الشباب بين الخواء الروحي و أسوار المادية المقيتة
قرر علماء النفس بأن هناك احدى وعشرون عاملاً مؤثراً في بناء الشخصية ويأتي عنصر البيئة في صدارتها فالإنسان ابن بيئته يتأثر بها ويؤثر فيها بنحو أو بآخر وفقاً لمفعولية العوامل الأخرى في بناء شخصيته فالذي ينشأ في وسط ديني علمي غير ذاك الذي ينشأ في جو ليس له من العلم او الدين الا اليسير، من جهة أخرى فإن وسائل النقل المعرفي الحديثة والتقارب الشديد بين البيئة والأخرى والوسط والأخر نظراً لضرورات الحياة الحديثة ومتطلباتها المختلفة والتطور الهائل في وسائل الاتصال والإعلام خلق نوعاً جديداً فيما يعرف ب اتحاد البيئة، فما من ظاهرة تجتاح دولة ما وبخاصة تلك الدول ذات السيطرة الثقافية الدولية إلا وتجدها قد اجتاحت العالم بأسره وتتلقفها النفوس والأجساد والعقول غير المتكاملة ضرورة من المستلزمات الثقافة الحديثه وبخاصة فيما بين أكثر شرائح المجتمع فاعلية وحيوية وهي شريحة الشباب ذو الميول الشديدة نحو التجديد ونبذ كل ما هو تقليدي أو كلاسيكي كما يعبرون .
هذا واغلب ما يتصدر منه ثقافة ذات مسحة مادية بحتة وبعيدة كل البعد عن الجانب الروحي بل انها تصوره وكونه ضرباً من الخرافة أو الأوهام الشاسعة عن الواقع، فتكون النتيجة في آخر المطاف تقارب الرؤى في واقعية المادة وخرافية الروح والابتعاد عن أصول النهضة المتمثل بتعاليم الشريعة المقدسة.
الفضائيات ابرز مصاديق الغزو الثقافي:
العصر الحالي تميز وكما تقدم بـ التوسع الشديد والتنوع الكبير في وسائل النقل المعرفي والثقافي وللمستقرئ القطع بوجود تيار فكري مادي واضح المعالم هو المسيطر على برمجة تلك القنوات والتي تستهلك المئات من المليارات سنوياً وبمختلف صور النقل الثقافي من خبر ورواية ومقالة و توجهات سياسية وإبعاد لأي جانب روحي وان كان بإظهار جانب روحي مزيف لإبراز الدين وأهله بصورة عقل متلبد بالتعصب غير مقرٍ بحاكمية العقل ونبذ التجديد بصورة كافة.
الفضائيات اليوم واقعاً لها الجانب الكبير في تشكيل معالم البيئة ومن ثم الحضارة الحديثة وشبابنا اليوم ومستقبلاً صنيعة هذه الحضارة ومن هنا رأى بعض المتصدين في الساحة من الإسلاميين إلى إيجاد أو تأسيس فضائيات تأخذ على عاتقها إشباع الجانب الروحي وبصورته الصحيحة لإنقاذ المجتمع سيما الشباب من الانجراف وراء المادية الحديثة وثقافتها الشائعة، وبالتالي تزداد أهمية هذه الفضائيات الإسلامية وضرورة تبلورها وتكاملها في الطرح الحضاري وبالشكل الذي يجذب المتلقي ويؤثر فيه ومن ثم خلق جيل الإسلامي متشبع بفكره وروحانيته.
الصداقة وإثرها في بناء الشخصية:
الإسلام الحنيف في كثير من تعاليمه الشريفة بعث إلى ضرورة الصداقة والإخوة الإيمانية وفق توجهات إنسانية وقوانين عادلة ليندمج المجتمع في بعضه بأنسجام جميل بعيداً عن الحزازيات والفوارق والتحيزات فيكون المجتمع الصالح والهادىء والمطمئن، إذاً فالإسلام يبعث بالناس إلى إيجاد الأصدقاء بل الإكثار منهم قال الإمام الصادق عليه السلام: «أكثروا من الأصدقاء في الدنيا فإنهم ينفعون في الدنيا والآخرة اما في الدنيا فحوائج يقومون بها وأما الآخرة فإن أهل جهنم قالوا فمالنا من شافعين ولا صديق حميم».
ويروى عن أبي عبد الله عليه السلام انه قال: «استكثروا من الأخوان فان لكل مؤمن دعوة مستجابة» وقال الإمام الأمير المؤمنين عليه السلام: في نهج البلاغة «اعجز الناس من عجز عن اكتساب الأخوان واعجز منه من ضيع من ظفر به منهم» وقال عليه السلام: «المؤمن عز كريم، والمنافق خب لئيم وخير المؤمنين: من كان مألفة للمؤمنين ولأخير فمن يألف ولا يؤلف».
