اجابات الامام الهادي ( عليه السلام ) العلمية - الجسم والصورة
قال الفتح بن يزيد : ( سألته عن أدنى المعرفة ؟
فقال : ( الإقرار بأنّه لا إله غيره ، ولا شبيه ولا نظير ، وأنّه قديم ، مثبت ، موجود غير فقيدٍ ، وأنّه ليس كمثله شيء ) (1) .
***
وقال حمزة بن محمد : ( كتبتُ إلى أبي الحسن ( عليه السلام ) أسأله عن الجسم والصورة ؟
فكتب : ( سبحان مَن ليس كمثله شيء ، لا جسم ولا صورة ) (2) .
وقال محمد بن الفرج الرّخجي : ( كتبتُ إلى أبي الحسن ( عليه السلام ) عمّا قال هشام بن الحكَم في الجسم ، وهشام بن سالم في الصورة ؟
فكتب : ( دَع عنك حَيرة الحيران ، واستعِذ بالله من الشيطان ، ليس القول ما قال الهشامان ) (3) .
وهذان الهشامان كانا من أجلّ أصحاب الإمامين الصادق والكاظم ( عليه السلام ) ، وما نُسب إليهما من التجسيم مكذوب عليهما فيه ، وقد رُميا بهذه الفِرية للحطّ من منزلتهما ، وقد دافعَ السيد المرتضى ـ قدّس الله سرّه ـ عنهما وبرّأ ساحتهما من هذه التّهمة وذلك الدسّ الرّخيص في كتابه ( الشافي ) ، ومَن شاء فليراجع حججه الدامغة وبيانه القاطع .
وقال الصقر بن دلف : ( سألتُ أبا الحسن ، عليّ بن محمد بن عليّ بن موسى ـ بن الرّضا ( عليهم السلام ) ـ عن التوحيد ، وقلت له : أقول بقول هشام بن الحَكم ؟
فغضب ثمّ قال : ( ما لكم ولقول هشام ؟ إنّه ليس منّا مَن زعمَ أنّ الله عزّ وجلّ جسم ، ونحن منه بُراء في الدّنيا والآخرة .
يا بن دلف ، إنّ الجسم مُحدَث ، والله مُحدثه ومجسّمه ) (4) .
وفي هذا الكتاب المختصر نكتة خفيّة في غاية الدقّة والعمق ، فمِن المسلّم به المتسالَم عليه أنّ العالَم محدَث ، ولا نزاع في ذلك البتّة ، وعلى هذا الأساس لفتَ ( عليه السلام ) نظر صاحبه إلى حدوث الأجسام من خلال حدوث العالَم ، بدون أن يخوض معه في حديثٍ طويل ، فالله سبحانه وتعالى قد أفاضَ الوجود عن محض إرادته بعد أن كان في كتم العدم ، وكذلك أفاضَ وجود الأجسام وجميع الكائنات ، فهو ليس بجسمٍ ، بل هو مُجسّم الأجسام كلّها ، وهو مصوّرها ومُحدثها .
وقد ثبتَ عنه وعن أبيه سلام الله عليهما أنّهما قالا : ( مَن قال بالجسم فلا تعطوه من الزكاة ، ولا تصلّوا وراءه ) (5) ؛ ذلك أنّه يكون من المشبّهة الذين أضلّهم الشيطان فتصوّروا له جسماً وصورة ،.. تعالى الله عن أن يُتصوّر في الأوهام أو أن يُتخيّل في العقول..
وقال محمد بن عيسى :
( كتبتُ إلى أبي الحسن ، عليّ بن محمد ( عليه السلام ) : أنّ الله في موضعٍ دون موضعٍ على العرش استوى ؟ وأنّه ينزل في كلّ ليلةٍ في النصف الأخير من اللّيل إلى السماء الدّنيا ، ورويَ أنّه ينزل في عشيّة ( عرَفة ) ثمّ يرجع إلى موضعه ! فقال بعض مواليك في ذلك : إذا كان في موضع دون موضع ، فقد يلاقيه الهواء ويتكنّف عليه ، والهواء جسم رقيق يتكنّف على كلّ شيءٍ بقدره ، فكيف يتكنّف عليه جَلّ ثناۆه على هذا المثال ؟!
فوقّع ( عليه السلام ) : ( عِلمُ ذلك عنده ، وهو المقدِّر له بما هو أحسن تقديراً ، واعلم أنّه إذا كان في السماء الدّنيا فهو كما هو على العرش ، والأشياء كلّها له سواء : علماً ، وقدرةً ، ومُلكاً ، وإحاطة ) (6) .
وقد عَلّق عليه في ( الكافي ) قائلاً : ( أي عِلم كيفيّة نزوله عنده سبحانه ، وليس عليكم معرفة ذلك ، ثمّ أشارَ إشارةً خفيّةً إلى أنّ المراد بنزوله وتقديره : نزول رحمته وإنزالها بتقديره بقوله : ( وهو المقدِّر له بما هو أحسن تقديراً ) ، ثمّ أفادَ أنّ ما عليكم عِلمه أنّه لا يجري عليه أحكام الأجسام والمتحيّزات من المجاورة والقرب المكانيّ ، والتمكّن في الأمكنة ، بل حضوره سبحانه حضور وشهود علميّ ، وإحاطة بالعلم والقدرة والملك بقوله ( عليه السلام ) : ( واعلم أنّه إذا كان في السماء الدّنيا ، فهو كما هو العرش ، والأشياء كلّها له سواء : علماً ، وقدرةً ، ومُلكاً ، وإحاطة ) ، وهو تعليق أيضاً جيد متين في غاية الجودة .
اعداد وتقديم:سيد مرتضى محمدي
القسم العربي - تبيان
المصادر:
(1) الكافي : م 1 ص 86 .
(2) الكافي : م 1 ص 25 .
(3) الكافي : م 1 ص 105 .
(4) توحيد الصدوق : ص 62 .
(5) توحيد الصدوق : ص 20 .
(6) الكافي : م 1 ص 126 .
ولادة الإمام الهادي ( عليه السلام )
کرامات الإمام الهادي ( عليه السلام )
علم الإمام الهادي ( عليه السلام )
کرم الإمام الهادي ( عليه السلام )