التربية الاجتماعية و الخلقية للشباب
قال الله عزّ وجلّ ، مادحاً رسوله ( صلّى الله عليه وآله ) :( وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ ، لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ) ، (آل عمران : 159 ).
بل أبعد من هذا ، فإنّه سبحانه و تعالى ، يشهد ، و يقرّر لرسوله الأكرم ( صلّى الله عليه وآله ) :( وَ إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) ، (القلم : 4 ).
و الرسول ( صلّى الله عليه وآله ) أيّد ذلك بقوله :( أدّبني ربّي ، فأحسن تأديبي ) ، و قال عن نفسه ( صلّى الله عليه و آله ) :( بُعثت لأتمّم مكارم الأخلاق ) .
بقدر ما يقترن كمال الإنسان ، و سعادته بحسن خلقه ، و أدبه ، يقترن انحطاطه ، و شقاؤه بسوء خلقه ، و غلظة تعامله
و قد ورد عن رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) يقول في هذا :( من ساء خُلقه عذب نفسه ) .
فنستكشف من هذا الحديث النبوي الشريف : « أنّ هناك رابطة و علاقة وطيدة بين
تكوين الإنسان الداخلي و بين السعادة أو الشقاء اللذين يكتنفانه» .
فمثلاً ، نرى الإنسان الحليم الكاظم لغيظه ، و محبّ الخير لغيره ، كما يحبّه لنفسه ، و الذي يحمل في قلبه
الحبّ و
الحنان و
العطف و
الرأفة و
الشفقة على غيره ، يكون ذلك كلّه مبعثاً لسعادته ، و بهجته و سروره و اطمئنانه .
وعلى العكس ، حيث نجد الإنسان الخبيث اللئيم الشرّير الأناني الحقود على غيره ، يعاني من هذه العقد النفسية ، و يؤذّي نفسه قبل ، أن يؤذّي غيره ، و قد نسب إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، و هو ينصح المؤمن بالصبر ، و عدم التهوّر في مجابهة أمثال هؤلاء ، قوله :
اصبر على مضض الحسودِ |
فإنّ صبرك قاتلــه |
كالنـار تأكــل بعضـها |
إن لم تجد ما تأكلـه |
و بما أنّ الإنسان ، هو مخلوق مجبول على الحياة الاجتماعية ، لذا نجده يميل إلى الاجتماع بالآخرين ، و يحبّ أن يعيش ضمن
الجماعة .
قد جاءت الرسالات الإلهية المقدّسة كافّة ـ و الإسلامية خاصّة ـ لتبني المجتمع الإيماني من خلال بناء أفراده ، لأنّ أفرادهم الذين يكوّنون المجتمع ، و يتبادلون مع الآخرين من أبناء مجتمعهم العادات و التقاليد و الاعتقادات المختلفة .
و نرى
الإسلام العزيز ، يحثّ المسلمين ، و يشجّعهم على تكوين الروابط الاجتماعية البنّاءة .
و قد جعل لها أساليب و ممارسات لطيفة ، تؤدّي إلى الأُلفة و المحبّة بين أبناء المجتمع الإسلامي ، كآداب التحية و السلام و المصافحة بين المؤمنين ، و تبادل الزيارات ، و عيادة المرضى ، و المشاركة في تبادل التهاني في الأعياد و المناسبات الدينية و الاجتماعية ، و الاهتمام بالجار ، و تسلية أهل المصائب و الشدائد و مشاركتهم في عزائهم ، لو مات منهم أحد ، و غيرها كثير .
و وضع لكلّ منها قواعد و أصولاً ، تدخل السرور على المسلمين ، و تكون لهم عوناً ، و تهوّن عليهم ما يصيبهم من شرّ و أذى .
و نجد الشريعة الإسلامية ، تؤكّد حتّى في العبادات على الجانب الاجتماعي ، كأداء الصلاة جماعة ، حيث يؤكّد استحبابها ، و اجتماع المسلمين لأداء فريضة الحج .
كما أنّ الإسلام ، يسعى إلى تنظيم علاقة الفرد المسلم بأهل بيته و أقاربه و أصدقائه و جيرانه ، و قد أوصى رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) المسلمين باحترام الجار و مؤازرته في حالات الفرح وا لحزن ، و اعتباره من الأهل و الأقارب ، و ورد عنه أنّه قال :( ما زال جبريل يوصيني بالجار ، حتّى ظننتُ أنّه سيورّثه ) .
