• عدد المراجعات :
  • 2256
  • 10/24/2005
  • تاريخ :

الأمومة عبء.. أم استمتاع؟

الامومه

نجلاء محفوظ

هل تراجع حلم الأمومة في عقل وقلب حواء، وانكمشت السعادة بها وتضاءل الإحساس بالرضا عنها وتنامت شكاوى الأمهات من الأبناء؟.. هل حدث ذلك بسبب التغير الطارئ على حياتنا وتسارع إيقاع الحياة وحصار الضغوط اليومية المتعددة؟ أم لخروج المرأة إلى العمل؟.. ولكن ماذا عن ربة المنزل التي لا تعمل والتي تتبرم من الأمومة وتراها أعباء متصلة يتخللها وميض خاطف من المتعة.

الأمهات الصغيرات

استمعت باحترام وود إلى اعترافات العديد من الأمهات، تفاوتت فيها نبرات الحديث ما بين الاعتراض المعقول والصراخ الغاضب (المكتوم).

انطلقت عدوى الشكوى من تبعات الأمومة -بحدة- إلى الأمهات الصغيرات، وقد فوجئت بجملة شائعة على ألسنة بعضهن مفادها أنها أصبحت (مربية) لأولاد زوجها وفي أحس الحالات للأولاد.

انهالت عليّ الاحتجاجات المتتالية بسرعة فائقة ومنقطعة النظير وكأنها إعلان حرب لا هوادة فيها ولا مجال لأي تراجع، فضلا عن إغلاق الباب نهائيا أمام أية محاولات للتفاوض وتخفيف حدة الاحتقان.

صرخت الأمهات من تصرفات الأبناء والبنات أيضا، وكيف أنهم يتميزون بالعناد والأنانية والعقوق والجحود، وأضاف بعضهن صفات أخرى مثل الغباء واللامبالاة والتحدي، وأكدت أخريات على ضرورة تذكر سلوكيات هامة لا يعرفها الأبناء، مثل عدم الالتزام بالنظافة لا الشخصية ولا في المنزل، ورفض تعلم الأساليب الراقية سواء في تناول الطعام أو في مخاطبة الكبار.

وتزايدت قوائم شكاوى الأمهات حتى تخيلت أنها بلا نهاية وأننا بحاجة إلى (أعمار) إضافية لنتمكن من مجرد استيعابها، ناهيك عن محاولة البحث عن حلول واقعية لها أو التقليل من أضرارها.

ليست مجرد رحلة

ولتخرج من هذه الدائرة "المجهدة" كل من تدور فيها فلا بد لها من كسرها فورا والقفز بأقصى طاقتها إلى خارج الدائرة، ولا بد لها من استنفار كل الإمكانيات والعواطف الصادقة من أجل البحث عن الحقيقة.

ولنعترف في البداية أن كل إنسان يتحمل مسئولية توقعاته، ومن ذلك أن الأم التي تتوقع أن تكون الأمومة مجرد "رحلة" لطيفة خالية من أي مشاكل، وأنها ستنعم فيها بكل مزايا الأمومة بصورة "مجانية" وبدون أن تقوم بتحمل أي أثمان هي أمّ غير واقعية وعليها أن تختار إما أن تدفع الثمن "طواعية" بكامل إرادتها أو أن تدفعه "مضطرة" وتحت الإجبار والإذعان، والفارق كبير بين الحالتين.

ولعل الذكاء يقودنا إلى ضرورة اختيار الوضع الأول، فعندما ندفع الثمن باختيارنا وبكامل "الرضا الجميل" فإننا نستمتع لأقصى درجة بما حصلنا عليه، وسنرى الجوانب الجميلة بل والمضيئة فيه أيضا، مما يقودنا إلى التعامل الذكي والإيجابي -دون حدة أو مبالغة- مع الجوانب السيئة في الأمومة وسنكون أكثر قدرة على تقليصها لأقل ما يمكن، مع ضرورة الاحتفال بذلك وعدم تضخيم المعاناة وطردها أولا فأول، واستبدال احتضان الشكر الواعي والمتجدد دوما للخالق عز وجل بها؛ لأنه وهبنا بفضله وكرمه وإحسانه نعمة الأمومة وهي نعمة جميلة لا يقدرها حق قدرها إلا من كابد الحرمان منها أو اقترب تماما ممن تعرض لهذه المحنة القاسية فعلا.

