إخبار أميرالمۆمنين عليه السلام الغيبيّ
كان الائمّة عليهم السلام يعلمون الغيب. [1] و قد اعترف بهذه الحقيقة كثير من كبار أهل السنّة و مشاهيرهم.
ابن الاثير الجزريّ يقول بسلسلة إسناده عن عثمان بن صُهيب، عن أبيه، أنـّه قال:
قَالَ علي (عليه السلام): قَالَ لِي رَسُولُ اللَهِ صَلّي اللَهُ عليهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: مَن أَشقَي الاْوَّلينَ ؟ قُلْتُ: عَاقِرُ النّاقَةِ، قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: فَمَنْ أَشْقَي الآخِرينَ ؟ قُلتُ: لاَ عِلمَ لِي يَا رَسُولَ اللهِ، قالَ: الَّذِي يَضْرِبُكَ علي هَذَا ـ وَ أَشارَ بِيَدِهِ إلَي يَافُوخِهِ ـ وَكَانَ يَقُولُ: وَدِدْتُ أَنَّهُ قَدِ انْبَعَثَ أَشْقَاكُمْ فَخَضَبَ هَذِهِ مِن هَذِهِ، يَعْنِي ؛ لِحْيَتَهُ مِن دَمِ رَأسِهِ. [2]
ثمّ يقول ابنالاثير: إِنَّ علياً جَمَعَ النَّاسَ لِلْبَيْعَةِ فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُلْجَمٍ الْمُرادِيُّ فَرَدَّهُ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: مَا يَحْبِسُ أَشْقَاهَا ؟! فَوَاللهِ، لَيَخْضِبَنَّ هَذِهِ مِنْ هَذِهِ، ثُمَّ تَمَثَّلَ:
اشْدُدْ حَيَازِيمَكَ لِلْمَو تِ فَإِنَّ الْمَوتَ لاَقِيكَ
وَ لاَ تَجَزَعْ مِنَ الْقَتـ لِ إذَا حَلَّ بِوَادِيكَ [3]
ثمّ يقول: قال عثمان بن المُغيرة: لَمّا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ جَعَلَ عليٌّ يَتَعشّي لَيْلَةً عِندَ الْحَسَنِ، وَ لَيْلَةً عِندَ الْحُسَيْنِ، وَ لَيْلَةً عِندَ عَبدِاللهِ بنِ جَعْفَرٍ لاَيَزِيدُ علي ثَلاَثِ لُقَمٍ، وَ يَقُولُ: يَأتِي أَمْرُ اللَهِ وَ أَنَا خَمِيصٌ، وَ إِنَّمَا هِيَ لَيْلَةٌ أَولَيْلتَانِ. [4]
ثمّ يقول: خَرَجَ علي لِصَلاَةِ الْفَجْرِ فَاسْتَقبَلَهُ الإوَزُّ يَصِحنَ فِي وَجْهِهِ، قَالَ: فَجَعَلْنَا نطرُدُهُنَّ عَنْهُ، فَقَالَ: دَعُوهُنَّ فَإِنَّهُنَّ نَوائِحٌ، وَ خَرَجَ فَأُصيبُ. وَ هَذَا يَدُلُّ علي أَنَّهُ عَلِمَ السَّنَةَ وَالشَّهْرَ وَالَّليلَةَ الَّتِي يُقْتَلُ فِيهَا، وَاللهُ أَعْلَمُ. [5]
و يقول ابن حجر الهيثمي: فَلَمّا كَانَتِ الَّليلَةُ الَّتِي قُتِلَ فِي صَبِيحَتِهَا أَكْثَرَ الْخُرُوجَ وَالنَّظَرَ إِلي السَّمآءِ، وَ جَعَلَ يَقُولُ: وَاللَهِ ؛ مَاكَذَبْتُ وَلاَ كُذِبْتُ وَ إِنَّهَا الَّليْلَةُ الَّتِي وُعِدْتُ. [6]
إخبار باستشهاده
ذات يوم قال الإمام لميثم: كيف أنت إذا طلبك دعيّ [7] بني أُميّة وأمرك بالبراءة منّي ؟ فقال ميثم: لا والله، لا أتبرّأ منك. فقال الإمام: والله، سيقتلونك و يصلبونك. فقال ميثم: أصبر، و هذا قليل يهون في سبيل الله، فقال الإمام: ستكون معي و في درجتي يوم القيامة. فهذا التلميذ عارف بإمامه، مدرك لسيطرته الغيبيّة علي المُلك و الملكوت. و لذلك كان يخبر بالمغيبات و ما يُخبِئهُ المستقبل من فِتَن و أحداث. و كانت وقائع المستقبل كلّها واضحة و مشهودة أمامه كالمرآة، فكيف بالإمام نفسه الذي كان يخبر صاحبه بالاسرار و المَغيّبات، و الذي أقرّ الصديق و العدوّ بعلومه الغيبيّة.
