2 - (ان تصيبوا قوما بجهالة). يظهر من كثير من التفاسير أن هذا المقطع من الآية كلام مستأنف جاء لتعليل وجوب التبين. وتبعهم على ذلك بعض الاصوليين الذين بحثوا هذه الآية هنا.
ولاجل ذلك قدروا لكلمة (فتبينوا) مفعولا، فقالوا مثلا : (معناه فتبينوا صدقة من كذبه): كما قدروا لتحقيق نظم الآية وربطها لتصلح هذه الفقرة أن تكون تعليلا كلمة تدل على التعليل بأن قالوا: (معناها: خشية ان تصيبوا قوما بجهالة، او حذار ان تصيبوا، أو لئلا تصيبوا قوما. ) ونحو ذلك.
وهذه التقديرات كلها تكلف وتمحل لا تساعد عليها قرينة ولا قاعدة عربية. ومن العجيب ان يؤخذ ذلك بنظر الاعتبار ويرسل ارسال المسلمات.
والذي أرجحه ان مقتضى سياق الكلام والاتساق مع اصول القواعد العربية أن يكون قوله: (ان تصيبوا قوما. ) مفعولا لتبينوا فيكون معناه (فتثبتوا واحذروا اصابة قوم بجهالة).
والظاهر أن قوله تعالى: (فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة) يكون كناية عن لازم معناه، وهو عدم حجية خبر الفاسق، لانه لو حجة لما دعا إلى الحذر من اصابة قوم بجهالة عند العمل به ثم من الندم على العمل به.
3 - (الجهالة): اسم مأخوذ من الجهل او مصدر ثان له، قال عنها أهل اللغة: (الجهالة: ان تفعل فعلا بغير العلم) ثم هم فسروا الجهل بانه المقابل للعلم، عبروا عنه تارة بتقابل التضاد وأخرى بتقابل النقيض، وان كان الاصح في التعبير العلمي انه من تقابل العدم والملكة.
والذي يبدو لي من تتبع استعمال كلمة الجهل ومشتقاتها في أصول اللغة العربية ان اعطاء لفظ الجهل معنى يقابل العلم بهذا التحديد الضيق لمعناه جاء مصطلحا جديدا عند المسلمين في عهدهم لنقل الفلسفة اليوناية إلى العربية الذي استدعى تحديد معاني كثير من الالفاظ وكسبها اطارا يناسب
الافكار الفلسفية، والا فالجهل في أصل اللغة كان يعطي معنى يقابل الحكمة والتعقل والروية، فهو