فعلى الوالدين و المربّي و المعلّم ، تشجيع الأولاد على ممارسة الأفعال و النشاطات ، التي توطّد العلاقة ، و تطيّبها بين هؤلاء الأولاد و سائر أبناء مجتمعهم ، و يعملون على مراقبتهم ، و تهذيب أسلوب كلّ ممارسة منها ، و مع من يلتقون ، و يلعبون ، و يتجوّلون ، و يدرسون ، كي لا يحتكّوا بأفراد تسوء تربيتهم ، فيأخذون منهم ، و يتعلّمون ما هو مضر و فاسد و قبيح .
و مرحلة الشباب ـ سيّما فترة المراهقة منها ـ تعتبر من أكثر مراحل حياة الإنسان شعوراً بالغرور و الإعجاب بالنفس ، و الاستخفاف بآراء الآخرين من الكبار .
و قد حذّر الله تعالى من ذلك عن لسان لقمان بقوله :( وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ ، وَ لَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ، إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ) ، (لقمان : 18) .
لأنّ
الغرور ، يذهب ببعض الأفراد إلى المباهاة على والديهم ، و الاستخفاف بهما ، و استخفاف آرائهما ؛ لما يكونون عليه من وضع اجتماعي أو ثقافي غير الذي كان عليه أبواهم .
فيحذّرهم الجليل جلّت قدرته من ذلك : ( وَ قَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ، وَ بِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ، إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا ، فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ ، وَ لاَ تَنْهَرْهُمَا ، وَ قُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً ) ، (الإسراء : 23 و 24 ).
بل يصل الغرور ببعض الشباب إلى حدّ الاستخفاف بالله تعالى ، و بالإيمان به ، و بكتبه ، و برسله ( عليهم السلام ) ، فَيُنَبِّهُهُم الله عزَّ وجلَّ إلى عظيم خطر ذلك عليهم ، ليثوبوا إلى رشدهم ، و يعودوا إلى ملّتهم ، و يستغفرونه ، و يتوبون إليه تبارك و تعالى :( يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاءَ رَكَّبَكَ * كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ * وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ) ، (الانفطار : 7 و 13 ).
و إنّ الغرور الذي ينتاب بعض الشباب هو من المشاكل العويصة ، ذات الخطورة البالغة على الشابّ نفسه ، و على أهله و مجتمعه ، و هو من المشاكل التي إذا لم تدرك ، و تعالج ، و توضع لها الحلول المناسبة ، سوف يحلّ بذلك المجتمع الداهية العظمى والبلاء الشديد .
لذا ينبغي على الآباء و المربّين توعية الشباب ، و تثقيفهم تربويّاً و أخلاقيّاً و عاطفيّاً ، ليجنّبوهم مهابط و مساقط الغرور و الإعجاب بالنفس ، كما على البيت و المدرسة و وسائل الإعلام و القانون و المراكز ، أن يقوموا بتوعية الشباب ، و تفهيمهم بأنّ فعلهم هذا غير صحيح ، وله نتائج سيّئة و وخيمة ، لهم ، و لأهلهم و ذويهم و مجتمعهم .
حتّى نتمكّن بذلك أن نحصّن شبابنا بدرع واقٍ من مساوئ الممارسات ، و مفاسد الأخلاق ، و منحرفات الأفكار ، ليكون شريحة طيّبة مثمرة نافعة ، تستفيد من الإمكانات المتاحة لديها ، و تعيش بعزّ و كرامة وسعادة ، و تجلب الخير و السعادة و الفرح و السرور و البهجة على أهلهم و ذويهم و مجتمعهم ، و بذلك يكسبون رضاء الله عزَّ وجلَّ ورضاء رسوله ( صلّى الله عليه وآله ) ، فيكسبون خير الدنيا و سعادة الآخرة .
أخلاق الشباب و أخلاق الآباءطرقات على أوتار الغزو الثقافيرعاية الشباب تقع على عاتق من ؟الشباب والتوبة النصوحوصايا عامة للشبابالشباب وتقليد العالم الغربي