القيادة السياسية وأثر السلوك
يجهل أو يتجاهل معظم القادة السياسيين، التأثير الذي يتركه القائد في شعبه أثر سلوكه العام والخاص، ودور هذا السلوك في التأثير بالشعب سلباً أو نحو الأفضل، ولهذا تتسم أفكار وأفعال القادة لاسيما في الدول الإسلامية والعربية بحالة من اللامبالاة إزاء التأثير في الشعب.
في حين كل التجارب والأدلة تۆكد التأثير البالغ للسياسي في شعبه، ونحن هنا نتساءل لماذا لا يريد قادة اليوم أن يفهموا ويتعلّموا كونهم قدوات لشعوبهم في الكلام والفكر والسلوك أيضاً، خاصة ان تاريخنا الإسلامي يحفل بشخصيات سياسية قيادية بنيت على أيديها وحكمتها أقوى دولة في العالم ابان صدر الرسالة النبوية الشريفة.
القائد النموذج
أثبتت التجارب من دون أدنى شكّ، بأن القائد في أي مجال من مجالات الحياة يعتبر النموذج المفضّل لرعيته أو لمن هم دونه في المسۆوليات وفي المركز الاجتماعي وغيره، فالمعلّم وهو قائد التلاميذ نحو العلم يعتبر نموذج هۆلاء التلاميذ في كل شيء، بمعنى ان سلوكه وأقواله ستۆثّر عليهم سواء نحو الأفضل أو الأسوá كذلك الحال بالنسبة لرجل الدين الذي سيكون محط أنظار الآخرين الذين يتوجهون إليه بطلب المشورة والسداد في الدين ومجالات الحياة الاخرى.
لذا فسلوك وأقوال رجل الدين لابد أن تكون مرآة الناس التي يرون فيها أعمالهم وأفعالهم، لا سيما الخاطئة منها إذ سيصحّحونها استناداً إلى الأفعال والأقوال الصادقة لرجل الدين، ولعل القائد السياسي لايُستثنى من هذه القاعدة التي تنطبق على جميع القادة وفي جميع مجالات الحياة كما ذكرنا، لذلك ستكون حياته الشخصية محطّ مراقبة الشعب حيث سيتأثّر به الآخرون من رعيته فيقومون بذات الأعمال التي يقوم بها أو يفضّلها على غيرها، بمعنى ان الدور الذي يُناط بالقائد السياسي لا ينحصر بإدارة البلاد سياسياً بل أخلاقياً أيضاً، أو بمعنى أصح أن شخصية القائد وسياسة السلوك العامة التي تبدر منه ستكون ذات تأثير على شعبه، من هنا تأتي أهمية سياسة الشخصية القائدة كونها غالباً ما تكون تحت مجهر أنظار الناس، فأما أن تقدّم لهم النموذج الذي يستحق أن يُحتذى به، أو العكس، حيث يقدّم لنا التأريخ تجارب واسعة ودقيقة في هذا المجال سواء من حياة المسلمين السياسية أو في الاُمم الاُخرى.
أعمال القائد دروس للشعب
هكذا ينبغي أن ينطر القائد إلى أعماله وأقواله ومدى تأثيرها في الشعب، إذ تكمن في هذه النقطة تحديداً أهمية سياسة شخصية القائد وطريقته في الحياة سواء على المستوى العام أم العائلي, وسواء على مستوى المسۆولية الرسمية أو الشخصية، حيث يكون الفنار الذي يسطع ويضيء أمام الجمع أو ينبغي أن يكون كذلك، فما بالك إذا كان هذا الفنار خافتاً؟!! أو ان ضوءه شحيحاً لا يرشد الآخرين إلى سبل الصواب كما حدّثنا التأريخ عن ثلّة من الحكّام الطغاة وسفاكي دماء الشعوب وآكلي ثروات الشعب والأيتام والأرامل, أو من عامة الناس لاسيما الفقراء منهم ؟!
