النوم في المنظار العلمي والمفهوم القرآني
- (إذ يُغَشِّيكمُ النُّعاسُ أمنَةً مِنهُ...)النوم ضرورة حياتية لجميع الأحياء، فكل مخلوق حي يفقد النوم أو نمنعه منه، لا يلبث عاجلاً أن يموت. ولقد بدأ العلم منذ مطلع القرن العشرين (1937) يكتشف تباعاً الأبعاد العلمية والدقائق التشريحية والوظيفية والكيميائية التي تتحكم بعملية النوم. إلا أن العلم وحتى كتابة هذه السطور لم يتوصل بعد إلى معرفة المسبب الأول الذي يجعل أجسام المخلوقات الحية تفرز مواد كيميائية تؤثر على مراكز النوم الموجودة في الجهاز العصبي المركزي وتجعل من هذه المخلوقات تنام وتصحو، فالعلماء لن يدركوا الكثير من الحقائق التي يدرسونها، ومنها النوم إلا إذا سلموا بوجود الروح، سر الخالق وأمره في المخلوقات وعلة الحياة فيها.
- مراحل النوم كما كشفها العلم
منذ سنة (1955)، وبعد دراسة عشرات الآلاف من حالات النوم في مختبرات النوم العلمية حيث يُسجل مخطط الدماغ الكهربائي للنائم مع حركة تنفسه وعينيه وغفلاته، قسّم العلماء النوم إلى عدة مراحل:
المرحلة الأولى: مرحلة الدخول التدريجي في النوم، وتؤلف 2 – 4% من مدة النوم الكامل.
المرحلة الثانية: مرحلة النوم الخفيف غير العميق الذي يؤلف 50% من مدة النوم الكامل.
المرحلتان الثالثة و الرابعة: مرحلة النوم البطيء العميق العادي الهادئ، وهي مرحلة النوم المريح أي نوم الأمنة والطمأنينة وتشكل 20% من مدة النوم الكامل.
المرحلة الخامسة: مرحلة النوم العميق المصحوب بالأحلام والحركة أو النوم العجيب، لأن النائم خلال مرحلة نوم الأحلام يكون تخطيط الدماغ الكهربائي وحركة التنفس والدورة الدموية وحركات العين كما لو كان في حالة اليقظة رغم أنه في نوم عميق جداً. وربما كان هكذا نوم أهل الكهف والله أعلم (
وتحسبهم أيقاظاً وهم رقود...) ومدة هذا النوم العميق العجيب نوم الأحلام تشكل 25% من مدة النوم الكامل.
ولقد ثبت أن أكثر الناس لا يدخلون في مرحلة النعاس أي النوم العميق سواء كان النوم العميق العادي أو النوم العميق العجيب نوم الأحلام، إلا بعد المرور بمرحلة النوم التدريجي. كما ثبت أن مراحل النوم العميق وهي تشكل 45% من مدة النوم الكامل هي مراحل النوم المريح لجميع وظائف أجهزة الجسم والقوى العقلية من ذاكرة وقوة استيعاب وقدرة على التفكير. ويختصر كل ذلك قوله تعالى ( إذ يغشِّيكم النُّعاسَ أمَنَةً ) أي إذ يغطيكم ويغلفكم في النوم العميق الذي يعطي الأمان والطمأنينة. (لغوياً: النعاس هو النوم العميق، وقد وصف المولى النعاس بأنه أمَنَة أي راحة جسدية ونفسية وعقلية: (ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمَنَة نَعاساً يغشى طائفة منكم) ، (آل عمران/ 154). وجاء العلم اليوم يثبت أن النعاس أي النوم العميق ويشكل نصف مدة النوم، هو النوع المريح من النوم للنائم...).
- الموتة الكبرى والموتة الصغرى:
(الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) ، (الزمر/ 42).
لكلمة الوفاة قرآنياً معنيان:
أ) الوفاة الكبرى : أي مفارقة الروح كلياً للنفس والجسد إلى يوم البعث حيث تزوج الروح بالنفس والجسد من جديد (وإذا النفوس زوِّجت).
