استشهاد الشهيد رجائي
حلّق هذا الرجل العزيز الكريم بصحبة رفيقه القديم الشهيد الدكتور باهنر و اللواء دستجردي ، مدير الشرطة العام إلى الملكوت الأعلى في اجتماع لإحدى لجان الأمن القومي بواسطة قنبلة موقوتة ، زرعها أحد عناصر النفاق كان قد تسلل إلى رئاسة الوزراء.
في ذلك اليوم و بكلام الله أضفى محمد علي رجائي على اجتماع مجلس الأمن القومي كالعادة الصفة الرسمية ( بسم الله الرحمن الرحيم * و العصر * إنّ الإنسان لفي خسر * إلاّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحقّ و تواصوا بالصبر ) . و كان يستهلّ حديثه به في كلّ الاجتماعات عادة.
كان اجتماع مجلس الأمن يعقد أسبوعياً و كان أعضاؤه الدائمون : رجائي ( رئيس الجمهورية ) ، باهنر ( رئيس الوزراء )، كلاهدوز ( نائب قائد قوات حرس الثورة الإسلامية ) ، دستجردي ( مدير الشرطة ) ، ضبّاط الدرك ، ثلاثة من كبار ضبّاط القوات النظامية و الامن الداخلي ، و أخيراً المجرم كشميري .
عقد الاجتماع المذكور في الساعة 45،2 ظهراً ، دخل الشهيد باهنر متأخّراً لبضعة دقائق وجلس إلى جانب رجائي رفيقه في النضال.
كان من المقرّر أن يكون هذا آخر اجتماع لمجلس الأمن يشترك فيه الشهيد رجائي ، على أن تعقد اجتماعاته اللاحقة برئاسة الشهيد باهنر . و حتّى في هذا الاجتماع حاول رجائي عدّة مرات إعطاء مكانه لباهنر لمواصلة الاجتماع ، إلاّ أنّ باهنر عارض الفكرة و طلب إليه أن يكون هذا آخر اجتماع يشارك فيه.
بدأ اجتماع مجلس الأمن بحديث ( مدير الشرطة ) الشهيد دستجردي ، الذي قدّم تقريراً عن أوضاع مدينة طهران و الأحداث التي وقعت فيها خلال الاسبوع المنصرم . و كان كشميري الذي يعمل كأمين للمجلس ، قد دخل إلى قاعة الاجتماع قبل الجميع و بيده حقيبة سوداء ، و كان يكثر الدخول و الخروج ، و قد شغّل مسجّله الصغير كالعادة ، و وضعه على الطاولة في الوسط.
في المرّة الأخيرة التي دخل فيها كشميري إلى غرفة الاجتماع ، كان يحمل بيده طبقاً فيه آنية الشاي و لم يره أحد بعدها. كان رجلاً غامضاً . و مع أنّه عمل مدّة طويلة في مجلس الأمن ، و كان يشارك في اجتماعاته كمحرّر و مدير لكنّ المرء قلّما كان يشاهده.
لقد كان كشميري مجرماً حقّاً بما في الكلمة من معنى . و على الرغم من عمله لما يقارب السنة مع هاتين الشخصيتين و مع معرفته بخصائصهما السامية ، إلاّ أنّه جلب في ذلك اليوم تلك “ الحقيبة القاتلة ” إلى قاعة الاجتماع بكل برود ، و وضعها بين كرسيي رجائي و باهنر.
كان على اطلاع تام بكلّ تفاصيل الاجتماع ، حتى ان دخول أعضاء المجلس إلى قاعة الاجتماع لابدّ و أن يكون بإذنه.
لم يزل الاجتماع معقوداً حتّى الساعة الثالثة بعد الظهر ، و كان حديث الأعضاء يتركّز حول كيفية استشهاد ، و سجايا النقيب همتي ، الذي كان آمراً لوحدة مالك الأشتر ، و الذين استشهد أخيراً في باختران.
