كيف يمكن حل إشكالية العلاقة بين الأجيال؟
لعل من أهمالقضايا الشائكة التي ذاع صيتها في السنوات العشر الأخيرة قضية صراع الأجيال، عليأن هذا الصراع زاد حدة في الأونة الأخيرة مع انتشار وسائل الإعلام إضافة للتطوروالانفتاح الذي أصاب مجتمعنا.
وبرزت المشكلة هنا بين جيل من الآباء المحافظين المتمسكين بالموروث والتقاليدالقديمة التي نشؤوا عليها وجيل من الشباب نشأ في ظل انفتاح اجتماعي وثقافي واسعوبالتالي رفض كل ما هو تقليدي وموروث.
غير أن المشكلة لا تقف عند حد الاختلاف بل تتعدي ذلك إلي مستوي الصراع، حيث يتهمجيل الآباء جيل الأبناء بالسطحية والانحطاط في ممارسة عادات اجتماعية كارتداء ملابسغربية والاستماع لموسيقي وأغانٍ يعتبرها بعيدة كل البعد عن الفن الأصيل، في حينيتهم هذا الأخير سابقه بتمسكه بثقافة رجعية متخلفة وعدم قدرته علي التعايش معالمتغيرات التي تعتري المجتمع.
وتنسحب هذه القضية علي جميع المراحل التي يمر بها الشاب عبر مسيرته الحياتيةلتشكل ثنائيات متناقضة (أب – ابن)، (أستاذ – طالب).
يري لؤي حريبة (ماجستير فلسفة) أن ظاهرة صراع الأجيال قديمة جداً،فقد عرفها الإنسان عبر تاريخه الطويل بكل جوانبها السلبية والإيجابية وتبرز هذهالظاهرة بشكل جلي في الحقب التي تكون فيها تغيرات الأنماط الثقافية والاجتماعيةحادة وتخلق ردات فعل كثيرة حتي تكاد تكون ذاتية في بعض الأحيان.
وسنحاول في هذه السطور إلقاء الضوء علي هذه المشكلة بأبعادها المختلفة من خلالاستعراض آراء عدد من الأشخاص المنتمين إلي الجيلين (الآباء والبناء) وتصورهم للحلولالممكنة.
ظاهرة قديمة
يري لؤي حريبة (ماجستير فلسفة) أن ظاهرة صراع الأجيال قديمة جداً،فقد عرفها الإنسان عبر تاريخه الطويل بكل جوانبها السلبية والإيجابية وتبرز هذهالظاهرة بشكل جلي في الحقب التي تكون فيها تغيرات الأنماط الثقافية والاجتماعيةحادة وتخلق ردات فعل كثيرة حتي تكاد تكون ذاتية في بعض الأحيان.
ويبرز الصراع بشكل أساسي في العلاقات بين الآباء والأبناء داخل الأسرة التي تشكلالبنية الأساسية للمجتمع حيث أن لكل من الجيلين منطلقاته الفكرية التي تحدد نظرتهإلي الحياة، فالخلاف هنا هو خلاف طبيعي في وجهة النظر ضمن سياق التطور الاجتماعيالعام شريطة ألا يتحول إلي نوع من الصراع والتنافر.
ويؤيد صفوان عبد الحميد (معهد متوسط هندسي) هذا الرأي إذ يؤكد أن مشكلة اختلافالآراء بين الأجيال أزلية في كل العصور، فالتمسك بالعادات والتقاليد يتناقض من حينلآخر. والحفاظ عليها أمر في غاية الصعوبة نظراً للتطورات المتلاحقة التي يشهدهاالعالم خلال هذه الفترة، وهي نقطة نقاش متتالية بين الشباب وكبار السن وغالباً ماتشهد اختلافات. ويضيف صفوان: إننا كشباب علينا أن نعترف بفضل أهلنا ونحترمهم ونأخذبآرائهم مهما كانت مخالفة لنا ويجب ألا ننسي أنهم تعرضوا أيضاً لانتقادات من أولياءأمورهم واستطاعوا تفاديها حتي وإن كانت قليلة مقارنة بما يدور هذه الأيام.
