استطلاع عن حرم السيدة فاطمة المعصومة بنت الإمام موسى بن جعفر (عليهما السلام)
السيدة فاطمة بنت الإمام موسى بن جعفر سابع أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وأخت الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام). ولدت في مدينة جدها رسول الله (صلى الله عليه وآله) عام 173 هـ ، و توفيت في مدينة قم المقدسة بإيران عام 201 هجرية و دفنت فيها ومرقدها الآن يتوسط المدينة يزوره المؤمنون.
وكانت (عليها السلام) سيدة عالمة فاضلة تقية محدثة شأنها في ذلك شأن جميع بنات رسول الله (صلى الله عليه وآله) و أهل بيته الأطهار . فجعت في عام 179 هجرية بفقد أبيها الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) و عمرها ست سنوات عندما أمر هارون الرشيد بنقله إلى بغداد وسجنه هناك. فتلقت تربيتها و تعليمها على يد أخيها الإمام الرضا (عليه السلام) وأحبته حبا شديدا، وكان هذا الحب سببا لدفنها في مدينة قم.
لما استقدم المأمون الإمام الرضا (عليه السلام) من المدينة إلى مرو لإسناد ولاية العهد إليه عام 200 هجرية ضاقت السيدة المعصومة لفراق أخيها ، و اشتاقت إليه فخرجت خلفه للقائه، فلما وصلت إلى مدينة ساوه القريبة من مدينة قم وهي في طريقها إلى مرو مرضت هناك فسألت عن المسافة بين ساوه وقم ، فقيل لها عشرة فراسخ فقالت احملوني إليها، فحملوها إلى قم ونزلت في دار موسى بن الخزرج بن سعد الأشعري الذي أكرمها أكراماً يليق بشأنها ، واستقبلها على رأس جماعة من العلماء والأشراف ورؤساء القبائل، حيث اخذ بزمام ناقتها وجرها مع حاشيتها إلى منزله، وأقامت في داره (17) يوما حتى انتقلت إلى جوار ربها، فأمر موسى بن الخزرج بتغسيلها وكفنها وصلى عليها ودفنها على ارض كانت ملكا له. ثم بنى على قبرها سقيفة من البواري إلى أن قامت زينب بنت الإمام محمد الجواد (عليه السلام) ببناء قبة من الآجر عليه. وقد أم مدينة قم بفضل دفنها فيها بمرور الزمن كثير من العلويين وأولاد أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وأصبحت هذه المدينة عش آل محمد (صلى الله عليه وآله)، مركزاً من مراكز شيعة أهل البيت.
تبعد مدينة قم عن العاصمة - طهران - 150 كم وتعتبر المدينة المقدسة الثانية في إيران بعد مشهد الرضا (عليه لسلام).
كان تأسيس مدينة قم على يد الأشعريين وتوارد الضغط على الشيعة عموماً وشيعة الكوفة خصوصاً وكانت الهجرة في سنة 83 هـ أو سنة 94 هـ.
و بذلك كانوا أول من نشر التشيع في إيران وكانت في قسمين عجمي وعربي ويسمى القسم العجمي بـ (كوميذان) والقسم العربي يسمى بـ (عربستان) أو حسين آباد. وقد تمصرت المدينة بعد حلول السيدة المعصومة فيها.
- الحرم الشريف
حرم السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام) هو القلب النابض لمدينة قم المقدسة ، و مهوى الأفئدة ، حيث في كل يوم من قبل طلوع الفجر وإلى ما بعد منتصف الليل في حركة دائبة مستمرة، والناس يغدون ويروحون بين متعبّد، وزائر، ومصلٍّ، وقارئ للقران، وطالب علم.
و يضمّ الحرم الشريف عدداً كبيراً من قبور العلماء والأولياء والصّالحين، دفن أصحابها بجوار السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام)، كما دفن في داخل الحرم عدد من العلويات وغيرهن، وكانت قبورهنّ متميزة تحت قبّتين، وأمّا اليوم فيضمهنّ ضريح واحد تحت قبّة واحدة، ولا يتميز من تلك القبور إلاّ مرقد السيدة المعصومة (عليها السلام) وقد وضع عليه صندوق خشبي.