انتهى تقرير العقيد دستجردي ، و كان رجائي يرد على سؤال كلاهدوز عن تفاصيل استشهاد آمر وحدة مالك الأشتر . و لايتذكّر أحد ممن جرحوا في الحادثة على وجه الدقّة العبارات الأخيرة التي قالها رجائي في هذا الصدد ؛ و ذلك لأنّ قنبلة انفجرت بعد ذلك بلحظات ، ولكن من المسلّم به أنّ آخر ما تحدّث به الشهيد رجائي كان بشأن الشهادة و دور الشهداء في الثورة الإسلامية.
في الساعة الثالثة و الدقيقة الرابعة عشر كان رجائي يتحدّث بوجه وضّاء عن الشهادة و الشهيد ، و فجأة انطفأت مصابيح القاعة في لحظة واحدة ثمّ أضاء القاعة ، و هج شديد حيث التهبت النيران كلّ الأرجاء.
كانت القنبلة قد وضعت في حقيقة سوداء كبيرة أدخلها المجرم كشميري إلى الاجتماع ، و وضعها بين كرسيي رجائي و باهنر، و كانت من القنابل التخريبية الحارقة. و لهذا السبب أدّت قوّة عصفها إلى انهيار قسم من سقف القاعة و إلى تناثر كراسي المجتمعين إلى أطراف القاعة ، و شبّت النيران بالتزامن مع ذلك في كلّ مكان ، فيما سرت النار و الدخان سريعاً في الصالة و سائر الغرف الأخرى في ذلك الطابق.
و قد أدّت البسط السميكة المفروشة في الغرف ، و ورق الجدران ، و الطبقة الخشبية التي تغطّي الممرات إلى تفاقم شدّة اللهب الذي أحدثه انفجار القنبلة الحارقة. و خلال بضعة دقائق تحوّل الطابق الأول من مبنى رئاسة الوزراء إلى كتل هائلة من النار و الدخان.
سرى لهيب النيران و الدخان بسرعة إلى جميع أقسام بناية رئاسة الوزراء ، و صعد العاملون في البناية إلى طبقاتها العليا ، و كان أحدهم و يدعى الشهيد دفتريان قد عزم على استخدام المصعد الكهربائي للنزول ، إلاّ أنّه بسبب انقطاع التيار الكهربائي بقي في وسط الطريق فاستشهد جرّاء الدخان الكثيف.
كما و أنّ عجوزاً كانت تمرّ عند حصول الانفجار من جوار البناية أصيب رأسها بحجر فاستشهدت.
لعلّ أوّل اتصال هاتفي جرى من مبنى رئاسة الوزراء ، هو الاتصال الذي أجراه كمال رجائي مع والدته التي كانت تتهيء للمجيء إلى مبنى رئاسة الوزراء لمقابلة زوجها.
انهمك كمال في البحث عن أبيه . و إلى ما بعد 15 دقيقة من الانفجار لم يطّلع أحد على مصير الشهيدين ، إلى أن دخل عدد من رجال الإطفاء الذين يرتدون ملابس خاصّة إلى غرفة مجلس الأمن ، و عثروا هناك على جسدين محترقين بالكامل لايمكن التعرّف عليهما أصلاً.
إلاّ أنّ أحداً لم يسمح لنفسه حتّى بتصوّر أنّ هذين الجسدين المحترقين بنار حقد الأعداء هما رجائي و باهنر.
بعد ساعة من الاتصال الهاتفي الأول الذي أجراه كمال ، دقّ جرس الهاتف مرّة أخرى في دار رجائي التي لازالت تحمل عنه الكثير من الذكريات ، و إذا بصوت خنقته العبرة ، و هو غير قادر على حبس بكائه يقول : “ أمّاه لقد ذهب أبي ” ، معلناً عن استشهاد رجائي . و هكذا هاجر رفيقا الخندق الواحد إلى ربّهما بجسد محروق و قلب طافح بالأمل لتقديم مزيد من الخدمة للأمّة الإسلامية.
المصدر : دار الولاية للثقافه و الاعلام _ مع التصرف
الإمام الخميني (قده) مخاطباً الجماهير المفجوعة باستشهاد الشهيدين رجائي و باهنر