ربيع النفط الطائفى
من المشاهد البديهية أن تنتصر ديمقراطية ما لديمقراطية أخرى، أو أن تتضامن ديكتاتورية مع أختها في الرضاعة القمعية، ولكن يبدو أن عاصفة الربيع العربي التي أطاحت بعروش استبدادية شرسة قلبت في طريقها ديكور تلك المشاهد البديهية التي تعتبر من فلكلوريات الأداء السياسيّ، وأنتجت بدلا عنها مشاهد غرائبية تجسد أحدها في الخطاب السياسيّ المزدوج لدولة معروفة بصرامة لونها الطائفيّ القمعيّ وبقوة قبضتها الديكتاتورية السلالية العائلية المزمنة، إذ تدعو هذه الدولة إلى ترسيخ أوتاد الديمقراطية الخارجة من ماكنة ربيع العرب المفاجىء، في الوقت الذي تتسلح فيه بفتوى دينية تحرم التظاهر السلميّ على أرضها، وذلك بالتزامن مع تمسكها البدائيّ بمنع المرأة حتى من حق قيادة السيارة!!.
لا شك أن خطاب هذه الدولة الديكتاتورية المعروفة وشبيهاتها لا ينطلق إلا من رؤية أحادية تصر على أن تزن كل تفاعلات ومعطيات الربيع العربيّ بميزان الطوائف، وهذه الرؤية هي التي دفعت تلك الدولة (السعودية) إلى التعاطي المزودج مع ربيعي سوريا والبحرين.
الربيع العربيّ بكل طبعاته وتمظهراته وتحولاته يحتاج حتما إلى جرعات وشحنات دعم غير محدود، ولكن يجب أن يكون هذا الدعم بعيداً عن كل ما تنتجه مكائن الديكتاتوريات الطائفية في المنطقة، وذلك لأن أجندات تلك الديكتاتوريات لا يمكن لها أن تدعم الديمقراطيات الربيعية من دون أن تصدر لها شاحناتها المليئة ببراميل مشتقات نفطها الطائفيّ، تلك المشتقات المنتجة في معامل التاريخ الأحادي الذي لا يطيق وجود مختلفين اثنين يتنفسان الهواء ذاته!.
لا شك أن استثمار الربيع العربيّ في لعبة إذكاء الصراعات الإقليمية وتحويله إلى وقود لتشغيل المكائن الطائفية الفادحة في المنطقة، لا شك أن هذا الاستثمار سيحول رقعة شطرنج ذلك الربيع – بانتفاضاته الصغيرة والكبيرة وبديمقراطياته الناشئة والملتبسة – إلى رقعة ساخنة ستكون مفتوحة على العديد من الاحتمالات القابلة لاستيلاد منابر طائفية جديدة ووجوه ماضوية كثة وممثلي كهوف وأغوار لا هم لهم سوى التفكير بكيفية قص وتقليم ثياب الحريات الواسعة وتقريمها وتطويعها لكي تتناسب مع ثياب عقائدهم القصيرة، حتى لو كلف هذا الأمر تحويل كل بنى الدولة إلى إمارات سلفية بدائية، وتحويل ضفاف التعايش في المجتمعات إلى ثكنات وخنادق لا تتغذى ولا تعتاش إلاّ على إراقة دم المختلفين معها.
لا بد من القول بأن الربيع العربيّ بكل طبعاته وتمظهراته وتحولاته يحتاج حتما إلى جرعات وشحنات دعم غير محدود، ولكن يجب أن يكون هذا الدعم بعيداً عن كل ما تنتجه مكائن الديكتاتوريات الطائفية في المنطقة، وذلك لأن أجندات تلك الديكتاتوريات لا يمكن لها أن تدعم الديمقراطيات الربيعية من دون أن تصدر لها شاحناتها المليئة ببراميل مشتقات نفطها الطائفيّ، تلك المشتقات المنتجة في معامل التاريخ الأحادي الذي لا يطيق وجود مختلفين اثنين يتنفسان الهواء ذاته!.
لا يمكن لديكتاتورية طائفية ما أن تموّل ديمقراطية ما من دون أن تسهم مخرجات تلك الأخيرة بتدعيم سلطة الأولى، هذه حقيقة بديهية رأيناها ولا نزال نراها واضحة في شاشة الربيع العربي الكبيرة، إذ لم تقم بعض الأنظمة الديكتاتورية / الطائفية / الخليجية / النفطية بزيادة منسوب موج الربيع العربيّ في بعض الدول، إلاّ بسبب تيقنها من إن هذا المنسوب سيرفع من أرصدتها الطائفية في المنطقة، وبالتالي سيكون ظهيراً ستراتيجيا لحروب نفطها المذهبية الحالية والمقبلة ضد خصوم مذهبيين آخرين.
إن هذا الصِدام المذهبيّ/ النفطيّ الثقيل في المنطقة أدخل الربيع العربيّ الرحب إلى زقاق الطائفية الضيق، وزجّه في مزايدات ومراهنات أفقدته بريقه الذهبيّ الأول، بريقه الشعبيّ الذي لم يفكر عند اندلاعه بأجندات وحسابات سدنة النفط الطائفي وحروبهم الإقليمية الطويلة، بل فكّر فقط بصناعة حرية مفقودة ومشتهاة داخل جغرافيات محكومة ببنادق الديكتاتوريات المزمنة.
اعداد: سيد مرتضي محمدي