العلاقة بين اللغة العربية واللغة الفارسية
اللغة العربية هي لغة الدين والعبادة والسياسة وهي لغة القرآن الكريم واللغة المشتركة لكل الشعوب التي دانت للحكم العربي، وعلى كل مسلم إن يتعلم هذه اللغة لمكانتها الدينية والعلمية وقد اعتز بها العرب اشد الاعتزاز وكذلك الشعوب التي تتحدث بها .
واللغة العربية هي أولى لغات العالم الإسلامي ولها بكثير من لغات هذا العالم صلات قوية كصلتها مثلاً باللغة الفارسية، فهناك علاقة وطيدة بين العربية والفارسية لم تكن موضع شك أو تساؤل بين علماء اللغات شأنها في ذلك شأن العلاقة بين الثقافتين العربية والفارسية فأنهما أيضا لم يكونا موضع شك أو تساؤل بين علماء التاريخ.
إن العلاقة بين اللغتين العربية والفارسية ـ قديمة قدم مجاورة بلاد العجم لبلاد العرب وقد بلغت هذه العلاقة منتهاها من القوة بعد أن دخل الإسلام بلاد فارس وامتزجت الثقافتان العربية والفارسية وتكونت منها ثقافة إسلامية واحدة .
وقد أدت العلاقات الواسعة بين العرب والفرس إلى انتشار لغتيهما وتبادل التأثير فيما بينهما، فاللغة العربية لها تأثير واضح في اللغة الفارسية ومن مظاهر هذا التأثير: كثرة الألفاظ العربية في اللغة الفارسية، وكتابة اللغة الفارسية بالخط العربي واقتباس بعض قواعد اللغة العربية واستعمال أوزان الشعر العربي وقوافيه.
كما إن اللغة الفارسية أثرت في اللغة العربية حيث دخلتها مجموعة من الألفاظ الفارسية فضلاً عن تركها بصمات واضحة في المنطق العربي .
وقد تناولت في هذا البحث اللغة العربية ومكانتها والعلاقة بين اللغة العربية واللغة الفارسية، وأثر اللغة الفارسية في المنطق العربي حيث كان للفرس كما كان لغيرهم من الروم والسريان والنبط والقبط والأحباش دور في العيوب التي ظهرت في المنطق العربي ومن أهمها: اللحـــن أو اللكنـة أو العجمــة .
ثم ذكرت بعد نتائج البحث والمصادر والمراجع ، ويكتسب هذا البحث أهميته من كونه دراسة متواضعة بينت فيها العيوب التي خلفتها اللغة الفارسية في المنطق العربي ، ويهدف هذا البحث إلى الكشف عن هذه العيوب .
ومن أهم الدوافع التي دفعتني إلى الكتابة في هذا الموضوع حبي للغة العربية فضلاً عن حاجة المتخصصين في اللغة العربية واللغة الفارسية إلى مثل هذه الدراسة التي توضح العلاقة بين اللغة العربية واللغة الفارسية ومظاهر التأثير بينهما .
ومن أجل تنفيذ هذا البحث وتحقيق أهدافه فقد رجعت إلى المصادر والمراجع العربية التي تخص هذا الموضوع . وقد بذلت ما بوسعي في المجهد المتواضع للغة القرآن وأرجو أن أكون قد أسهمت بنصيب متواضع في هذا المجال من الدراسات وحققت الهدف المطلوب والله من وراء القصد وهو ولي التوفيق .
اللغة العربية ومكانتها
اللغة العربية إحدى اللغات السامية « وهي اللغات التي كانت شائعة منذ أزمان بعيدة في بلاد أسيا وأفريقيا ».
وقد مرت اللغة العربية كغيرها من اللغات بمراحل مختلفة حتى وصلت إلى الوضع الأخير الذي عرفت به، وكما هو معروف إن الجزيرة العربية هي مهد اللغة العربية نشأت في أحضانها نقية سليمة ، وكانت لهجات أبناء الجزيرة العربية تختلف باختلاف الوطن الذي يعيشون فيه، وقد أدت عوامل عديدة إلى توحيد هذه اللهجات في نهاية الأمر في لهجة قريش التي تعد أفصح اللهجات العربية وعنها يقول السيوطي نقلاً عن ثعلب « ارتفعت قريش في الفصاحة عن عنعنة تميم وتلتلة بهراء وكسكسة ربيعة وكشكشة هوازن وتضجع قيس وعجرفية ضبة » .