وذكر صاحب تاريخ قم ص 214 أنّ القبة الأولى تضمّ قبر السيدة المعصومة (عليها السلام)، وقبر أم محمد بنت موسى أخت محمد بن موسى (عليه السلام)، وقبر أم إسحاق جارية محمد بن موسى، وتضم القبة الثانية قبر أم حبيب جارية أبي علي محمد بن أحمد بن الرضا (عليه السلام)، وكانت هذه الجارية هي والدة أم كلثوم بنت محمد، وقبر أم موسى بنت علي الكوكبي، وقبر ميمونة بنت موسى أخت محمد بن موسى (عليه السلام). كما دفن جمع من البنات الفاطميات والسادات الرضوية في هذه البقعة المباركة، كميمونة بنت موسى بن جعفر (عليه السلام)، و زينب و أم محمد ، وميمونة بنات الإمام الجواد (عليه السلام).
هذا وقد مرّ حرم السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام) في عمارته بمراحل عديدة حتى بلغ ما هو عليه اليوم من الجلالة والقدسية والعظمة.
بعد دفن كريمة أهل البيت بنى موسى بن الخزرج مظلّة ـ سقيفة ـ من القصب فوق القبر الشريف.
بعد ذلك بنت زينب بنت الإمام الجواد (عليه السلام) قبّة من الآجر فوق القبر.
في سنة 413 هـ زين الحرم المطهّر بالآجر الملوّن النفيس.
في سنة 529 هـ أسّست قبّة جديدة.
في سنة 592 هـ جدّد بناء القبّة المطهرة.
في سنة 1218 هـ تمّ تذهيب القبّة المباركة بـ 12000 قطعة من الآجر المذهب.
في سنة 1275 هـ صنع الضريح الفضي.
في سنة 1285 هـ أسّست مآذن الإيوان الذهبي، وفي سنة 1301 هـ ذهّبت هذه المآذن.
في سنة 1292 هـ صنع الباب المنقوش للرّوضة المطهرة.
في سنة 1303 هـ أسّس الصّحن الجديد.
في سنة 1306 هـ صنع الباب الفضي للحرم المطهّر.
هذا، وقد تعاقبت الأيدي ـ ولازالت ـ على عمارة الحرم الشريف وصيانته ونظافته وتجديد بنائه، واليوم يتم تجديد الضريح المبارك بعد تعرض الضريح القديم للتآكل، حيث تم صناعة ضريح جديد في مدينة أصفهان الذي أستغرق العمل فيه حوالي الخمس سنوات، والضريح الجديد تم استخدام 3 كيلو من الذهب الخالص مع 150 كيلو من الفضة في صناعته، وهو يختلف عن الضريح القديم من ناحية الاستحكام والقوة والمتانة، ويتوقع عمر لهذا الضريح حوالي 200 سنة، كما يستغرق نصب الضريح الجديد مدة شهر حيث بدأ العمل في نصبه من تاريخ 22 ذي القعدة الحرام ويتأمل الانتهاء من نصبه قبل يوم الغدير الأغر، ليتم افتتاح الضريح الجديد في هذا اليوم المبارك.
وتُشرف على الحرم منذ عهد قديم هيئة خاصّة تعني به وبمرافقه وتدير شؤون الأوقاف التابعة له، وترعى أمور الزائرين والوافدين.
وكانت الخدمة في الحرم الشريف ـ ولا زالت ـ تعتبر شرفاً لا يحظى به إلاّ القليل، حتى أنّ بعض المؤمنين يتبرّع بالخدمة تقرباً إلى الله تعالى، وتشرفاً بخدمة حرم وليّة من أوليائه، وإظهاراً لمودّة أهل بيت نبيه (عليهم السلام).
وأصبح هذا الحرم الشريف مصدر خير وبركة، وموطن عبادة ودعاء وأماناً للمؤمنين عامة، ولمن جاور هذه البقعة المباركة، فقد كان هذا الحرم المبارك ملجأً وملاذاً للناس عند الشدائد والأزمات، حيث يلوذون بقبرها المطهر ويتوسلون بها إلى الله، وهي كريمة أهل البيت (عليهم السلام)، ولها شأن من الشأن، فلا يصدرون ألا بالفرج والخير والإجابة.
وقد أشاد الأئمة عليهما لسلام بهذه المدينة الشيعية، قال الإمام الصادق (عليه السلام): (إذا عمت البلدان الفتن فعليكم بقم وحواليها ونواحيها فإن البلاء مدفوع عنها). وقال أيضاً : (إن لله حرماً وهو مكة وإن للرسول حرماً وهو المدينة وأن لأمير المؤمنين حرماً وهو الكوفة وأن لنا حرماً وهو ببلدة قم وستدفن فيها امرأة من أولادي تسمى فاطمة فمن زارها وجبت له الجنة).