وعلينا تذكر هؤلاء المحرومات وأن ندعو لهن دائما بالتعويض الجميل وأن نشكر الرحمن على المعافاة من هذا الابتلاء وأن يديم علينا هذه النعمة الجميلة وأن يمنحنا القوة والقدرة والحكمة على استقبالها بما يليق بها والاستمتاع بها في الحياة الدنيا وجعلها وسيلة (مضمونة) بمشيئة الله للفوز بالجنة التي أخبرنا رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه بأنها تحت أقدام الأمهات، وأن نكون من هؤلاء الأمهات.

طريق مسدود

أما الاختيار الثاني فهو أن نرفض دفع تبعات الأمومة بنفس راضية ونتبرم بذلك فيقودنا إلى طريق مسدود؛ حيث سنقوم رغما عنا بدفع هذا الثمن بعد أن تناسينا أنه لا يوجد أي شيء في الحياة -مهما كان- يتضمن المكاسب خالصة تماما دون بذل أي جهد أو تحمل بعض ما قد يضايقنا.

والمرأة الذكية وحدها هي التي تعيد شحن طاقتها النفسية والعاطفية بل والجسدية أيضا عن طريق تذكر النصف المملوء أي الاستغراق في تأمل مكاسبها من الأمومة والتعامل من بعد مع النصف الفارغ -وهو أقل بكثير من النصف- حتى تقلل من حدة امتصاصها له، ويمكنها أن تهز كتفيها قائلة:

حسنا لقد كنت أنا أيضا ابنة تثير المشاكل لأهلها من آن لآخر، ولم أكن الملاك الذي يطير بجناحين، وكان أهلي أكثر صبرا وأقل غضبا لأخطائي وبقية الأبناء، وكان لديهم استعداد أفضل للتعامل بهدوء مع مشاكلنا وهو ما تفتقده نسبة كبيرة من أمهات اليوم.

ويجب أن أتذكر دائما أنه لم يوجد على وجه الكون الابن الذي لم يسبب لأهله بعض المتاعب من آن لآخر، فلأكن واقعية وأدير حياتي بذكاء وأتذكر اختلاف الأجيال أيضا، وأنني لم يكن يعجبني الكثير من تصرفات أهلي -وقتئذ- وكم استغرقت في البكاء والغيظ من تصرفاتهم ثم تغيرت مواقفي بعد أن كبرت وأصبحت أما، وليس من العدل ولا من الذكاء أن أطالب أولادي بما عجزت أنا في مثل سنهم عن فعله.

وعليّ أن أستبدل بلغة التبرم بمشاكلهم اليومية المتراكمة لغة التقبل والتفهم بضرورة وجود مقاومة من الأبناء لمحاولة تعليمهم كيف يعيشون بصورة أفضل على كافة المستويات، وأن أعي أنهم يقاومونني ليس من قبيل التحدي أو الكراهية لي ورغبتهم في إهانتي ولكنهم يفعلون ذلك لأمر بسيط تماما وهو وجود تعارض بين ما أريده وبين ما يرغبون فيه ومع تأكدي أن ما أريده هو الأفضل لهم من أن أتفهم أنهم بخبراتهم المحدودة لا يرون ذلك ويفضلون أن تسير الحياة وفقا لما يريدونه هم وهو يماثل تماما ما كنت أراه وأنا في مثل سنهم.

الراية البيضاء

وأسمع الآن صيحات اعتراض صاخبة ونظرات غضب متنامية توشك أن تلتهمني واتهامات بتجاهل شيء مهم هو أن جيل الأمهات لم يتعامل مع الأهل بمثل السوء الذي يتعامل به الأبناء حاليا وأن معظم الاعتراضات كانت تكمن في الصدور ولا تخرج إلى العلن وإن خرجت فإن ذلك كان يتم في أضيق نطاق وعلى استحياء أيضا، بعكس ما يحدث الآن من تعامل الأبناء مع الأمهات بندية وتبادل في الاتهامات وعلو الصوت والصراخ... و... و...