ومن أهم هذه العوامل
هجرة القبائل المختلفة من مكان إلى آخر وما يصب ذلك من انتقاء للألفاظ وتنقية للأساليب من لغة الطارئين ولغة القاطنين . كما كان لأسواقهم الكثيرة التي كانت تقام في تواريخ معروفة دور كبير في التقريب بين لهجات القبائل وتقوية ألاواصر بينها ومن أشهر هذه الأسواق عكاظ ومجنة وذو المجاز .
وكان لاجتماع العرب في موسم الحج في مكة أثر بالغ في توحيد لهجتهم حيث تلتقي اللهجات وتتعارض ويحدث ما لابد أن يترتب على هذا الاحتكاك من استعمال ألفاظ خاصة لها من مرونتها ودقة أدائها ما يضمن لها البقاء والخلود .
لقد كان لقريش القدح المعلى في ذلك فهي قبلة العرب التي يتجهون إليها ويختلطون بها ويأخذون عنها، ولأبنائها السيادة والشرف تأتيهم القبائل وتصدر عنهم فيأخذون من لهجتها ما حسن حتى استوت العربية على ساقيها وحتى استكملت مقوماتها وحتى أصبحت تلك اللغة الفصيحة التي يتكلمها العرب ويتناقلونها أبناء عن آباء.
وتحتل اللغة العربية مكان الصدارة بين اللغات المشهورة وتتمتع بمكانة رفيعة بين اللغات الحية في الوقت الحاضر وينظر إليها نظرة احترام وتقديس من قبل العرب والمسلمين فهي لغة القرآن والدين الإسلامي بالنسبة للمسلم ولغة الآباء والأجداد بالنسبة للعربي غير المسلم وهي لغة الفصاحة والبيان وبها دونت علوم العرب وآدابهم وحضارتهم العظيمة.
وللغة العربية فضل من جهة اعتدال كلماتها فإننا نجد أكثر ألفاظها قد وضع على ثلاثة أحرف وأقل من الثلاثي ما وضع على أربعة أحرف وأقل من الرباعي ما وضع على خمسة أحرف وليس في اللغة العربية كلمة ذات ستة أحرف أصلية ، وقد جاءت ألفاظ قليلة جداً على حرف واحد أو حرفي.
ولها فضل من جهة فصاحة مفرداتها فليس في كلماتها الجارية في الاستعمال ما يثقل على اللسان أو ينبو عن السمع .
واللغة العربية هي لغة الخلود لأنها اللسان الذي نزل به القرآن الكريم « نزل به الروح الأمين على قلبك من المنذرين بلسان عربي مبين » ( سورة الشعراء الآيات 193 - 194 - 195 ) ، فهي خالدة ومحفوظة بحفظ القرآن الكريم وقد وعد الله سبحانه وتعالى بذلك « إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون » ( الحجر / آية / » وعلى كل عربي ومسلم أن يفتخر بهذه اللغة ويعتز بها ويخدمها خدمة للدين القويم، ويجب على كل مسلم أن يعرف هذه اللغة ويتعلمها لمكانتها الدينية والعلمية قال ابن شُبْرُمه « إذا سرّك أن تعظم في عين من كنت بعينه صغيراً ويصغر في عينك من كان في عينك عظيماً فتعلم العربية فإنها تجريك على المنطق وتدنيك من السلطان ».
وقد كثرت اللغات العربية التي تكتب بالحروف العربية وهذا دليل على مكانتها العظيمة في قلوب تلك الأمم المنتشرة في آسيا وأفريقيا، كالهندستانية والأوردية والبنجابية والإيرانية والأفغانية في آسيا وبلاد الهند والكوموكية في أوربا. .
العلاقة بين اللغتين
دخل العرب بلاد فارس سنة ( 30 هـ ) ( 651 م ) بعد مقتل يزدجر الثالث في وقعة ( نهاوند ) التي سميت فتح الفتوح .
