياكم النساء والطيب وقرة عيني في الصلاة " ، (الخصال للصدوق . باب ثلاثة) ، و في ضوء هذه الرؤية روى الإمام الباقر عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم : " ما بني بناء في الإسلام أحبّ إلى الله تعالى من التزويج " ، (من لا يحضره الفقيه ج 3 ص 383) . و روى الإمام الصادق عليه السلام عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم : " من تزوج أحرز نصف دينه " .. ، (المصدر السابق) ، و قال الإمام الصادق عليه السلام : " أكثر الخير في النساء" ، (المصدر نفسه ص 385) .
الجوادي الآملي