وأسارع برفع الراية البيضاء مؤكدة تفهمي لهذه الاختلافات، خاصة أنني أم لشابين لم يتصفا بأي من صفات الملائكة، وهما ينتميان إلى هذا الجيل، وقد مررت معهما بأوقات صعبة للغاية لم أستطع خلالها الاحتفاظ برغبتي القوية والصادقة في السعي لأن أكون أما جيدة، وتصرفت في ذلك الوقت بخلاف ما أتمناه من تدعيم لأواصر المحبة والمودة بيننا.

إلا أن هذه المراحل كانت مؤقتة وعلى فترات، وأعترف أن السبب -في وجود هذه "الثورات" على دوري كأم تحاول الإجادة بكل طاقتها في رسالة الأمومة "الرائعة"- هو احتفاظي بالغضب المتراكم الناتج عنها وعدم حصولي على قدر كاف من الراحة الجسدية والذهنية مما يجعلني أقل احتمالا ولا يشجعني على بذل المجهود لاحتواء المشاكل التي لا بد أن تتواجد بصورة شبه يومية مع تربية الأبناء.

وتنبهت إلى ضرورة تنفيس البخار المكتوم والإفراج عن شحنات الغضب والإحباط وخيبة الأمل من تصرفات الأبناء أولا فأول حتى لا تتكاثر داخل قلب وعقل الأم وتقوم بشحنها ضدهم سلبيا وتجعلها أسهل استثارة عند حدوث أي خطأ منهم وأقل رغبة وليس قدرة فقط على التسامح الواعي وبذل النصح بصورة لطيفة غير مباشرة بعيدة عن الخطب الرنانة.

كما لمست أيضا أن من أهم أسباب تبرم الأمهات بالأمومة مؤخرا هو تحريض الصديقات، فمن النادر أن تجد أمّا تشكو من أحد أولادها إلى صديقة لها ثم لا تسارع هذه الصديقة إلى تحريض الأم على ابنها متهمة هذا الجيل بكل نقيصة وكأنها تتخفف من البخار المكتوم بداخلها ضد أولادها وتلقيه داخل عقل وقلب صاحبة الشكوى.

ولعل بعض النسوة يفعلن ذلك من باب المجاملة وإشعار الشاكية بأنهن يُقدرن تعبها من أجل أولادها، ولا يعرفن أنهن بذلك يقدمن لها الحلوى المسممة لأنهن قد يحرمنها من الاستمتاع بأمومتها والنظر بموضوعية إلى المشكلة وعدم تضخميها.

ويذكرنا هذا بأمهات الزمن الماضي اللاتي كن على عكس ذلك تماما؛ حيث كن يتنافسن في تدعيم بعضهن عند الاستمتاع إلى الشكوى من الأبناء ويسارعن بتقديم الدعاء الجميل بالهداية وبأن يصبح الأبناء أفضل مما تريد الأم، ويذكرنها بأنهم يحبونها وغدا سيكبرون ويردون لها الجميل.

أم وليست أجيرة

ونتوقف هنا عند انتظار رد الجميل فقد اعترفت بذلك الكثير من الأمهات مما يدفعني للتساؤل "البريء": وهل قمنا نحن برد الجميل إلى أمهاتنا؟.. أليس من الأفضل التعفف عن هذا الانتظار؟.. أليس من الأفضل الفرح المتزايد برؤية ثمار حياتنا وهي تخطو خطواتها في الحياة بثقة ونجاح، وتنفس الاستمتاع بتقدمهم وانتصاراتهم على كل المعوقات، وإشعارهم بأننا نفرح لفرحهم ونسعد لسعادتهم، ومنحهم كل أحاسيس الشبع العاطفي مما يؤهلهم للانتصار في معارك الحياة القاسية.