ب) الوفاة الصغرى: وهي النوم وفيه تفارق الروح النفس والجسد جزئياً وليس كلياً، وهذا المعنى لا يعرفه إلا القلة مع أنه واضح من خلال قوله تعالى: (
وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار).
ولقد بيّن العلم اليوم أن جميع أعضاء الجسم تعمل بصورة بطيئة خلال النوم؛ كما أن أكثر الثوابت في الدم من هرمونات ومواد كيميائية أخرى تتغير خلال النوم، وليس من تعليل علمي حتى الآن لهذه التغيرات، وقد لا يجد العلم تعليلاً لكثير من ظواهر النوم، ومنها الأحلام، إذا لم يسلم جدلاً بوجود الروح. ونحن نعتقد من زاوية إيمانية أن الروح، خلال النوم، تترك الجسد والنفس جزئياً وليس كلياً وتنتقل إلى بارئها. فالنوم هو وفاة صغرى للجسد والنفس فقط وبرجوع الروح جزئياً إلى خالقها خلال النوم ترتاح النفس وكذلك مختلف أعضاء الجسم وتستعيد نشاطها خلال النوم، ذلك أن الروح وهي العلة الأولى أي المسير الأول للنفس والجسد، ومن خلال تواجدها فيهما تتبعهما، وبالنوم ترتاح دورياً أجسام المخلوقات من هذا السر الإلهي الهائل القوة، علة الحياة في المخلوقات.
ومن دون الأخذ بالناحية الروحية، في فهم أسرار النوم، لن يستطيع علماء النفس أن يفهموا في العمق أسرار النوم واضطراباته ومسبباته: فبعض المرضى الذين يشكون من فقدان النوم أو ضاطرابه لا يرتاحون نفسياً بتناول الأدوية المنومة أو إرغامهم على النوم بواسطة المواد الكيميائية لمدة أسبوع أو عشرة أيام، وعندما يرفع عنهم تأثير الأدوية المنومة يصرحون بأنهم لم يرتاحوا من نومهم الاصطناعي هذا بل ازدادوا تعباً ومرضاً! لماذا؟ ذلك بأنهم لم يفهموا بعد بأن النوم هو "أمنة" من اللهع أي نعمة ورحمة، وأن فقدان النوم عند بعض الناس قد يكون جزاءً لما اقترفته أيديهم من سوء، فليأخذوا ما طاب لهم من المهدئات والمنومات فلن يجعل الله في نوم اصطناعي كهذا هو من صنع يد الانسان راحة وأماناً ما داموا لم يلتجئوا بقلوب تائبة مؤمنة إلى الذي بيده مفاتيح الرحمة والنوم رحمة من الله.
وعبثاً حاولنا من خلال تجربتنا العلاجية لهؤلاء المرضى من مضطربي النوم وفاقديه، أن نداويهم بالعقاقير المنومة، فلقد ظلوا يشكون من نوعية النوم ونوعية اليقظة، إلى أن يَسَّر الله لنا أن نَفهم ونُفهم الغير، أن الإيمان بالله هو أحسن الطرق وأسلمها للوصول إلى النوم الآمن الذي فقدوه.
والتنويم المغنطيسي (التسمية غير موفقة ونحب تسميته بالتسيير الإيحائي، لأنه ليس نوماً من الوجهة العلمية) رغم وفرة استعماله في شتى حقول الجراحة والمعالجات النفسية لم ولن نفهم آلياتته إلا إذا آمنا بوجود الروح، فالتنويم المغنطيسي هو في الحقيقة تسلط روح المُنوِّم على المُنَوَّم؛ لذلك كانت صحوة المنوَّم من نومة التنويم المغنطيسي متعبة جداً، ومن هنا خطورة التنويم المغنطيسي إذا بقي بين يدي أكثر الناس، إذ يجب حصر استعماله في العلماء ممن هم على درجة عالية من الثقافة الروحية والالتزام الإيماني والأخلاقي.
معاني الموت البيولوجية في القرآن
الآليات و المسببات البيولوجية للخوف
الموت في المفهوم القرآني
وقفة قرآنية تحليلية مع عقد الموت