خطة اوباما "للسلام" خطة لادارة الصراع لا للتسوية
تعكف ادارة الرئيس الاميركي براك اوباما على وضع خطة لتسوية الصراع في الشرق الاوسط ، تعتمد بشكل رئيسي على ادراك الرئيس اوباما و ادارته ، بان الحروب ليست الحل الاوحد لتحقيق مصالح الولايات المتحدة الاميركية ، و ان محاربة الارهاب تتطلب استخدام الدبلوماسية ، التي يمكن ان تزيد من مشاعر العداء للولايات المتحدة ، و تعطي مبرر لاستخدام العنف و الارهاب ضدها
تعكف ادارة الرئيس الاميركي براك اوباما على وضع خطة لتسوية الصراع في الشرق الاوسط ، تعتمد بشكل رئيسي على ادراك الرئيس اوباما و ادارته ، بان الحروب ليست الحل الاوحد لتحقيق مصالح الولايات المتحدة الاميركية ، و ان محاربة الارهاب تتطلب استخدام الدبلوماسية ، كاداة ضاغطة من اجل تجفيف مصادر الارهاب او الانتهاء من الذرائع ، التي يمكن ان تزيد من مشاعر العداء للولايات المتحدة ، و تعطي مبرر لاستخدام العنف و الارهاب ضدها ، و ان ما لاتستطيع القوة تحقيقة ربما يمكن للدبلوماسية النشطة و الفعالة ، ان تحققه خاصة في المناطق الاكثر تعرضا للظلم و الاضطهاد ، و هذا ما دفع الولايات المتحدة الى البحث عن سياسات جديده تجاه افريقيا و الشرق الاوسط ، لما لهاتين المنطقتين من اهمية في السياسة الاميركية الخارجية و ما لها من مصالح فيهما.
ان الادارة الاميركية الجديدة تماما كالادارات التي سبقتها ، و التي ستلحق بها لا يحركها الا رغبتها في تحقيق اقصى ما يمكن تحقيقة من مكاسب نتيجة وجودها و فعاليتها و نفوذها في اي منطقة من مناطق العالم ، فالولايات المتحدة ليست هيئة انسانية تقدم خدمات و مساعدات مجانية لشعوب و دول المنطقة ، و ليست لجنة مساع حميدة تهدف الى المصالحة بين اطراف الصراع في المنطقة ، بل هي دولة و دولة عظمى تبحث عن مصالحها و اهدافها ، و ان اختلفت اليات تحقيق هذه الاهداف بين ادارة و اخرى ، و ما يحرك الولايات المتحدة للبحث عن حل للصراع العربي الاسرائيلي هو ان هذا الصراع اصبح مكلفا سياسيا و امنيا و عسكريا للادارة الاميركية ، و مصدرا للقلق على مصالحها و حلفائها في المنطقة ، و يشكل مدخلا مهما في التصعيد ضدها و محاربتها بل حتي الانتقام منها.
ان اي تصور اميركي للحل و اي خطة توضع يجب ان تحظى بموافقة الاطراف المتصارعة عليها و الالتزام بها تمهيدا لاحترامها و تنفيذها ، و الا فانها ستضاف الى ما سبقها من اتفاقيات و تفاهمات و قرارات دولية منذ بداية القرن الماضي ، فشلت جميعها في الوصول الى حلول للصراع العربي الاسرائيلي ، و حل عادل للقضية الفلسطينية ، لان جميع الاتفاقات السابقة لم تقم على رضى الاطراف ، و لم تحقق الحد الادني الذي يمكن قبولة من الاطراف ، و بالتالى اصطدمت اما بعدم الرغبة بالتنفيذ او بعدم القدرة على التنفيذ ، او بعدم امكانية القبول من حيث المبدا ، وبالتالى فان اي مبادره او خطة جديده سواء اميركية او غيرها لا تراعي مصالح كل الاطراف و رغباتها و حقوق الشعوب في الحرية و الاستقلال ستواجه نفس المصير التي واجهته سابقاتها.
ان المعطيات السابقة و عند تطبيقها على الخطة الاميركية المقترحة ، يعطي انطباعا ان الادارة الاميركية لم تستفد من التجارب السابقة ، فالخطة هي تصور جميل للقاء اطراف الصراع في اجتماع دولي برعاية اميركية روسية اوروبيه ، و هذا تماما ما تم قبل ذلك مرتين الاولي في مؤتمر مدريد للسلام في العام 1991، و الثانية في مؤتمر انابوليس في العام 2007 ، و بالتالى تجربة اللقاء الدولي دون وضع ضمانات مسبقة و خطط لتنفيذ القرارات و اليات رقابة و نظام للعقوبات على من لايلتزم بالاتفاقات الصادرة عنه ستجعل منه نسخة ثالثه ، و ربما اكثر تشويها لمدريد و انابوليس ،كما ان البحث عن حلول قد تفسر على انها ضد المصلحة الوطنية لاطراف الصراع خاصة للفلسطينيين ، ستؤدي بالضرورة الى مقاومة هذه الحلول و عزلها و اسقاطها ، او في احسن الاحوال منع الاستفادة من تنفيذها ، فالاتفاقات الاقليمية الهادفة الى التطبيع سبق ، و ان جربت ايضا عبر اللجان التي شكلت للتعاون الاقليمي و غيرها من المسميات ، و التي سرعان ما جاءت الانتفاضة الفلسطينية الثانية ـ نتيجة انسداد افق التسوية ـ و اعادت الامور الى ما كانت عليه قبل توقيع اتفاق اوسلو و ما تبعه من اتفاقيات ، و توقف التعاون الاقليمي و اغلقت السفارات بل ان الاتفاقات التي وقعت بين كل من مصر و الاردن من جهة و اسرائيل من جهة ثانية لم تستطيع اشاعة اجواء السلام حتي في هذه الدول نفسها.
