الرؤيا المزعجة
ولدت العقيلة زينب (عليها السلام) قبل وفاة جدها رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) بخمس سنين ... ، و كانت لبيبة جزلة عاقلة لها قوة جنان . ولما ولدت (عليها السلام ) ، جاءت بها أمها الزهراء (عليها السلام) إلى أبيها أمير المؤمنين علي (عليه السلام) ، و قالت له : ( سمِّ هذه المولودة ) .
فقال علي ( عليه السلام ) : ( ما كنت لاسبق رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم ) ، و كان في سفر له ، و لما جاء رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) و سأله عن اسمها ، فقال علي ( عليه السلام ): ما كنت لاسبق ربي تعالى ، فهبط جبرائيل ، يقرأ الرسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) السلام من الله الجليل ، و قال له : ( سم هذه المولودة ( زينب ) فقد اختار الله لها هذا الاسم ) . ثم أخبره بما يجري عليها من المصائب .
فبكى رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) ، و قال : ( من بكى على مصاب هذه البنت ، كان كمن بكى على أخويها الحسن و الحسين (عليهما السلام ) .
انما الدنيا أُعدت لبلاء النبلاء
ها هي مولاتنا ، و شفيعتنا زينب الحوراء عليها السلام
تبدأ رحلة في موكب المآسي ، و هي بعد في مدارج الحياة الأولى
و ما أسرع زوال ذلك الظل المبارك ، الذي تفيّأت وارفه
فقد رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) و الرؤيا المزعجة:
جاءت زينب (عليها السلام) ، و هي طفلة الى جدها رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) ، و قالت:
يا جداه ، رأيتُ البارحة رؤيا ، إنها انبعثت ريح عاصفة سودّت الدنيا و ما فيها ، و أظلمتها و حركتني من جانب الى جانب ، فرأيت شجرة عظيمة ، فتعلقت بها من شدة الريح ، فإذا بالريح قلعتها و ألقتها على الأرض ، ثم تعلقت على غصن قوي من أغصان تلك الشجرة فقطعتها ايضا ، فتعلقت بفرع آخر فكسرته أيضا ، فتعلقت على احدى الفرعين من فروعها فكسرته ايضا ، فاستيقضت من نومي ، فبكى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، و قال:
الشجرة جدُك ، و الفرع الأول أمكِ فاطمة ، و الثاني أبوك علي ، و الفرعان الآخران هما أخواكِ الحسنان ، تسودُّ الدنيا لفقدهم ، و تلبسين لباس الحداد في رزيتهم ، إنه نبأ الغيب و ارهاص المستقبل ، و اعداد لتحمل مكاره الدهر و خطوب الزمان .
ولعل شرحا ، و ايضاحا بسط فيه رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) ، ما يكتنف هاتيك الرزايا من عظيم البلاء و بالغ المحنة ، وقد فجعت بأعز مفقودٍ و أعظم موجود و هو رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) ، و لم تمتليء من كريم شخصه عينها ، و لم تنعم بوافر لطفه طويلاً حياتها ، و كان هذا الفقد الباكر بداية لسلسة مصائب ، تترى تفرعت عن فقد الأصل :
فلستَ ترى واللهِ ما عشتَ فادحاً |
بأعظم من رزء النبي محمد |
لنا ان نتعلم من صبر زينب عليها السلام ، فبعد فقدها لسيد شباب اهل الجنة ، و اخوتها و ابناءها و بنى اخوتها و بنى عمومتها و اهلها ، تقف صامده لتحمى الرساله المحمديه المتمثله بالعليل ، الإمام علي بن الحسين السجاد عليه السلام
و حمايه ذراري رسول الله ، و دورها الرسالي و الاعلامي ،، و قوه منطقها و حكمتها لايخفى على احد .