العباس بن الإمام أمير المؤمنين ( عليهما السلام)
اسمه ونسبه :
العباس بن
علي بن أبي طالب بن
عبد المطلب ، أمه
فاطمة العامرية الكلابية ،و تُعرَف
بأمِّ البَنين ( عليها السلام) .
ولادته :
ولد ( عليه السلام ) سنة ( 26 هـ) .
كنيته ولقبه :
يُكنَّى ( أبو الفَضل ) ، ويلقَّب بـ( السقَّاء ) ، و( قَمَر بني هاشم ) ، و( باب الحوائج ) ، و( سَبْعُ القَنْطَرة ) ، و( كَافِل زَينب ) ، و( بَطَل الشريعة) .
خصاله الحميدة و شجاعته :
في مقاتل الطالبيِّين : كان العبَّاس رَجُلاً ، وَسيماً ، يركب الفرس المطهَّم ،و رجلاه تخطَّان في الأرض .
وفي بعض العبارات : إنَّه كانَ شُجاعاً ، فارساً ، وسيماً ، جسيماً .
و روي عن
الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنه قال : (كَانَ عَمُّنا العبَّاس بن عليٍّ نافذ البصيرة ، صَلب الإيمان ، جاهد مع
أبي عبد الله ( عليه السلام )،و أبلى بلاءً حسناً ، ومضى شهيداً) .
وقد كان العباس صاحب لِوَاء الحسين ( عليه السلام ) ، و اللِّواء ، هو العَلَم الأكبر ،و لا يحمله إلاَّ الشجاع الشريف في المعسكر .
ولمَّا جمع الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، أهلَ بيته و أصحابه ليلة العاشر من المحرَّم ، و خطبهم ، فقال في خطبته :
(أمَّا بعد ، فإنِّي لا أعلم أصحاباً أوفى و لا خيراً من أصحابي ، و لا أهل بيت أبرُّ ، و لا أوصل من أهل بيتي ، و هذا الليل قد غشيكم ، فاتَّخِذوه جملاً .وليأخذ كلُّ واحدٍ منكم بيدِ رجلٍ من أهل بيتي ، و تفرَّقوا في سواد هذا الليل، و ذَرُوني ، و هؤلاء القوم ، فإنَّهم لا يريدون غيري) .
فقام إليه العباس ( عليه السلام ) فبدأهم ، فقال : (و لِمَ نفعل ذلك ؟! لنبقى بعدك ؟! لا أرانا الله ذلك أبداً).
ثمّ تكلَّم أهل بيته و أصحابه بمثل هذا و نحوه .
و لمَّا أخذ
عبد الله بن حزام ابن خال العباس ( عليه السلام ) أماناً من ابن زياد للعباس وأخوته من أمِّه ، قال العباس و أخوته : (لا حاجة لنا في الأمان ، أمانُالله خير من أمان ابن سميَّة) .
و لمَّا نادى شِمر : أين بنو أختنا ؟ أين العباس و أخوته ؟ فلم يجبه أحد .
فقال الحسين ( عليه السلام ) : (أجيبوه ، و إن كان فاسقاً ، فإنَّه بعض أخوالكم) .
فقال له العباس ( عليه السلام ) : (ماذا تريد ؟) .
فقال : أنتم يا بني أختي آمنون .
فقال له العباس ( عليه السلام ) : (لَعَنَك الله ، و لعن أمانك ، أتؤمِّننا و ابن
رسول الله لا أمان له ؟!) .
و تكلَّم أخوته بنحو كلامه ، ثمَّ رجعوا .
مواقفه البطوليَّة في واقعة الطفِّ :
لمَّا اشتدَّ العطش بالحسين ( عليه السلام ) و أصحابه ( رضوان الله عليهم ) ، أمر أخاه العباس ( عليه السلام ) ، فسار في عشرين راجلاً ، يحملون القرب ، فحمل و أصحابه على جيش عمر بن سعد ، فكشفوهم و أقبلوا بالماء .
فعاد جيش عمر بن سعد بقيادة عمرو بن الحجَّاج ، و أرادوا ، أن يقطعوا عليهم الطريق، فقاتلهم العباس و أصحابه ، حتى ردُّوهم ، و جاءوا بالماء إلى الحسين ( عليه السلام) .
و لمَّا نَشَبت الحرب يوم
عاشوراء ، تقدَّم أربعة من أصحاب الحسين ( عليه السلام )، و هم الذين جاءوا من الكوفة ، و معهم فرس
نافع بن هلال .
فشدُّوا على الناس بأسيافهم ، فلمَّا وغلوا فيها عطف عليهم الناس ، و اقتطعوهم عن أصحابهم ، فندب الحسين ( عليه السلام ) لهم أخاه العباس ، فحمل على القوم ، فضرب فيهم بسيفه ، حتى فرَّقهم عن أصحابه .
ثم وصل إليهم فسلَّموا عليه ، و أتى بهم ، ولكنَّهم كانوا جرحى ، فأبوا عليه ، أن يستنقذهم سالمين .
فعاودوا القتال ، و هو يدفع عنهم ، حتى قتلوا في مكان واحد ، فعاد العباس إلى أخيه ، و أخبره بخبرهم .
و لما اشتدَّ
العطش بالحسين ( عليه السلام ) و أهل بيته و أصحابه ( رضوان اللهعليهم ) يوم العاشر من المحرَّم ، و سمع عويل النساء و الأطفال ، يشكون العطش ، طلب العباس ( عليه السلام ) من أخيه الحسين ( عليه السلام ) ، السماح له بالبراز لجلب الماء .
