تغلب التربية على الوراثة
تبلغ العادات التربوية والتمارين الاصلاحية المتواصلة درجة من القوة في التأثير بحيث تتغلب على الصفات الوراثية وتحدث وضعاً جديداً في الأفراد، يقول الامام علي عليه السلام بهذا الصدد: "العادة طبع ثانٍ"1.
إن الرئتين في الانسان خلقتا لاستنشاق الهواء، والذي يدخن السيجارة لأول مرة، ويرسل دخانها إلى أعماق رئتيه يحس باضطراب عجيب، إذ يحس بدوار في رأسه، يبدأ بالسعال، تنتابه حالة التقيؤ تملآ الدموع عينيه وهكذا ينقلب حاله أثر الدخان. وهذا بديهي لأن الرئة لم تصنع للدخان بل للهواء النقي.
ولكن بتكرار التدخين تعتاد الرئة على الدخان وتتخلى عن طبعها الأولي الذي كان ينفر من الدخان. وهكذا ينقلب ما كان يبعث على النفور والاضطراب إلى أداة للتسلية والترويح عن النفس وهنا نقول بأن الرئة قد تربت على استنشاق الدخان، وعلى أثر التكرار حصلت على طبع ثانوي وتركت طبعها الاول. ولهذا السبب فانها ترتاح لعملها غير الطبيعي وتستمر عليه.
إن الأنبياء لم يأتوا لأن يحولوا المجانين الوراثيين إلى عقلاء، أو يجعلوا من البلداء الفطريين نوابغ، لأن هذا ما لا يمكن أن يحدث... لأن الأنبياء يريدون أن يخضعوا البشر إلى مراقبة إيمانية وعملية في خصوص الصفات القابلة للتغيير على ضوء التربية الصحيحة، لا يصالهم إلى السعادة والكمال الانساني.
أما بالنسبة إلى الذين ينتمون إلى أصول عائلية فينمون فيهم قابلياتهم ومواهبهم ويخرجون الفضائل الكامنة من مرحلة الاستعداد إلى مرحلة الفعلية لكيلا ينحرفوا عن الصراط المستقيم في مسير حياتهم. ويحفظوا ثروتهم الوراثية العظيمة من الملكات والفضائل، لكيلا يقعوا في هوة الفساد والجهل و الطيش على أثر مصاحبة الفساد والجهال والطائشين.
وأما بالنسبة إلى الذين ورثوا الصفات البذيئة من أبويهم فيعمل الأنبياء على إطفاء الاستعدادات الكامنة نحو الفساد فيهم بالتربية الصحيحة التدريجية واتخاذ الأساليب الأخلاقية الدقيقة. وبذلك يخرجونهم من طبائعهم الأولى إلى طبائع جديدة حاصلة من إحياء قوى الخير والصلاح في نفوسهم وتكون النتيجة أن يحوز هؤلاء على درجة لا بأس بها من الكمال... هذا العمل أمر ممكن في نظر العلم والدين. فما أكثر أولئك الذين كانوا متصفين بصفات رذيلة ثم زرع الاسلام في نفوسهم بذور الخير والصلاح واقتلع جذور الشر والفساد، فوصلوا بفضل التربية الاسلامية الرصينة إلى أوج السعادة.
"لوحدانية الانسان أصل مزدوج. فهي تأتي في وقت واحد من تركيب البويضة التي ينشأ منها وكذلك من تطوره ونموه ومن تاريخه... إن الخصائص الوراثية في البويضة ليست إلا ميول أو إمكانيات وهذه الميول تصبح حقيقة أو تظل تقديرية تبعاً للظروف التي تواجهها النطفة، فالطفل، ثم المراهق، إبان نموهم... وهكذا يتوقف أصل الانسان على الوراثة أكثر أهمية من النمو، أو العكس بالعكس؟... إن الملاحظات والتجارب تعلمنا أن الدور الذي تلعبه الوراثة والنمو يختلف في كل فرد، وإن قيمتها النسبية لا يمكن تحديدها عادة"3.
المصادر:
1- غرر الحكم ودرر الكلم ص:19.
2-الطفل بين الوراثة والتربية
3- الانسان ذلك المجهول ص:194.
نمو الطفل يتطلب تنوع الغذاء
الجسم يحتاج إلى غذاء كامل
تربية الجسم في الإسلام
الانحراف الروحي
دعائم ثقافة الطفل
تقويم السلوك عند الاطفال
التربية بين الدلال والإهمال والقسوة واللين