النوروز أو رأس السنة الإيرانية
يعيش الإيرانيون هذه الأيام أجواء الاستعداد لرأس السنة الفارسية التي يسمونها النوروز، وهو العيد القومي الذي وصل إليهم منذ عصور ما قبل الإسلام، ويبدأ من أول يوم من فصل الربيع (20مارس)، ويعبر الشعب الإيراني عن احتفائه بعيده القومي من خلال مجموعة من العادات والطقوس التي عرفت المد والجزر بحسب الظروف التاريخية والسياسية، وقد شاركت شعوب آسيا الوسطى الشعب الإيراني هذا العيد، مع احتفاظها بقدر كبير من التميز في تفاصيل احتفالها بأيام النوروز:
إذا كان الإسلام مكونا هاما في ثقافة الشعب الإيراني فإن عناصر الثقافة الفارسية الهندوأوروبية تعد من أبرز مميزات الهوية الإيرانية التي تشكلت منذ آلاف السنين وارتبطت أيما ارتباط بأرض ''بارس''أو فارس، الشيء الذي تترجمه لغة وعاداتوأديان الإيرانيين اليوم، ولعل من أكبر تلك المميزات: الارتباط بالأرض والانسجام معها، وقد اعتبر الإيرانيون القدماء بلادهم أم الدنيا، ولأنها كانت معبرا نشيطا بين المشرق والمغرب، وللحفاظ عليها اضطر الإيرانيون إلى مداراة الآخرين تجنبا لهجماتهم واعتداءاتهم، وربما يكون عشق الوطن هو الذي دفع بالشاه المخلوع إلى إطلاق اسم ''إيران''على إيران التي نعرفها اليوم.
احتفال الإيرانيين بالأرض والطبيعة
يرى الإيراني نفسه غائبا في أرضه مؤمنا بها وعاشقا لها، ما دفعه إلى مشاركتها أفراحها وأحزانها وانفعالاتها على مدار العام، وعبر عن هذه المشاركة بإبداع مجموعة من الأعياد منذ آلاف السنين، أشبه ما تكون بالاحتفالات والأعراس، فنجد مثلا عيد ''مهركان''الذي كانوا يحتفلون به في بداية الخريف، وعيد ''سده''لفصل الشتاء، أما ''تيركان''فهو اسم عيد فصل الصيف.
بعد دخول الإسلام إلى إيران، بالتدريج تركت كل الأعياد الفارسية، إلا عيدا واحدا هو عيد ''النوروز''عيد بداية السنة الإيرانية الجديدة وعيد فصل الربيع، ويصادف أول يوم منه 20من مارس، وكلمة ''نوروز''تعني في اللغة الفارسية:اليوم الجديد.
النوروز في التاريخ القديم
اكتسب النوروز أهمية خاصة في الثقافة والمعتقدات الإيرانية منذ أقدم العصور، ففي القديم تروي الأساطير أن الآلهة التي كانت مختبئة في فصل الشتاء تحت الأرض تخرج في أول يوم الربيع إلى النور لتمنح الأرض البهاء والجمال، كما كان الإيرانيون يقسمون العام إلى فصلين اثنين فصل البرودة وفصل الحرارة، وجعلوا ''مهركان''-الذي عرب ب''المهرجان''-عيدا في بداية الخريف، و''النوروز''عيدا لانطلاقة فصل الربيع، وفي هذا الصدد نقل الفردوسي شاعر الحماسة القومية الإيرانية روايات أسطورية منظومة، وذكر أبو ريحان البيروني في كتابه ''التفهيم لأوائل صناعة التنجيم''أن الإيرانيين قبل الإسلام يحتفلون في الأيام الخمسة الأولى من عيد النوروز بشكل عمومي ومشترك بين الملوك والرعية، إذ تقضى في ذلك حاجات الناس وتقدم لهم العطايا والهدايا، أما اليوم السادس فقد سموه بنوروز الخاصة إذ يختلي فيه الملك بندمائه للهو والطرب والشراب (3)وتمتد فترة الاحتفالات بالنوروز إلى شهر كامل. وفي عصر الساسانيين أي آخر امبراطورية فارسية، كانت تتخلل احتفالات النوروز طقوس ملوكية وشعبية مختلفة، منها أن الإمبراطور كان يلبس في صباح ذلك اليوم لباسا فاخرا ويجلس وحيدا في بلاطه ثم يدخلون عليه شخصا يتفاءلون به خيرا، ثم يحضر رجال الدين الزرتشتيين لقراءة الأدعية والصلوات وبعد ذلك يقدمون للإمبراطور كأس شراب ويضعون بالقرب منه قدرا من المال تبركا وتفاؤلا، فتنطلق الاحتفالات وتعزف مختلف الألحان، أما عامة الناس فيتراشقون بالماء فيما بينهم، ويتهادون السكر، وفي المساء يشعلون النيران معبرين بذلك عن فرحتهم.