يقول ابن حجر الهيثميّ: وَ سُئِلَ وَ هُوَ علي الْمِنْبَرِ بِالْكُوفَةِ عَنْ قَولِهِ تَعَالَي: «رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَـ'هَدُوا اللَهَ عليهِ فَمْنْهُمْ مَّن قَضَي' نَحْبَهُ و وَ مِنْهُم مَّنْ يَنْتَظِرُ وَ مَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً» [8] فَقَالَ: اللَّهُمَّ غَفْراً ! هَذِهِ الآياتُ نَزَلَتْ فِيَّ وَ فِي عَمِّي حَمْزَةَ وَ فِي ابْنِ عَمِّي عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدالْمُطَّلِبِ، فَأَمَّا عُبَيْدَةُ فَقَضَي نَحْبَهُ شَهيداً يَوْمَ بَدْرٍ، وَ حَمْزَةُ قَضَي نَحْبَهُ شَهيداً يَوْمَ أُحُدٍ، وَ أَمّا أَنَا فَأنْتَظِرُ أَشًقَاهَا يَخْضِبُ هَذِهِ مِنْ هَذِهِ ـوَأَشارَ بِيَدِهِ إِلَي لِحْيَتِهِ وَ رَأسِهِ ـ عَهْدٌ عَهِدَهُ إِلَيَّ حَبِيبي أَبُوالْقَاسِمِ صلّي اللهُ عليهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ. [9]
وَ رُويَ أَنَّ علياً جَاءَهُ ابنُ مُلجَم يَستَحمِلُهُ [10] فَحَمَلَهُ، ثُمَّ قَالَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:
أُرِيدُ حَيَاتَهُ وَ يُرِيدُ قَتْلِي عَذِيرِي [11] مِنْ خَلِيلِي مِن مُرادِ
ثُمَّ قالَ: هَذَا وَاللهِ قَاتِلِي، فَقِيلَ لَهُ: أَلاَ تَقْتُلُهُ ؟ فَقَالَ: فَمَنْ يَقْتُلُنِي؟! [12]
في معركة النهروان
و من الاخبار الغيبيّة للإمام فيحرب النهروان أنـّه قال: لا يبقي منهم عشرة و لا يقتل منّا عشرة. فسلم من أهل النهروان تسعة فقط و كانوا أربعة آلاف. و قتل من أصحاب أميرالمۆمنين عليه السلام تسعة فقط. و كان عبدالرحمن بن ملجم المرادي أحد الخوارج. و قد اتّفق مع اثنين من أصحابه في مكّة علي أن يقوم هو بقتل الإمام.
نقل ابن أبي الحديد في «شرح نهج البلاغة» بإسناده المتصّل عن أبي عبدالرحمن السُلَمي أنـّه قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ بنُ عليٍّ عليهمَا السَّلامُ: خَرَجْتُ وَ أَبي يُصَلّي فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: لِي: يَابُنَيَّ إِنِّي بِتُّ اللَّيْلَةَ أُوقِضُ أَهْلِي ؛ لاِنَّها لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ صَبيحَةِ يَوْمِ بَدْرٍ لِسَبْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فَمَلَكَتْنِي عَيْنَاي فَشَبَحَ لِي رَسُولُ الله، فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ ؛ مَاذَا لَقِيتُ مِنْ أُمَّتِكَ مِنَ الاْوْدِ وَ اللَّدَدِ ! فَقَالَ: ادْعُ عليهِمْ، فَقُلْتُ: اللَهُمَّ ؛ أَبْدِلْ لِي بِهِمْ مَنْ هُوَ خَيْرٌ لِي، وَ أَبْدِلْ لَهُمْ بي مَنْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ مِنِّي. فَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ علي عليهِمَا السَّلامُ وَ جَاءَ ابنُ أبِي النَّبّاحِ فَآذَنَهُ بِالصَّلاةِ، فَخَرَجَ وَخَرَجْتُ خَلْفَهُ، فَاعْتَوَرَهُ رَجُلاَنِ، فَأَمّا أَحَدُهُما فَوَقَعَتْ ضَرْبَتُهُ فِي الطّاقِ، وَ أَمَّا الآخَرُ أَثبَتَها فِي الرَّأسِ. [13]
و جاء في بعض الروايات أنّ هذه الرۆيا الّتي قصّها أميرالمۆمنين عليه السلام علي الإمام الحسن عليه السلام رآها الإمام في آخر ليلة من عمره الشريف. و قال بعد ذلك: قال رسول الله بعد دعائي: يا علي ؛ دعاۆك مستجاب. و أنت ضيفنا بعد ثلاث ليال. أي حسن: مضت علي تلك الرۆيا ليلتان، و هذه هي الليلة الاخيرة.
