نعم الحرّ حرّ بني رياح
الحرّ بن يزيد بن ناجية كان من وجوه وشجعان العرب، أرسله والي الكوفة عبيد الله بن زياد مع ألف فارس؛ لصدّ الإمام الحسين(عليه السلام) من الدخول إلى الكوفة.
سار بجيشه لتنفيذ هذا المهمّة، فالتقى بركب الإمام الحسين(عليه السلام) عند جبل ذي حسم، ولمّا حان وقت صلاة الظهر صلّى وأصحابه خلف الإمام الحسين(عليه السلام).
ثمّ عرض عليه الإمام الحسين(عليه السلام) كتب أهل الكوفة التي يطلبون فيها منه المجيء إليهم.
فقال الحر: «فإنّا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك، وقد أُمرنا إذا نحن لقيناك ألاّ نفارقك حتّى نقدّمك على عبيد الله بن زياد»(1).
ثمّ لازم ركب الإمام الحسين(عليه السلام)، وأخذ يسايره حتّى أنزله منطقة كربلاء.
نقطة التحول
لمّا رأى(رضي الله عنه) إصرار القوم على قتال الإمام الحسين(عليه السلام) بدأ يفكّر في أمره، وأقبل يدنو نحو الحسين(عليه السلام) قليلاً قليلاً، «فقال له رجل من قومه، يقال له المهاجر بن أوس: ما تريد يا ابن يزيد؟ أتريد أن تحمل؟ فسكت، وأخذه مثل العرواء، فقال له: يا ابن يزيد، والله إنّ أمرك لمريب، والله ما رأيت منك في موقف قط مثل شيء أراه الآن، ولو قيل لي مَن أشجع أهل الكوفة رجلاً ما عدوتك، فما هذا الذي أرى منك؟
قال: إنّي والله أخيّر نفسي بين الجنّة والنار، ووالله لا أختار على الجنّة شيئاً، ولو قطّعت وحرّقت. ثمّ ضرب فرسه فلحق بالحسين(عليه السلام)»(2).
لحظة اللقاء
وقف بين يدي الإمام(عليه السلام) معلناً توبته، قائلاً: «إنّي قد جئتك تائباً ممّا كان منّي إلى ربّي، ومواسياً لك بنفسي حتّى أموت بين يديك، أفترى ذلك لي توبة؟ قال(عليه السلام): نعم، يتوب الله عليك، ويغفر لك»(3).
ثمّ قال للإمام الحسين(عليه السلام): «[لمّا] وجّهني عبيد الله إليك خرجت من القصر فنوديت من خلفي: أبشر يا حرّ بخير. فالتفت فلم أر أحداً، فقلت: والله ما هذه بشارة وأنا أسير إلى الحسين وما أحدّث نفسي باتباعك. فقال(عليه السلام): لقد أصبت أجراً وخيراً»(4).
خاطب(رضي الله عنه) عسكر الأعداء بقوله: «أيّها القوم، ألا تقبلون من الحسين خصلة من هذه الخصال التي عرضها عليكم، فيعافيكم الله من حربه وقتاله... يا أهل الكوفة، لأُمّكم الهبل والعبر أدعوتموه حتّى إذا أتاكم أسلمتموه، وزعمتم أنّكم قاتلوا أنفسكم دونه، ثمّ عدوتم عليه لتقتلوه، أمسكتم بنفسه وأحطتم به، ومنعتموه من التوجّه في بلاد الله العريضة حتّى يأمن ويأمن أهل بيته، فأصبح كالأسير لا يملك لنفسه نفعاً ولا يدفع عنها ضرّاً، ومنعتموه ومن معه عن ماء الفرات الجاري يشربه اليهودي والنصراني والمجوسي، ويتمرّغ فيه كلاب السواد وكلابه، وها هو وأهله قد صرعهم العطش بئسما خلفتم محمّداً في ذرّيته، لا سقاكم الله يوم الظمأ إن لم تتوبوا وتنزعوا عمّا أنتم عليه.
فرموه بالنبل فرجع حتّى وقف أمام الحسين(عليه السلام)»(5).
عروج الحرية
استأذن الحرُّ الحسينَ(عليه السلام) للقتال، فأذن له، فحمل على جيش عمر بن سعد، وهو يرتجز ويقول:
«إنّي أنا الحرّ ومأوى الضيف ** أضرب في أعناقكم بالسيف
عن خير مَن حَلّ بلاد الخيف ** أضربكم ولا أرى من حيف
فقتل نيفاً وأربعين رجلاً»(6).
ثمّ أحاطوا به من كلّ صوب وحدب، وأردوه قتيلاً، «فأتاه الحسين(عليه السلام)، ودمه يشخب، فقال: بخٍ بخٍ يا حر، أنت حرّ كما سمّيت في الدنيا والآخرة. ثمّ أنشأ الحسين(عليه السلام):
لنعم الحرّ حرّ بني رياح ** وحرّ عند مختلف الرماح
ونعم الحرّ إذ نادى حسيناً ** فجاد بنفسه عند الصباح»(7).
قال الشيخ محمّد السماوي(قدس سره): «كان الحرّ شريفاً في قومه جاهلية وإسلاماً»(8).
قال الشيخ عليّ النمازي الشاهرودي(قدس سره): «من شهداء كربلاء مع الحسين(عليه السلام)، وقضاياه مشهورة، ومتشرّف بسلام الناحية المقدّسة والرجبية»(9).
قال الشيخ محيي الدين المامقاني(قدس سره): «إنّ موقف بطلنا العظيم يوم عاشوراء ودفاعه عن سيّد شباب أهل الجنّة حتّى لفظ نفسه الأخير لا يدع مجالاً للبحث عن وثاقته وجلالته وعظيم منزلته عند الله سبحانه وتعالى، فهو ثقة جليل»(10).
ـــــــــ
1. مقتل الحسين لأبي مخنف: 84.
2. تاريخ الطبري 4/325.
3. مقتل الحسين لأبي مخنف: 122.
4. مثير الأحزان: 44.
5. الكامل في التاريخ 4/64.
6. مناقب آل أبي طالب 3/250.
7. الأمالي للصدوق: 223.
8. أبصار العين في أنصار الحسين: 203.
9. مستدركات علم رجال الحديث 2/324.
10. تنقيح المقال 18/176.
الشاعر سعيد بن مكّي النيلي
الشاعر أبو محمّد العوني ( رحمه الله )
الشاعر أبو فراس الحمداني ( رحمه الله )
الشاعر أبو نؤاس ( رحمه الله )