مرحلة انتقالية
يعلل أوس مرعي (ماجستير علم اجتماع) الصراع القائم بين الأجيال بأنالمجتمعات تمر بمرحلة انتقالية صعبة تتشكل فيها أفكارواتجاهات الشباب للانتقال من طور القيود وتلقي الأوامر والتعليمات إلي طور الحرياتوالقدرة علي التعبير، نتيجة التطور السريع في جميع مجالات الحياة والذي لن يستطيع الآباء الحول دون تقدم مسيرته رغم محاولاتهم إرغام أبنائهم علي العيش في ظل ثقافة محافظة، لاعتقادهم بأن هذا التطور في الفكر والاتجاه يقود الشباب إلي الهاوية.
من جانبها فاطمة أحمد (أدب فرنسي) تعزو سبب الصراع إلي ظروف سياسية واقتصاديةتلقي بظلالها علي الواقع الاجتماعي وتخلخل العديد من مسلماته وثوابته، حيث يلعب عدمالاستقرار السياسي في المنطقة دوراً رئيسياً في العلاقة بين الآباء والأبناء اذ نجدالشباب اليوم غير مبالين بجميع القيم الاجتماعية كما أنهم يعيشوا حالة من عدمالثبات في المبادئ والأفكار إضافة إلي أنهم بحاجة لمتطلبات كثيرة غير متاحة في ظلالوضع الاقتصادي السيء ما يجعلهم ساخطين علي هذا الواقع بكل قيمه.
تؤكد رحاب عمورة (إعلام) أنه لا بد من الاحتكاك والصراع بين الآباء والأبناء حول مختلف المواضيع السياسية والثقافية، لأن الأهل يعتقدو دائماً أنهم أكثر خبرة منأبنائهم ويحاولون بالتالي فرض رأيهم بسلطوية تنفي الطرف الآخر.
سلطوية ومبادئ جامدة
تؤكد رحاب عمورة (إعلام) أنه لا بد من الاحتكاك والصراع بين الآباء والأبناء حول مختلف المواضيع السياسية والثقافية، لأن الأهل يعتقدو دائماً أنهم أكثر خبرة منأبنائهم ويحاولون بالتالي فرض رأيهم بسلطوية تنفي الطرف الآخر.
من جانبه يؤكد عمار نصري (هندسة ميكانيك) أن جيل الشباب ينظر للأمور بشكل عمليعكس جيل الآباء الذين يتمسكون بمبادئ جامدة في التعامل مع الآخر إضافة إلي أنهم لايستطيعون التعامل مع التكنولوجيا الحديثة وذلك يعود لأنهم كانوا وما يزالوا يعيشونفي حيز ضيق من العالم ويتعاملون مع أشخاص بعينهم دون أن يحاولوا تغيير هذا الواقعلذلك نجدهم يحاولون فرض رأيهم في جميع الأمور حتي ولو كان خاطئاً، وهذا الأمر ينطبقأيضاً علي أساتذة الجامعة فالعديد منهم نال شهادته في السبعينات وما زال علي عقليةالأمس رغم التطور الحاصل في وسائل اكتساب المعرفة، لذلك نجدهم يعانون نقصاً حاداًفي المعلومات و بالتالي يلجؤون إلي القمع لتبرير ذاتهم.
عدم تواصل
يؤكد الدكتور محمد الرفاعي (قسم الإعلام) أن جيل الشباب اليوم مستوي طموحه أعلي بكثير من مستوي إمكاناته، لذلك نجده دائماً يحاول التمرد عليمحيطه الأسري وعلي تقاليده وثقافته الاجتماعية. من جانب آخر فإن جيل اليوم أصبح جيلاتصالي دون أن يكون تواصلي، فثورة الاتصالات التي تواجهها عززت الفردية لدي هذاالجيل، إذ نلاحظ أن أدوات التقنية (كمبيوتر – خلوي) أصبحت ذات استخدام فردي حيثيتعامل الإنسان يومياً مع كم هائل من المعلومات دون الحاجة إلي الاتصال بالناسلاستقاء هذه المعلومات.