المصادر:
[1] ـ ورد كلام للإمام أميرالمۆمنين عليه السلام في «نهج البلاغة» حول علم الغيب مثل قوله: إِنَّكَ تَري ما أرَي و... و... لوْ شِئتُ لاَخْبَرتُ كُلَّ واحِدٍ مِنكُمْ... وَلَكِنْ أَخَافُ أَن تَكْفُروا فِيَّ بِرَسُولِ اللهِ.
[2] ـ «اُسد الغابة» ج 4، ص 35.
[3] «اُسد الغابة» ج 4، ص 35.
[4] ـ «أُسد الغابة» ج 4، ص 36، و وردت بعض العبارات المذكورة أيضاً في مكانين من «الصواعق المحرقة» ص 80.
[5] نفس المصدر.
[6] ـ «الصواعق المحرقة»، ص 80.
[7] ـ جاء في عبارة الإمام: ليأخذنّك العتلّ الزنيم دعيّ بني أُميّة. و الدعيّ هو الابن المتبنّي، أو المتّهم في نسبه.
[8] ـ الاية 23، من السورة 33: الاحزاب.
[9] ـ «الصواعق المحرقة» ص 80، و «نور الابصار» للشبلنجيّ ص 97.
[10] ـ يستحمله يعني يسأل الإمام أن يحمله علي فرسه. و الشاهد علي هذا المعني رواية واردة في طبقات ابن سعد. يقول المرحوم المجلسيّ في ج 9، من «بحار الانوار» ص 647: و ذكر ابن سعد في «الطبقات» أنّ أميرالمۆمنين عليه السلام، لما جاء ابن ملجم ï ïوطلب منه البيعة، طلب منه فرساً أشقر فحمله عليه فركبه، فأنشد أميرالمۆمنين عليهالسلام: أُريدُ حياته ـ البيت.
[11] ـ ذكر ابن الاثير في «النهاية» عذيرك من خليلك من مراد و قال: عذير بمعني اسم الفاعل، أي: عاذر. و يقال: عاذر لمن يقبل العذر. و «عذيرَك» منصوب بفعل مقدّر «أي هاك عذيرَك». و لذلك فلا فرق بين عذيرك و عذيري. و المراد من كاف الخطاب المتكلّم نفسه. و نسب هذا الشعر إلي أميرالمۆمنين عليه السلام نفسه، و ليس تمثّلاً. و جاء في بعض النسخ «حِباءه» بدلاً عن «حياته».
[12] ـ «الصواعق المحرقة» ص 80.
[13] ـ «غاية المرام» ص 573 الحديث الثامن. و ذكره ابن أبي الحديد في «شرح نهج البلاغة» ج 6، ص 121، ضمن شرح الخطبة 68. و عبارة أميرالمۆمنين عليه السلام في الخطبة 68 من «نهج البلاغة» هي كالا´تي: مَلَكَتْنِي عَيْني وَ أَنا جَالِسٌ فَسَنَحَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلّي اللهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ ! مَاذَا لَقِيتُ مِنْ أُمَّتِكَ مِنَ الاَودِ وَاللَّدَدِ ! فَقَالَ: ادْعُ عَلَيهِمْ فَقُلْتُ: أَبْدَلنِي اللهُ بِهِمْ خَيْراً مِنْهُمْ وَ أَبْدَلهُمْ بِي شَرّاً لَهُمْ مِنِّي. و ذكر ابن أبي الحديد ضمن هذه الخطبة في شرحه ج 6، من ص 113 إلي ص 126 سبب استشهاد الإمام و كل الوقائع و الاخبار و الوصيّة و المدفن و سائر ما يتعلّق به.
أن الله اختار النبيّ وعلياً (عليهما السلام)