النوروز في العصر الإسلامي
في بداية الفتح الإسلامي لإيران لم يطرأ تغيير مهم على تقاليد وعادات رأس السنة الإيرانية إلا فيما يتعلق بمساهمة الخلفاء والأمراء الذين لم يشاركوا في مراسم السنة الإيرانية الجديدة، بينما كان الحجاج ابن يوسف الثقفي هو أول من أحيا تقاليد ملوك الفرس بتشجيع الإيرانيين على تقديم هدايا النوروز للأمراء والخلفاء، وبعد مجيء الخلافة العباسية ووصول شخصيات إيرانية إلى مواقع الحكم، خاصة في عهد الطاهريين والصفاريين استرجع عيد النوروز رونقه وهويته الفارسية.
أما في عصرنا الحاضر فقد وجدت الثورة الإسلامية نفسها أمام عبئ تاريخي واجتماعي وثقافي معقد ومتشابك، وبما أن مشروع الثورة قد قام على تصورات ورؤى متباينة، فإن بروز ذلك على مختلف المستويات أمر طبيعي ومنتظر، لهذا فقد اختلف أبناء الثورة مع بعضهم البعض حول كيفية التعامل مع مجموع المعطيات الثقافية والاجتماعية والدينية العامية والموروثة منذ مئات السنين، في هذا الإطار بالذات يمكن فهم عيد النوروز الإيراني وما يستنبطنه من اعتقادات وعادات ورغبات جعلت الحكومة الإيرانية تعتبر أربعة أيام (من 21 إلى 24 مارس) عطلة رسمية خاصة لعيد النوروز، كما جعلت يوم 2 من أبريل الذي يوافق 13 من فروردين الإيراني عطلة رسمية بمناسبة يوم الطبيعة، الذي يعبر عنه المواطن الإيراني بيوم النحس، وفي هذا اليوم يخرج تقريبا كل أفراد الشعب الإيراني إلى الحدائق والمنتزهات هروبا من البيوت واحتفاءا بالربيع، ويرمون بالشتائل المخضرة التي اقتنوها للعيد اعتقادا منهم بأنها أخذت معها النحس الذي عمر البيت ..ومن معتقداتهم أيضا ما يسمى عندهم ب ''جهار شنبه سوري''ويعنون به آخر يوم أربعاء من السنة المنقضية، ويخلد الإيرانيون هذا اليوم بإشعال النيران والقفز عليها، وكذلك اللعب بالمفرقعات مع ترديد بعض العبارات الخاصة، وعادة ما تطلق الحكومة حملة إعلامية لمحاربة هذه الطقوس التي تخلف وراءها عددا من الضحايا.
يبدأ النوروز وبتعيبر أدق تبدأ أعياد رأس السنة الإيرانية، عند أول ثانية من ثواني يوم 1 فروردين الإيراني أي 20مارس الميلادي، في هذه اللحظة يتوجه الإيراني المسلم إلى القبلة لصلاة ركعتين ثم يقرأ هذا الدعاء:''يا مقلب القلوب والأبصار يا مدبر الليل والنهار يا محول الحول والأحوال حول حالنا إلى أحسن حال''بعد هذا يباركون لبعضهم البعض العام الجديد، فيجلسون حول سفرة تضم سبعة ألوان من الطعام تبتدأ أسماؤها بحرف السين وهي كالآتي: ''سبزة، سيب، سركه، سمنو، سيند، سير، سماق، سنجد، سنبل''ويضعون معها المصحف الكريم والساعة وشتائل مخضرة، كما يزينون بيوتهم بصهاريج مائية صغيرة فيها أسماك ملونة، ومختلفة الأحجام، وفي أيام عيد النوروز يلبس كل أفراد الأسرة لباسا جديدا، كما يفضل بعضهم السفر داخل إيران أو خارجها، ويتبادلون التهاني من خلال التزوار بالورود والحلويات، وبالرغم من أن مدة عطلة عيد النوروز الرسمية في إيران لا تتجاوز أربعة أيام، فإن البلاد تكون شبه معطلة طيلة خمسة عشر يوما تقريبا.
يعيش الإيرانيون عيد النوروز بكل طاقاتهم الروحية والمادية، فهو بالنسبة لهم فرصة للراحة والاستجمام يجددون فيها العهد مع الأرض، ويغتنمونها لممارسة الفرح والسعادة، وتأكيد التميز.
عيد الربيع يدمج التقليدي مع الحديث في الصين