في ذات السياق تؤكد بسمة شندي (إعلام) أن ما يميز جيل اليوم هو التصنع أو عدمالمصداقية في علاقاته، حيث نجده غير ملتزم في علاقته مع الآخر وهذا يعود إلي أنهيتعامل مع لغة أرقام (كمبيوتر – انترنت) وهذا يجعله أكثر تفككاً ويفقده الجانبالعاطفي الذي يتمتع به الجيل الماضي (جيل الآباء) والذي يبدو أكثر ترابطاً وصدقاًفي علاقته كما أنه أكثر بساطة في التعامل مع الآخر.
أكثر مرونة
علي الجانب الآخر يؤكد أحمد اسماعيل (أدب عربي) أن جيل اليوم لاقي من التطور و الحداثة ما لم يلاقه أي جيل آخر لذلك نجده أكثر مرونة من الأجيال السابقة وذلك بسبب اكتسابه ثقافة واسعة وفرتها وسائل الاتصال الحديثة والسرعة في الحصول علي المعلومات أو الاحداث ساعة وقوعه وهذه الأمور لم تكن متاحة فيما مضي لذلك نجدالأجيال السابقة أقل مرونة في التعامل مع الآخر.
ويذهب أيهم أخضر (رياضيات) إلي أبعد من ذلك إذ يؤكد أن حديثي السن من الأطفاللديهم قدرة أكبر علي استيعاب التطور والتقدم، حيث نجدهم سريعي التعامل معالتكنولوجيا (الكمبيوتر والانترنت) قياساً بذويهم الذين لا يملكون أدني فكرة عناستخدام هذه التقنية أضف إلي ذلك أن نسبة كبيرة من الآباء يتمسكون بالطرق التقليدية (كالكتاب مثلاً) للحصول علي المعرفة ويفضلونها علي غيرها.
يؤكد فضيلة الشيخ أسامة الخاني أن مشكلةالجيل الحالي هي افتقاره إلي الأخلاق وهذا أمر نرده إلي فقدان المربي في البيت و المدرسة ، كما أن تعدد وسائل الإعلام- خاصة الغربية -وما تقدم من أمور سيئة عززمسألة فقدان الأخلاق في الجيل الحالي وأدي إلي رفض هذا الجيل لجميع القيم والتقاليدالموروثة لذلك فهو يقترح إعادة تأهيل الأهل والمعلم علي السواء لممارسة دورهم فيتربية الجيل الحالي علي الأخلاق التي من دونها لا يمكن بناء مجتمع سليم.
انعدام الأخلاق
يؤكد فضيلة الشيخ أسامة الخاني أن مشكلةالجيل الحالي هي افتقاره إلي الأخلاق وهذا أمر نرده إلي فقدان المربي في البيت و المدرسة ، كما أن تعدد وسائل الإعلام- خاصة الغربية -وما تقدم من أمور سيئة عززمسألة فقدان الأخلاق في الجيل الحالي وأدي إلي رفض هذا الجيل لجميع القيم والتقاليدالموروثة لذلك فهو يقترح إعادة تأهيل الأهل والمعلم علي السواء لممارسة دورهم فيتربية الجيل الحالي علي الأخلاق التي من دونها لا يمكن بناء مجتمع سليم.
في المقابل تؤكد إيمان محرم (أدب فرنسي) أن رجال الدين يحكمون علي هذا الجيل منخلال ما يعرض في الفضائيات ما يجعل أحكامهم تفتقر إلي الدقة في كثير من الأحيان،لذلك فهم يسمون هذا الجيل بأنه غير أخلاقي ومنحل قيمياً، فيما نجد نسبة كبيرة منالشباب ملتزمين دينياً وأخلاقياً ربما أكثر من الأجيال السابقة، أضف إلي ذلك أننالا نستطيع أن نعتبر ظاهرة الفيديو كليب دليل علي انحلال هذا الجيل، فهي تمارس ضمنحيز ضيق وتمثل شريحة صغيرة جداً من الشباب.