ولا نرحب أيضا بالنغمة الجديدة الداعية لضرورة تقدير الزوج للدور المجهد الذي تبذله الأم في رعاية أولاده، وكأنهم ليسوا أبناءها أو كأنها موظفة عند الزوج في وظيفة الأم مما يجعلها تعيش في دور الأجيرة وليس صاحبة الرسالة، والفارق بينهما لا يمكن التعبير عنه بالكلمات ولكل أم الحق في اختيار ما يناسبها.

ولا نتفق مع القول بأن فاقد الشيء لا يعطيه، وهو ما تردده بعض الأمهات اللاتي لم يحصلن على الرعاية والاهتمام من قبل أمهاتهن، والأصوب أن فاقد الشيء يشعر بأهميته أكثر ممن حصل عليه، وأن الأم الذكية وحدها هي التي تمنح أولادها ما كانت تتمناه من مشاعر وعواطف؛ وبذا تكسب مرتين؛ مرة بالانتصار على جرحها القديم بعدم السماح له بقيادة حياتها وحياة أولادها نحو التعاسة، وأخرى بتنفس السعادة وهي ترى أبناءها ملأى بالإشباع العاطفي والاهتمام والرعاية وشغل أوقاتهم بما يفيدهم بدلا من إهدارها في متابعة الناس من حولها أو ترك نفسها نهبا للفراغ الذي يؤذيها.

أما الأم التي تشكو من انشغال زوجها وقيامها بدور الأب بجوار دور الأم فلماذا لا تستبدل بهذه الشكوى الاستمتاع بالنضج وبقدرتها على القيام بهذين الدورين معا، ولماذا لا تذكر أن هناك الملايين من الأرامل والمطلقات يقمن بهذا الدور بنجاح وبلا تذمر، وأنها أسعد حظا لوجود الزوج، مع (تحريض) الزوج بذكاء ولطف على التواجد بأفضل صورة ممكنة وإشعار أولادها بحب والدهم، وبغيابه الاضطراري وأنه لصالحهم وتشجيعهم على التودد إليه مما يحميهم من الاضطرابات النفسية ويدعم علاقتهم به ويدفعه إلى بذل أقصى ما في وسعه من أجل تحسين دوره كأب أيضا.

يقال عن صدق إن كثرة المسئولية ليست هي المشكلة ولكن الكيفية التي ننظر بها هي التي تحدد مقدار معاناتنا منها، فالأم قديما كانت تقوم بطحن الحبوب وعجنها والغسيل اليدوي وكل أمور المنزل وعندما يقع ولدها تسارع بالاطمئنان عليه قائلة (اسم الله عليك)، أما أم اليوم التي بيدها كافة الأجهزة الكهربائية وهو ما يعوض خروجها للعمل فإن أول رد فعل لها عند وقوع ابنها هو اتهامه بإفساد ملابسه أو تعريض نفسه للجرح.

أهمس في أذن وقلب كل أم قائلة: استمتعي بأمومتك وتنفسي النعم الكامنة فيها وسيساعدك ذلك كثيرا على تحمل المسئولية، وتذكري أن المسئولية تمنحك النضج والتمييز حتى لا يمضي العمر بلا إنجازات، ورتبي أولوياتك وضعي الأمومة في مرتبة أولى؛ فهي أهم من العمل وإن كان يمكن الجمع بينهما بنجاح، وأهم من صديقاتك.

وتذكري دائما أن أعباء الأمومة سيختفي ألمها بعد نظرة رضا من عين طفلك أو إحساس بالأمان في قلبه، ولا تنسي ما هو أبقى وأجمل وهو جزاؤك عند خالقك، ودائما ما أقول إن أجمل ما في الكون أن تكون المرأة أمًّا.


مشاكل الامومة .. هل تخبوا فعلا..؟

منزلة المرأة في الغرب والنظرة الاسلامية

دقات قلب الأم معجزة

ما هي الاحتياجات الغذائية للمرأة العاملة؟

من يحدد النشاط السياسي المشروع للمرأة؟

هل ندمت المرأة على مطالبتها بالخروج الى العمل؟

تتعامل المرأة مع مشاكلها اليومية بالكلام

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)