جدلية الدين والسياسة من يطوع من؟
الإسلام والسياسة
الإسلام السياسي والغرب
ترويض الإسلامويين من خلال إشراكهم بالحياة السياسية
رؤية سوسيولوجية في الإسلام السياسي
الحركة الإسلامية في صوغ المجال السياسي
لغة الإسلام السياسي
الوجوه المتبدلة للاسلام السياسي
التماهي بين الديني والسياسي ليس «فعلاً حديثا» بقدر ما هو ضارب في عروق التاريخ البشري ـ الإسلامي وغير الإسلامي ـ المكتظ بحمولات «تسييس الدين» و«تديين السياسة»، الأمر الذي يصبح معه البحث عن الخيط الفاصل بين «الديني» و«الدينوي» ـ بما يتضمنه من نزعات سياسية واجتماعية وسواها ـ من أهم وأعقد المباحث الفكرية والفلسفية في العصر الحديث.
والتاريخ الإسلامي مكتنز بنماذج هائلة تصب في هذا الاتجاه كانت نتاج هذا التماهي بين «الديني» و«السياسي» سواء في السلطة أو في المعارضة. وهو ما جعل كل فريق يمارس عملية تنظير شرعي وحشد نصوصي يثبت فيه صحة موقفه السياسي و«لا شرعية» موقف الخصم. الأمر الذي أدى إلى نشوء مذاهب وعقائد واتجاهات فكرية وفلسفية كان الدافع السياسي رقماً مهماً في نشوئها وتكونها. وهو ما تناولته بالبحث والدراسة مؤلفات حديثة متعددة حاولت الغوص في تأثير البعد السياسي في نشوء وتكوّن هذه المذاهب والاتجاهات في التاريخ الإسلامي كبعض إنتاجات الجابري وفهمي جدعان وهشام جعيط وسواهم.
أما الحديث عن «الإٍسلام السياسي»، فقد بات اليوم أكثر رواجاً من أن يقتصر على اهتمام الدوائر البحثية والثقافية بسبب تزايد أهمية هذا المبحث لارتباطه المباشر بالفعل السياسي الملتصق بحياة الناس، ودخوله ميدان التأثير المتزايد على دوائر السياسة الدولية. خصوصاً بعد أحداث سبتمبر التي جعلت الحديث عن «الإرهاب» مرتبطاً في كثير من الأحيان بالحديث عن الإسلام السياسي. مما زاد من الجرعة البحثية عن هذا الموضوع سواء في العالم العربي أو في المراكز الاستشراقية الغربية وعلى يد باحثين كبار كبرنارد لويس وأولفييه روا وجيل كيبل وفرانسوا بورغا وسواهم.
ويتمحور الحديث حول أن حركات «الإسلام السياسي» هي في حقيقتها حركات سياسية برغماتية بالدرجة الأولى لها رؤاها وحساباتها ومشروعها السياسي. ربما ساهمت البواعث الدينية والعقدية في تكوينها، ولكنها تسيست بعد دخول المعترك السياسي. وأصبح الدين مجرد غطاء يُستخدم لحشد الجماهير وردع الخصوم وكسب الرأي العام، ووسيلة للّعب على العاطفة الدينية الفطرية للجماهير وكسب تأييدها عن طريق النزعة الشعاراتية المفضلة لهذه الحركات، والتي تُستخدم في كل ميادين العمل السياسي كمقولات «القرآن دستورنا» و«الإسلام هو الحل» ورفع المصحف تحت قبة البرلمان في وجوه الخصوم السياسيين في إيحاء ديني لا تخفى دلالته حتى على البسطاء.
يتضح ذلك جلياً لمن يعايش أو يقترب من كواليس العمل السياسي داخل أروقة الحركات والأحزاب الإسلامية حين يكتشف أن الصراع السياسي والبحث عن الحضور الشخصي والمكاسب الذاتية هي الدوافع الطاغية على العاملين في الحقل السياسي الإسلامي. وأن الدوافع الدينية تبقى محدودة وتضيع وسط زحام المصالح والمكاسب الشخصية. وأقرب مثال لذلك ما حصل في الأردن مؤخراً حيث قررت جبهة العمل الإسلامي ـ الجناح السياسي للإخوان المسلمين ـ تغيير بعض الوجوه السياسية «المعمرة» في البرلمان بوجوه شابة وجديدة. ونتج عن ذلك رفض بعض هذه الشخصيات البرلمانية المعمرة لفكرة التغيير. وقررت الانسحاب من الجبهة والترشح للبرلمان كشخصيات مستقلة. وسارت في طريقها نحو البرلمان لتطأ تحت قدميها كل ماضيها النضالي وشعاراتها حول الصف الإسلامي الموحد والتضحية من أجل الدين والدعوة حين وصلت هذه الشعارات إلى مرحلة التطبيق وإلى محك حقيقي يثبت مدى صلابة وصدقية هذه الدعوات التي رددوها لعشرات السنين.
حركات «الإسلام السياسي» تضفي قدسية على الخلاف السياسي، وتجعل الاختلاف في الرؤى والمشروعات السياسية خلافاً دينياً عقائدياً لا مكان فيه للفكر المغاير، ولا رأي فيه إلا لأولئك الموقعين عن رب العالمين. ولكن البعض يرى أن في هذا الطرح مصادرة لحرية «الموقف السياسي» للفرد، المكفول في مواثيق حقوق الإنسان، وذلك بوضع اشتراطات وخطوط حمراء على حقول فكرية وأنماط في التفكير السياسي هي في حقيقتها الأكثر رواجاً وانتشاراً في العالم العربي والإسلامي اليوم.
كما أن هذا الطرح يصب في اتجاه تسويغ القمع والمصادرة التي تمارس ضد الحركات والأحزاب السياسية الإسلامية، وتبرير حرمانها من العمل السياسي العلني. أو السماح لها ولكن وفق سقف محدود في العمل والحركة والمشاركة لا يمكن لها تجاوزه. وذلك بحجة أنها أحزاب دينية. في حين تعمل الأحزاب المسيحية والدينية في الغرب «العلماني» بحرية مطلقة ودون قيود.
إضافة إلى أن هذه الحركات والأحزاب السياسية الإسلامية هي في حقيقتها تجمعات ديمقراطية تؤمن ـ وبشكل صارم ـ بالتعددية السياسية وبحرية تكوّن وتشكل الفكر ضمن الفضاء السياسي والثقافي المفتوح. وباتت تعلن صباح مساء أنها لا تحتكر فهم الإسلام، وأنها لا تمثل إلا رؤاها وأفكارها السياسية. وأن للجميع الحق في مخالفتها وفق أرضية ديمقراطية للعمل السياسي لا تصادر حق أحد في الوصول إلى الجماهير ومخاطبتها.
ويتساءل بعضهم.. لماذا في الوقت الذي يُصادَر فيه على الإسلاميين حقهم في العمل السياسي يُغض الطرف عن الأحزاب والحركات القومية واليسارية التي ما فتئت تحتكر الحقيقة وتمارس عملية تخوين وتشنيع على المخالف السياسي والتخطير لأفعاله ومواقفه الفكرية والسياسية؟
ويبقى السؤال..
إلى أي حد يغدو «الإسلام السياسي» حراكاً سياسياً مشروعاً.. وهل «الدين» أم «السياسة» باتت الروح الدافعة لعمل هذه الحركات؟
المصدر: نواف القديمي/ البلاغ