فأذن له الحسين ( عليه السلام ) ، فحمل على القوم ، فأحاطوا به من كلِّ جانب ،فقتل و جرح عدداً كبيراً منهم ، و كشفهم ، و هو يقول :
حتى أواري في المصَال يتِلُقَى |
لا أرهبُ الموتَ إذا الموتُ رَقَا |
إنِّي أنا العبَّاس أغدو بالسقَا |
نفسي لنفسِ المُصطَفَى الطُّهر وَقَا |
ولا أخافُ الشرَّ يوم المُلتَقَى
و وصل إلى ماء الفرات ، فغرف منه غرفة ، ليطفئ لَظَى عطشه ، فتذكَّر عطش الحسين (عليه السلام ) ، و رمى بالماء، و هو يرتجز ويقول :
مِن بعدِهِ لا كُنتِ أنتَكُوني |
يَا نفسُ مِن بعد الحُسين هوني |
وتشرَبينَ بَاردَالمَعينِ |
هَذا الحسينُ وَارِدَ المَنونِ |
تاللهِ مَا هَذي فِعَال دِيني | |
| |
| |
| |
فملأ القربة ، و عاد فحمل على القوم ، و قتل ، و جرح عدداً منهم ، فكمن له
زيد بن ورقاء من وراء نخلة ، و عاونه
حكيم بن الطفيل السنبسي ، فضربه على يمينه ، فقطعها ، فأخذ (عليه السلام ) السيف بشماله ، و حمل ، و هو يرتجز :
إنِّي أُحَامي أبداً عنديني |
واللهِ إنْ قَطعتُمُ يَميني |
نَجلُ النبيِّ الطاهِرِالأمينِ |
وعَن إمامٍ صَادِقِ اليقين |
فقاتل ( عليه السلام ) حتى ضعف ، فكمن له الحَكَم بن الطفيل الطائي من وراء نخلة ، فضربه على شماله فقطعها ، فقال ( عليه السلام) :
وأبشِري بِرَحمةالجَبَّارِ |
يا نفسُ لا تَخشي مِن الكُفَّارِ |
قَدقطعوا بِبَغيِهم يَساري |
مَعَ النَّبيِّ السيِّد المختار |
فأخذ القربة بِفَمِه ، و بينما هو جاهد ، أن يوصلها إلى المخيَّم ، إذ صُوِّب نحو هسهمان ، أحدهما أصابَ عينه الشريفة ، فَسالَت ، و نبت السهم فيها.
و أمَّا الآخر فقد أصاب القِربة فَأُرِيق ماؤها ، و عندها انقطع أمله من إيصال الماء ، فحاول أن يخرج السهم الذي في عينه ، فضربه ملعونٌ بعَمَود من حديد على رأسه فقتله .
فلمَّا رآه الحسين ( عليه السلام ) صريعاً على شاطئ الفرات ، بكى ، و أنشأ يقول :
وخالفتُمُ دِينَالنبيِّ محمَّدِ |
تعدَّيتُمُ يا شرَّ قومٍ ببغيكم |
أمَا نَحنُ مِن نجلِ النبيِّالمُسدَّدِ |
أما كانَ خير الرسْل أوصَاكُم بِنا |
أمَا كَان مِن خيرِ البريَّةأحمَدِ |
أما كانت الزهراء أمِّي دونكم |
فَسوفَ تُلاقواحَرَّ نَارٍ تُوقَّدِ |
لُعِنْتم وأُخزِيتُم بما قد جَنَيتُم |
و قد قال الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، حين قتل أخوه العباس ( عليه السلام ) : (الآن اِنكَسَرَ ظَهرِي ، وقَلَّتْ حِيلَتي) .
فمضى أبو الفضل العباس و أخوته من أمِّه ، شهداء يذبُّون عن حرم الإمام الحسين (عليه السلام ) ، و حرم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ضاربين أروع أمثلة الشرف، و العِزَّة ، و الكَرَامة ، و الإباء ، و المواساة ، و الإيثار ، و الوفاء .
و أما أمُّه أم البنين ( سلام الله عليها ) فقد قالت فيهم :
يَا مَنْ رأى العبَّاسُ كَـ |
ـرَّ عَلى جماهيرالنقدْ |
وَوَراه منْ أبناءِ حَيـ |
ـدرَ كلّ لَيثٍ ذيلبدْ |
أُنبِئْتُ أنَّ ابني أصيـ |
ـبَ بِرأسِه مَقطُوعيَدْ |
وَيْلي على شِبلي أمَا |
ل بِرأسِهِ ضَربالعَمَدْ |
لَو كَان سَيفُك في يديـ |
ـكَ لما دَنا مِنكَأحَدْ |
وقالت ( سلام الله عليها ) أيضاً :
لا تَدعُوَنِّي وَيكِ أمَّ البنين |
تُذكِّريني بِلِيوثِالعَرينْ |
كَانت بَنونٌ ليَ أُدعَى بهم |
واليومُ أصبحتُ ولا مِنْبَنينْ |
أربَعةٌ مِثل نُسور الرّبَى |
قَد واصَلُوا الموتَبِقَطعِ الوَتينْ |
تنازع الخِرصان أشلاءهم |
فَكُلّهم أمسَى صَريعاًطَعِينْ |
يَا لَيتَ شِعري أَكمَا أخَبَروا |
بأنَّ عَبَّاساً قَطيعُاليَمينْ |
فسلامٌ عليك يا أبا الفضل العباس ، و على أخوتك :
عبد الله ، و
جعفر ، و
عثمان ،يوم وُلِدتُم ، و يوم استَشهَدْتُم ، مظلومِينَ محتسبين ، و يوم تُبعَثون أحياءً فيجنَّة الخلد و الرضوان .