من جانب آخر يري عمر شعبو (حقوق) أن الخلل الأخلاقي موجود في المجتمع منذ زمنطويل ولا نستطيع أن نُسم جيل ما بأنه لا أخلاقي وعلي كل حال فالمسألة تتعلق بالوضعالاجتماعي والاقتصادي في أي بلد، علي أن رجال الدين يسعون دائماً إلي الإصلاح عبرتضخيم الأمور وهذه الفكرة موجودة أيضاً في الإعلام أن تحارب الأشياء خلف إطار عام،وهذا ينفي وجود هذه الظاهرة وإن بحجم أقل.
حوار متبادل
يؤكد الدكتور محمد الرفاعي أن العلاقة القائمة بين الأجيال هي علاقة حوار وليستصراع ولكن في بعض الأحيان يدفع البعض بالحوار إلي طريق مسدود يبدو معه الأمر عليأنه صراع لكنه مجرد اختلاف في وجهات النظر وفي المفهوم العام للحياة.
وينسحب هذا الأمر علي العلاقة بين الأستاذ والطالب حيث يحكم هذه العلاقة مجموعةمتغيرات مثل طبيعة الطلاب والحالة المزاجية والنفسية للأستاذ وطبيعة المقرر ثمطبيعة الإدارة الجامعية كل هذه الأمور تحدد مجتمعة ماهية العلاقة بين الطرفين، يضيفد. محمد: هناك من يدعو إلي علاقة طبيعية جداً أو (أحمدية) يلغي فيها بروتوكولاللقاء وأنا شخصياً لست مع هذه العلاقة، إذ لا بد من وجود حاجز معين بين الأستاذوالطالب حتي تصبح هناك علاقة سليمة تهدف إلي رفع المستوي الفكري والنفسي للطالب.
علي الجانب الآخر يؤكد لؤي حريبة أن ما يشوب العلاقة بين الأستاذ والطالب داخلالمؤسسة التعليمية هو الصراع الدائم، وهذا مرده إلي أن الأستاذ ملزم بمنهج معين فيالتعاطي مع المتغيرات يحدده الإطار المنهجي المتبع في المؤسسة التعليمية والذي لايراعي غالباً أن الطالب أصبح أمام مصادر متعددة لصياغة الوعي يجب تناول من قبلالمدرس بالتقويم حتي يضمن قدر الإمكان الإقلال من تأثيراتها السلبية، ويضيف لؤي: إنمن النادر أن يراعي النظام التعليمي الأساليب الجديدة في التدريس، حيث لا تزالالطريقة التلقينة هي السائدة حتي الآن في مختلف مؤسساتها التعليمية (المدرسة –الجامعة) وهذا ما يخلق لدي لطالب رد فعل سلبي تجاه النظام التعليمي.
مقترحات
تقترح رحاب عمورة أن يكون هناك تقارب أفكار بين الطرفين أي أن يحاول الآباءالتخفيف من سلطويتهم وأن يتفهموا الجيل الجديد، وأي يحاول الجيل الجديد في المقابلاستيعاب الجيل الماضي ليكون هناك آلية للحوار بين الطرفين.
من جانب آخر يؤكد عمار نصري علي ضرورة الوعي في التعامل بين الجيلين كما أنهيدعو الجيل الحالي لأن يعي أخطاء سابقيه ويتجاوزها.
غير أن بسمة شندي تطالب الجيل الحالي أن يبحث عن الإيجابيات الكثيرة عند الجيلالماضي سواء في العادات أو التقاليد أو النظرة للحياة ويحاول تطبيقها في هذا العصرإذا أراد أن يصبح حضارياً وتعني بمصطلح حضاري: الصدق في التعامل مع الآخر.
أخيراً يؤكد د. محمد الرفاعي علي ضرورة الفهم الصحيح لآلية العلاقة بين الطرفينعبر تحديد أهداف هذه العلاقة وأبعادها الاجتماعية والثقافية للوصول إلي مستويعلائقي متطور و مثمر يبتعد عن النفعية إلا في جانبها الفكري والثقافي.
حسن سلمان
كيفية تربية البنات
أين شبابنا
أزمة التفاهم بين الآباء والأبناء
الشباب والمخدِّرات..هل من علاج؟
«أنت مثل أبيك».. أزمة يعانيها المراهقون
أخلاق الشباب وأخلاق الآباء
طرقات على أوتار الغزو الثقافي