شروط الصداقة:
من جانب أخر فإن الشرع الشريف لم يترك هذا الجانب الذي حث عليه سدىً بل وضع له شروط وضوابط، فلا ينبغي للمؤمن ان يصادق اياً كان فأن في ذلك أخطار عظيمة هائلة وأضرار جسيمة كثيرة.
فالصداقة ينبغي ان لا تكون مع الفاجر والأحمق والكذاب والفاسق وقاطع الرحم وغيرهم كثيرة فعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا صعد المنبر قال: ينبغي للمسلم إن يتجنب مؤاخاة ثلاثة: الماجن الفاجر والأحمق والكذاب، فإما الماجن الفاجر: فيزين لك فعله، ويحب إن تكون مثله، ولا يعينك عل أمر دينك ومعادك ومقاربته جفاء وقسوة ومدخله ومخرجه عار عليك.
وإما الأحمق: فأنه لا يشير عليك بخير ولا يرجى لصرف السوء عنك ولو اجهد نفسه، وربما أراد منعتك فيضرك فموته خير من حياته وسكوته خير من نطقه، وبعده خير من قربه.
واما الكذاب: فانه لا يهنيك معه عيش، ينقل حديثك وينقل اليك الحديث، كلما افتن أحدوثة وحطها بأخرى مثلها حتى انه يحدث بالصدق فما يصدق او يفرق بين الناس بالعداوة، فينبت السخائم في الصدور فاتقوا الله وانظروا لا نفسكم».
نصائح ووصايا:
أقول: والأحاديث الشريفة في هذا الصدد كثيرة مبينة مدى تأثير الصديق في الصديق وبالتالي تحديد ميوله وبناء شخصيته ومن هنا كثرة نصائح المفكرين والعلماء في ضرورة إنقاذ المجتمع بواسطة هذا الجانب ولأختم حديثي هنا بنقل وصية في هذا الصدد لواحد من كبار مراجعنا العظام حفظهم الله وهو سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله الوارف حيث يقول في وصاياه للشباب:
"لا تدعوا أياً من الشباب إلى طريق الفساد إن خير من يسوق الشباب صوب الخير والهداية هو أمثالهم من الشباب فما أكثر الحالات ـ عبر التاريخ ـ التي أنقذ أخ أخاه أو أخته من الفساد والضلالة".
ربّ شابّ يتغير بجملة واحدة، وآخر يحتاج إلى مائة جلسة حتى يهتدي ويسير في طريق الصلاح، فهل طول الفترة والجهود اللازمة مسوّغ للتخلّي عنه، كلا بالطبع فلا بد من بذل الوقت والجهد لكلا الشابين.
وكذلك الأمر بالنسبة إلى الأولاد، لأن الولد الصالح أغلى من أي شيء وكما أن لكل عمل صعوباته الخاصّة، فكذلك تربية الأولاد فليست بالمهمة اليسيرة، ولكن مع ذلك تستحق ما يبذل في سبيلها، لأن الولد الصالح ينفع والديه في الدنيا وفي البرزخ والقيامة.
لقد كان ابن مهزيار شاباً نصرانياً ضالاً، ولكنه بلغ هذا المقام الرفيع الذي بلغه بفضل اهتدائه بنور أهل البيت عليه السلام.
كما كان من قبله وهب نصرانياً أيضاً ثم اهتدى فصار في عداد الشهداء كربلاء، حتى بات الملايين اليوم يفخرون بمخاطبته بالقول: ( بأبي أنت وأمي).
إن للشباب فطرة نقية، ولكن لا بد من السعي في هدايتهم نحو الطريق الصحيح، لأن الشباب كالأس والمعتمد، وإننا لا يمكن أن نبني عمارة ذات مائة طابق على الأرض الرخوة، بينما يمكننا ذلك على الأرض الصلبة.
فهكذا هم الشباب، فالشاب الأبعد والمحتاج إلى سعي أكبر حتى يهتدي قد يكون كالأرض الصلبة ولكنه إن اهتدى كان أغلى ثمناً، فإن من هولاء يبرز أمثال علي بن مهزيار، وزهير بن القين، ووهب، وزرارة.
لا شك أن السعي لنشر الثقافة والأخلاق النبوية لإنقاذ الشباب من المزالق والمهاوي، والأخذ بأيديهم نحو الخير والهداية والصلاح، يعد من أهم مصاديق الوفاء لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والعرفان بجميله وتوقيره والاعتراف بحرمته صلى الله عليه وآله وسلم.
إذاً لا بد من إنقاذ الشباب ـ بالأناة والاستدلال ـ من الطرق المنحرفة وإرشادهم إلى نور أهل البيت سلام الله عليهم.