وقد انتشر الإسلام في ربوع إيران انتشاراً سريعاً واسلم كثير من الفرس في مدة وجيزة وبانتشار الإسلام انتشرت العربية في أنحاء إيران وأصبحت اللغة البهلوية وخطها مهجورين لأن البهلوية ارتبطت في أذهان الفرس المسلمين بالديانة الزرادشتية فنفروا منها ، كما ان الكتابة البهلوية لم تكن شائعة بين الفرس بل كانت محصورة في طبقة خاصة منهم هي طبقة الكتاب وهذا العامل سهل على الفرس هجرها واستعمال الكتابة العربية الجديدة.
كما إن البهلوية هي لغة المناطق المتاخمة للبلاد العربية وكانت هذه المناطق دائماً في طريق الغزوات والهجمات العربية المختلفة نحو المشرق، ونتيجة لذلك كان أثر الفتوح العربية الإسلامية شديداً في هذه اللغة ولهذه الأسباب زالت اللغة البهلوية من جراء الفتح العربي.
وقد سادت العربية في بلاد فارس وكان الدافع الأول لإقبال الفرس على تعلمها هو الإيمان الصادق بالإسلام، وان اللغة العربية لغة الدين الإسلامي ومنبعيه الأساسيين- القرآن الكريم والحديث النبوي ـ كما إن اللغة العربية لغة أصحاب السلطان ولغة التدريس في المدارس ولذلك أقبل الناس على تعلمها) .
والسؤال الذي يطرح نفسه ، بعد زوال اللغة البهلوية من جراء الفتح العربي من أين جاءت اللغة الفارسية الحديثة التي ظهرت بعد انتهاء عهد السيطرة العربية واتخذتها الدولة الفارسية المستقلة لغة لها ؟ .
لقد كانت بالمشرق اللغة الدرية التي كانت تستخدم في بلاد الحكام ببخارى وفيما يحيط بها من المناطق كما إنها منتشرة في خراسان أيضا.
ومن حسن حظ اللغة الدرية إنها كانت بالمشرق حين قامت الدولة الفارسية المستقلة عن الدولة العباسية، وهذه الدولة هي التي ساعدت على بعث النهضة الأدبية الفارسية وطبيعي إن تتخذ هذه النهضة التي قامت في المشرق لغة المشرق في كل ما يكتب أو يؤلف .
لقد اتخذت الدولة الفارسية المستقلة التي قامت بالمشرق لغة قومية بدل لغة العرب لبعد المناطق الشرقية عن مركز الخلافة العربية وضعف قبضة هذه الخلافة عليها، وهكذا أظهرت اللغة الفارسية الإسلامية التي اشتد ساعدها بعد ذلك وكتب بها شعراء تزعموا النهضة الفارسية الأدبية بعد الإسلام كالرودكي، وظهرت التآليف والترجمات بهذه اللغة.
ولا يفهم من هذا إن الفرس هجروا اللغة العربية بعد أن أصبحت لهم لغة قومية لأنهم في الحقيقة لم ينصرفوا عنها في أدبهم وتآليفهم .
وفي الدولة السامانية التي اتخذت بخارى عاصمة لها والتي ظهر فيها أول شعراء الفرس الكبار بعد الإسلام وهو الرودكي، راج الشعر العربي رواجاً كبيراً، ومع أن الدولة السامانية فارسية إلا إنها لم تحرم الأدب العربي من الرعاية ، كما نالت العربية في عهد أحمد بن إسماعيل شيئاً من مكانتها القديمة حتى صارت لغة الوثائق الرسمية وكانت بخارى مجمع العلم والفضل يسعون إليها من أنحاء العالم الإسلامي وبها يلتقون) .
وهذا كله يدل على إن العربية ظلت محتفظة بمكانتها وانتشارها حتى بعد أن أصبح للفرس لغة قومية وأدب قومي .
إن اللغة الفارسية الجديدة وان أصبحت لغة الفرس القومية إلا إنها مع ذلك عاشت مع العربية جنباً إلى جنب في تآلف وتعاون وتفاعل وقد أثرت كل منهما في الأخرى وتفاعلت معها، وقد أدت هذه العلاقات الواسعة بين العرب والفرس إلى انتشار لغتيهما وتبادل التأثير فيما بينهم) .