اجابات الامام الهادي ( عليه السلام ) العلمية - الرۆية
قال أحمد بن إسحاق :
( كتبتُ إلى أبي الحسن ، عليّ بن محمدٍ العكسريّ أسأله عن الرۆية ـ أي إمكان رۆية الله عزّ وجلّ عن ذلك ـ وما فيه الخلق ؟
فكتبَ : ( لا تجوز الرۆية ما لم يكن بين الرائي والمرئيّ هواء ينفذه البصر ، فمتى انقطعَ الهواء ، وعدم الضياء ، لم تصحّ الرۆية ، وفي جواب اتّصال الضّياءين : الرائي والمرئيّ ، وجوب الاشتباه ، والله تعالى منزّه عن الاشتباه ، فثبتَ أنّه لا يجوز عليه سبحانه الرۆية بالأبصار ؛ لأنّ الأسباب لابدّ من اتّصالها بالمسبّبات ) (1) .
ووردَ عنه ( عليه السلام ) ، بلفظ : (..لا يجوز الرۆية ما لم يكن بين الرائي والمرئيّ هواء ينفذه البصر ، فإذا انقطعَ الهواء وعدم الضياء بين الرائي والمرئيّ لم تصحّ الرۆية وكان في ذلك الاشتباه ؛ لأنّ الرائي متى ساوى المرئيّ في السبب الموجب بينهما في الرۆية ، وجبَ الاشتباه وكان في ذلك التشبيه ؛ لأنّ الأسباب لابدّ من اتّصالها بالمسبّبات ) (2) .
فمَن لقّنكَ الفيزياء وعِلم الطبيعة يا سيّدي وقد كنتَ بين الجواري السّود في طفولتك ، ورهن الرقابة والقيود في يفاعك ، وحبيس السجون والسدود منذ مطلع فتوّتك وشبابك ؟! مَن علّمك هذا وأنت في مرصدٍ من العيون المتفتّحة عليك والأنياب المكشّرة ، التي لو أُتيحَ لها لنهشَت لحمَك ، وعرّقت عظمك منذ بزوغ نجمك حتى تَدرّجك نحو الكهولة ؟!
قد علّمك ذلك مُلهم العلوم كلّها لجدّك أمير المۆمنين ، باب مدينة عِلم رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) ، ولجدّك الإمام الصادق ولسائر أبائك من قبله ومن بعده عليهم الصلاة والسلام ،.. فأنتم ذريّة أولها كآخرها ، وصغيرها ككبيرها ، يدور العلم على ألسِنتكم كما يدور الخاتم في الخنصر ، وتتدفّق الحكمة من ألسِنتكم والرحمة من قلوبكم كما يتدفّق الماء الزّلال من النبع الثّرّار ، ولقد كان الأحرى بمَن نازعوكم حقّكم وأزالوكم عن مراتبكم ، أن يستفيدوا من عِلمكم وحكمتكم بعد أن ألقيتم دنياهم في نحورهم ، وعَكفتم على نشر الدّين وإعلاء أوامر الدّيان .
فسبحان مَن علّمكم عِلم ما كان وعلم ما بقي ، ووهبََكم الفضل كلّه ، والرحمة كلّها فعملتم على إنقاذ النّاس من ظلمات الجهل والضلال ، ودلَلتموهم أنّ الخالق تبارك وتعالى قد احتجبَ عن خلقه ، وعزّ عن أن يُتصوّر في الأوهام ، أو أن يُتخيّل في القلوب والبصائر ، فضلاً عن أن يُرى بالأبصار !
قد تنزّه عن التجسيم ، وسَما عن الرۆية بالعيون ، ولم يكن محدوداً بحدّ ولا مشبهاً لندٍّ ، بل هو الحيّ القيّوم الذي( لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) (3) ، وإنّه لو أدركهُ بصر لنزلَ عن مرتبة الإلوهية ، ولزالت عنه هالة الرّبوبيّة ، ولشبّهناه ووصفناه ،.. ولصارَ ـ إذاً ـ محدوداً يفوت عِلمه ما كان خارج حدوده ومكان وجوده ،.. تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً .
اعداد وتقديم:سيد مرتضى محمدي
القسم العربي - تبيان
المصادر:
(1) الاحتجاج : ج 2 ص 449 ـ 450 .
(2) توحيد الصدوق : ص 66 .
(3) الأنعام : 103 .
محاورات الإمام الهادي ( عليه السلام )
هجره الإمام الهادي ( عليه السلام )
تفسير الامام الهادي (صِحَةِ العقل)
احاديث الإمام الهادي ( عليه السلام )