أُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ
تعتبر ولاية الأمر من الأمور الرئيسية والتي وضعها الله تعالى ضمن أهم الأولويات لضمان استمرار مسيرة الدين الإسلامي الحنيف دون أن تعصف به رياح التدليس عبر القياديين الذين يتولون أمر الأمة لما يتمتعون به من صبغة الاحترام والتقدير والتقديس التي يمنحها الناس لهم، لذلك فان الله تعالى لم يترك هذا الأمر المهم والمۆثر في تكوين الرأي العام فضلا عن تأثيره العقائدي دون أن يضع له قيودا وشروطا بل ويبين جميع تفصيلاته حتى لا يبقى مجال أو ثغرة لتحريفه وتغييره، وقد جاء ذلك في الكثير من الآيات القرآنية، ومنها: قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُۆْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) النساء/59.
وهذه الآية فيها تعدد الطاعة والولاية في خط مستقيم واحد إذ أن طاعة الله والرسول وأولي الأمر لا يمكن التفريق بينهما. فمن الواضح في هذه الآية فيها ثلاثة طاعات.
الطاعة الأولى: هي طاعة الله وهو الحكيم الخبير في عباده.
الطاعة الثانية: هي طاعة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، حيث قال عنه عز وجل: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) الأحزاب/21.
وقد استغل القرآن أربعة أساليب في التعبير عن طاعة الرسول .
1- أسلوب الجمع بين طاعة الله والرسول، قوله تعالى: (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّۆْمِنِينَ) الأنفال/1. (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) المجادلة/13.
2- أسلوب التأكيد على طاعة الرسول، قوله تعالى: (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) النور/13. (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ) محمد/33. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ) النساء/59.
3- أسلوب الاقتصار على طاعة الرسول، قوله تعالى: (أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) النور/56.
4- أسلوب إرجاع طاعة الرسول الى طاعة الله مثل قوله تعالى: (مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ) النساء/59.
الطاعة الثالثة :هي طاعة أولي الأمر منكم هۆلاء أولي الأمر أما أن يكونوا معرضين للخطأ والصواب وأما أن يكنوا مسددين من قبل الله تعالى وأنهم لا يرتكبون المعاصي مطلقا. فإذا قلنا أرسلنا بالاحتمال الأول فكيف بأمرنا الله تعالى باتباع من هو عرضة للخطأ وارتكاب المعاصي وهو يقول لنا في كتابه العزيز: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) الأحزاب/21.
إذ لابد أن يكون هۆلاء أولي الأمر هم الامتداد الطبيعي لخط الله تعالى ورسوله الكريم وإنهم لا يرتكبون المعاصي وان العصمة قائمة فيهم. فمن هم أولي الأمر الذين اوجب الله تعالى علينا طاعتهم؟ فعن صحيحة أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: (أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ) النساء/59.
فقال (عليه السلام): نزلت في علي بن أبي طالب والحسن والحسين . فقلت له: إن الناس يقولون فماله لم يسم عليا وأهل بيته في كتاب الله عز وجل؟ قال (عليه السلام): قولوا لهم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نزلت عليه الصلاة ولم يسم الله لهم ثلاثاً ولا أربعا حتى كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)هو الذي فسر لهم ذلك ونزلت عليه الزكاة ولم يسم لهم من كل أربعين درهما حتى كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)هو الذي فسر لهم ذلك ونزل الحج فلم يقل لهم طوفوا سبعاً حتى كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)هو الذي فسر ذلك لهم (أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ) في علي والحسن والحسين فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من كنت مولاه فعلي مولاه وقال أوصيكم بكتاب الله وأهل بيتي فإن سألت الله عز وجل أن لا يفرق بينهما حتى يوردهما علي الحوض فأعطاني ذلك وقال لا تعلموهم فإنهم اعلم منكم وقال: إنهم لن يخرجوكم من باب هدى ولن يدخلوكم في باب ضلالة فلو سكت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)فلم يبين من أهل بيته لادعاها آل فلان وال فلان..(1)
وعن جابر بن يزيد الجحفي قال: سمعت جابر بن عبد الله الانصاري انه سأل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فمن اولوا الامر وأئمة المسلمين؟ فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): بعدي اولهم علي بن ابي طالب ثم الحسن والحسين ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي المعروف في التوراة بالباقر ستدركه يا جابر فاذا لقيته فاقرأه مني السلام، ثم الصادق جعفر بن محمد ثم موسى بن جعفر ثم علي بن موسى ثم محمد بن علي ثم علي بن محمد ثم الحسن بن علي ثم اسمي وكنيتي حجة الله في ارضه وبقيته في عباده ابن الحسن بن علي ذاك الذي يفتح الله تعالى ذكره على يديه مشارق الارض ومغاربها ذاك الذي يغيب عن شيعته واوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بامامته الا من امتحن الله قلبه للايمان قال جابر. قلت له: يا رسول الله فهل يقع لشيعته الانتفاع في غيبته ؟ فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): اي والذي بعثني بالنبوة انهم يستضيئون بنوره ويتفعون بولائه في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وان تجلاها سحاب يا جابر هذا من مكنون سر الله ومخزن علمه فاكتمه الا عن اهله.. (2)
المصادر:
1- غاية المرام، ج3، 265.
2- غاية المرام، ج10، ص267.
يكون لهذه الأمة إثنا عشر قيما
سر الحاجة الى الإمام المعصوم
الإمامة في القرآن