كل التجارب والأدلة تۆكد التأثير البالغ للسياسي في شعبه، ونحن هنا نتساءل لماذا لا يريد قادة اليوم أن يفهموا ويتعلّموا كونهم قدوات لشعوبهم في الكلام والفكر والسلوك أيضاً، خاصة ان تاريخنا الإسلامي يحفل بشخصيات سياسية قيادية بنيت على أيديها وحكمتها أقوى دولة في العالم ابان صدر الرسالة النبوية الشريفة.
إن المشكلة العصيبة التي تواجه ساسة اليوم لا سيما القادة منهم (في العالم الإسلامي/ والعراق) هي عدم قدرتهم على تحقيق المساواة في توزيع الثروات العامة التي هي ملك لكل فرد من أفراد الاُمة، ويحصل ذلك بسبب دناءة النفس حيث يكتنز القائد أقصى ما يستطيع من هذه الثروات له ولعائلته وبطانته ومن يسنده من المسۆولين وغيرهم، في وقت يتضوّر ملايين الناس جوعاً وقهراً وحرماناً، وقد ذكر لنا سماحة المرجع الشيرازي بعض شواهد التاريخ المشرقة في هذا المجال، حيث تأبى نفس القائد الإسلامي, أشدّ الإباء, بالتطاول على المال العام، وجاء في سيرة أمير المۆمنين عليّ عليه السلام أنّه كان يقسّم الأموال، ولا يأخذ لنفسه منها شيئاً في حين أنه كان بحاجة إليها). وهكذا يجب أن يكون القائد الإسلامي.
وهكذا نرى ان الإمام علي سلام الله عليه وهو القائد الأعلى لاُمة الإسلام يتصرّف بهذا الإباء العالي وهذه الحكمة التي تنم عن سمو روحي وأخلاقي عظيم، فكيف تنظر إليه رعيته؟ بل كيف ينظر إليه المسۆولون الآخرون في قيادة الدولة، إنهم حتماً سيحاولون محاكاته في هذا السلوك الذي يساوي بين الجميع ويحفظ حقوق الغني والفقير والقوي والضعيف بمستوىً واحد.
تقديم الهدايا للمسۆولين
مما يُعدّ كظاهرة في عالم اليوم هو إسلوب تقديم الهدايا للمسۆولين من قادة أو قضاة أو أصحاب نفوذ ومراكز مۆثّرة وغيرهم، ولعل المۆسف في هذا الجانب ليس قبول الهدايا فقط من قبل هۆلاء المتنفذين، بل بالمطالبة بها علناً أو كشرط لتسهيل هذا الأمر, أو ذاك لهذا الفرد, أو ذاك, ممن يشتركون في جريمة (الرشا) على شكل هدايا ضخمة مقابل خدمات مصلحية ضخمة أيضاً، ولذا كان التأكيد شديداً في الأحاديث الشريفة على تحاشي الحكّام والقضاة ومن بيدهم الحول والطول، والحل والعقد، من قبول الهدايا. قطعاً لهذه الجذور التي تدع المجتمع غير آمن من الظلم والحيف والإجحاف).
فحريّ بمن يتصدّر دفّة الحكم الآن في عموم البلاد الإسلامية لاسيما في العراق، حيث تستشري ظواهر الظلم والتجاوز على المال العام بما لا يقبل اللبس، حري بهم أن يقتدوا بالعلامات المضيئة في التاريخ الإسلامي، متمثّلة بأولئك القادة العظام الذين ترفَّعت نفوسهم العظيمة على السحت والصغائر والظلم وقدّموا لنا جميعاً أمثلة خالدة في حسن القيادة وضبط سياسة الشخصية للقائد بما يجعلها المثال الأروع والخالد ليس لنا فحسب بل للعالم الإنساني أجمع في إحقاق الحقّ وفرض العدالة والمساوة وردع النفس والغير من الأهل والحاشية وما شابه عن التجاوز على حقوق عامة الناس.
اعداد و تقديم: سيد مرتضي محمدي
كيفية بناء الأوطان على أساس الثقافة الإسلاميّة
مصالح السوق و انهيار القيم
الدولة العادلة هي حق انساني
الطاغوت السياسي واستغلال الدين