ان خطة اوباما التي تدعو بالاساس الى التطبيع بين العرب و اسرائيل، و الى دولة فلسطينية مقسمة بالكتل الاستيطانية التي ستضم لاسرائيل ، و الرافضة لاي حل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين وفقا لقرارات الامم المتحدة ، و حل مجزوء و شكلي في القدس ، و المبنية بالاساس على رؤية اسرائيل للحل عبر دولة الجدار دون القدس و دون المستوطنات و ربما دون غزه ايضا ، لا تهدف الى حل الصراع بل الى اطالة امد الصراع و الذهاب الى مفاوضات جديدة ستؤدي في النهاية الى صدامات وربما حروب جديدة.
ان الحلول المؤقتة و تاجيل القضايا الرئيسية للصراع و ترحيلها الى المستقبل ، فشلت سابقا في الحفاظ على الاتفاقات الموقعة ، بل ربما ساعدت في زيادة الاحباط مما ادى الى اندلاع مزيد من العنف وا لحروب ، فتطبيق المراحل الانتقالية من اتفاقات اوسلو ، لم يمنع تحطيم و تدمير الاتفاقات ، و ما نتج عنها عندما بدا البحث الجدي عن حلول لقضايا الحل الدائم و الفشل في حلها ، كما ان الانسحاب الاسرائيلي احادي الجانب من جنوب لبنان و من قطاع غزة ادى الى اندلاع حربين ربما هما من الحروب الاكبر في تاريخ الصراع ، و بالتالى التهرب من معالجة القضايا الجوهرية و الرئيسية يدفع باتجاه تاجيل الصدام و ليس انهائه.
كما ان غياب العدل و الانصاف للشعب الفلسطيني و قضاياه العادلة و ضمان حقة في الحرية و الاستقلال و اقامة دولته الفلسطينية كاملة السيادة و عاصمتها القدس و حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين وفقا للقرار 194 ، لن يحظى بموافقة لاالشعب الفلسطيني و لاحتي موافقة اي سلطة فلسطينية ، و بغض النظر عن من يقودها سواء انصار التسوية او انصار المقاوم ة، فالثوابت الفلسطينية التي تجاوزتها ملامح خطة اوباما لن تجد من يقبلها او على اسوا تقدير من ينفذها في الشعب الفلسطيني.
ان خطة اوباما التي تدعو بالاساس الى التطبيع بين العرب و اسرائيل، و الى دولة فلسطينية مقسمة بالكتل الاستيطانية التي ستضم لاسرائيل ، و الرافضة لاي حل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين وفقا لقرارات الامم المتحدة ، و حل مجزوء و شكلي في القدس ، و المبنية بالاساس على رؤية اسرائيل للحل عبر دولة الجدار دون القدس و دون المستوطنات و ربما دون غزه ايضا ، لا تهدف الى حل الصراع بل الى اطالة امد الصراع و الذهاب الى مفاوضات جديدة ستؤدي في النهاية الى صدامات وربما حروب جديدة.
ان ادارة اوباما ـ اذا مارغبت في نجاح هذه الخطة ـ مطالبة بان تتعلم من دروس و عبر الماضي و ان تراجع الاتفاقات التي فشلت سابقا للاستفادة منها في صياغة خطة تقوم على رغبة حقيقية لانهاء الصراع لا ادارته فقط ، و اعتقد ان مصلحة الولايات الامتحدة الاميركية ، تكمن في الحل العادل القابل للتطبيق ، و ليس فقط في مواقف اعلامية ضد الاستيطان حتي و ان كانت هذه المواقف و التصريحات مهمة ايضا ، ولكن العبرة في الافعال لا في الاقول ، و الامور سياسيا تقاس بنتائجها و ليس بما يحيط بها من هالة اعلامية حتى لو اندفع البعض الى الترحيب بالمبادرة الاميركية ربما بفعل العادة ان ما يصدر عن اميركا يجب الترحيب به، او بفعل الرغبة في الجلوس على مقعد في هذا الاجتماع الاقليمي للبحث عن دور سياسي حتي ولو كان على حساب الشعوب و مصالحها.
* د. وجيه ابو ظريفة- الخبير في الشؤون الاسرائيلية - عضو اللجنة المركزية لحزب الشعب الفلسطيني