مقومات الرجولة
إن الرجولة ، نعت كريم لايستحفه الإنسان حتى يستكمل مقوماته و تصف بمواصفاته ، و من هذه المقومات :
الإرادة و ضبط النفس
و هو أول ميدان ، تتجلى فيه الرجولة ، أن ينتصر الإنسان على نفسه الأمارة بالسوء ، فالرجل الحق هو الذي تدعوه نفسه للمعصية فيأبى ، و تتحرك فيه الشهوة فيكبح جماحها ، و تبدو أمامه الفتنة فلا يستجيب لها . فيقود نفسه و لاتقوده ، و يملكها و لاتملكه و هذا أول ميادين الانتصار..
و إذا كان كل الناس ، يحسن الغضب و الانتقام للنفس عند القدرة، إلا أن الذي لايجيده إلا الرجال ، هو الحلم حين تطيش عقول السفهاء ، و العفو حين ينتقم الأشداء ، و الإحسان عند القدرة و تمكن الاستيفاء ؛ فاستحقوا المدح من الله ( و الْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَ الْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَ اللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) ، وا لثناء من رسوله كما في الحديث المتفق عليه : " لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ ".
علو الهمة
و هي علامة الفحولة و الرجولة ، و هي أن يستصغر المرء ما دون النهاية من معالي الأمور ، و يعمل على الوصول إلى الكمال الممكن في العلم و العمل ، وقد قالوا قديماً : " الهمة نصف المروءة " ، و قالوا : "إن الهمة مقدمة الأشياء ، فمن صلحت له همته و صدق فيها صلح له ما وراء ذلك من الأعمال ".
أما غير الرجال فهممهم سافلة لاتنهض بهم إلى مفخرة ، و من سفلت همته بقي في حضيض طبعه محبوساً ، و بقي قلبه عن الكمال مصدودًا منكوساً ، اللهو عندهم أمنية و حياة يعيشون من أجلها . إنها صورة مخزية من صور دنو الهمة ، و أشد منها خزياً ، أن تعنى الأمم باللهو و تنفق عليه الملايين ، و أن تشغل أبناءها به. إن رسالة الأمة أسمى من العبث و اللهو ؛ فهي حاملة الهداية و الخير للبشرية أجمع ، فكيف يكون اللهو و اللعب هو ميدان افتخارها ، و هي تنحر و تذبح ، و تهان كرامتها و تمرغ بالتراب .
النخوة و العزة و الإباء
فالرجال هم أهل الشجاعة و النخوة و الإباء ، و هم الذين تتسامى نفوسهم عن الذل و الهوان. و الراضي بالدون دني . و قد كان للعرب الأوائل اعتناء بالشجاعة و النخوة ، و كانت من مفاخرهم و أمجادهم . جاء في بلوغ الأرب : " و العرب لم تزل رماحهم متشابكة و أعمارهم في الحروب متهالكة ، و سيوفهم متقارعة ، قد رغبوا عن الحياة ، و طيب اللذات ... ، و كانوا يتمادحون بالموت ، و يتهاجون به على الفراش و يقولون فيه : مات فلان حتف أنفه " ، حتى فجاء الإسلام فربى أبناءه على الشجاعة و العزة و الحمية ، و هذب معانيها في نفوس أتباعه و ضبطها ، فلم تعد عند أتباعه مجرد ميدان للفخر و الخيلاء ، بل هي ميدان لنصر للدين و الذب عن حياضه. و جعل الجبن و الهوان من شر ما ينقص الرجال ، كما قال صلى الله عليه واله و سلم : " شر ما في رجل شح هالع و جبن خالع " رواه أبو داود . اللفظ لمسلم عن أنس قال : " كان رسول الله -صلى الله عليه و اله و سلم - أحسن الناس ، وك ان أجود الناس ، و كان أشجع الناس... "
الوفاء:
و الوفاء من شيم الرجال ، التي يمدحون بها ، كيف لا وقد كان أهل الشرك يفتخرون به قبل أن يستضيئوا بنور الإسلام ، يقول أحدهم :
( و خير نموذج للوفاء لدى أهل الجاهلية ما فعله عبد الله بن جُدعان في حرب الفِجَار ، التي دارت بين كنانة و هوازن ، إذ جاء حرب بن أمية إليه ، و قال له : احتبس قبلك سلاح هوازن ، فقال له عبد الله : أبالغدر تأمرني يا حرب ؟! ، و الله لو أعلم أنه لايبقي منها إلا سيف إلا ضُربت به ، و لارمح إلا طُعنت به ما أمسكت منها شيئاً ) .
و حين جاء النبي صلى الله عليه و اله و سلم أنسى بخلقه و وفائه مكارم أهل الجاهلية . و من أمثلة وفائه موقفه يوم الهجرة ، و إبقاء على (ع) عنه لرد الأمانات إلى أهلها.
و حين تخلت الأمة عن أخلاق الرجال ، و ساد فيها التهارج هوت ، و انهارت قواها حتى رثاها أعداؤها.
و هناك مقومات أخرى كثيرة كالجود و سخاوة النفس و الإنصاف و التواضع في غير مذلة ، وغيرها من كل خلق كريم و كل سجية حسنة ، كلما اكتملت في إنسان اكتمل باكتمالها رجولته. و هذا الكلام فأين العاملون؟
لقد كانت الرجولة إرثاً يتوارثه الناس ، لاتعدو أن تكون بحاجة إلا إلى مجرد التهذيب و التوجيه ، أما اليوم فقد أفسدت المدنية الناس ، و قضت على معالم الرجولة في حياتهم ، فنشكو إلى الله زماناً صرنا فيه بحاجة إلى التذكير بالشيم و المكارم و أخلاق الرجال.
الرجولة بين المظهر و المضمون
عالم اليوم .. و الآلام النفسية للشباب