• عدد المراجعات :
  • 2144
  • 3/8/2012
  • تاريخ :

اللين والعفو في القران الكريم

آموزش

خاطب الله سبحانه نبيه الاَكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم قائلاً : ( فَبِما رَحمةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهم ولَو كُنتَ فَظَّاً غَليظَ القلب لانفضُّوا مِن حَولِكَ فاعفُ عَنهُم واستَغفِر لَهم وشَاوِرهُم في الاَمرِ فإذا عَزَمتَ فَتَوكَّل على اللهِ ) (آل عمران 159).

اللين في المعاملة : الرفق : أي أنّ لينك لهم مما يوجب دخولهم في الدين ، لاَنك تأتيهم مع سماحة أخلاقك وكرم سجيتك بالحجج والبراهين (1).

فلولا هذا الرفق الذي اعتمده الرسول مع من أُرسل اليهم لما تمكن من استقطاب الناس حول رسالته ، إذ إن الفضاضة والغلظة المناقضة للرفق واللين إذا ما اعتُمدت خياراً منهجياً في التبليغ والدعوة إلى الحق فإنَّ مردودها سيكون عكسياً ، لا يثمر استقطاب الناس حول ذلك الحق وإن كان أبلجاً . بل على العكس من ذلك ، سيعمل على التنفير وانفضاض الناس من ساحة ذلك القطب الهادي والمنار الواضح . فالناس في حاجة إلى كنف رحيم ، وإلى رعاية فائقة ، وإلى بشاشة سمحة ، وإلى ودٍّ يسعهم، وحلم لا يضيق بجهلهم وضعفهم ونقصهم.. في حاجة إلى قلبٍ كبير يعطيهم ولا يحتاج منهم إلى عطاء ، ويحمل همومهم ولا يعنّيهم بهمّه ، ويجدون عنده دائماً الاهتمام والرعاية والعطف والسماحة والودّ والرضا .

وتعميقاً لروح الرفق واللين التي يريدها الله جل شأنه في الدعوة إلى الحق ، جاء التأكيد في نفس تلك الآية المباركة على ما يجسد حالة الرفق واللين العملي بين يدي المؤمنين ، في جملة مكارم الاَخلاق التي اهتم الاِسلام بتحقيقها على النحو الاَكمل وإشاعتها بين الناس ، فهي تأمر بالعفو لمن يُسيء والغفران لمن يخطىء ، ليتجلى الرفق ويتمظهر اللين في حركة التغيير والاصلاح على منهجية المبلغ الرسالي ( فَاعفُ عَنهم وَاستَغفِر لَهم).

ولمزيد من الرفق أمرت هذه الآية الرسول الاَعظم صلى الله عليه وآله وسلم ـ ومن يقتدي به من باب أولى ـ أن يشاور أُولئك الذين صدر عنهم الفرار من الزحف وتركوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الميدان مع نفرٍ قلائل من أصحابه ، فقال عزَّوجل ( وَشَاوِرهُم في الاَمرِ ) وبعد ذلك يُمضي ما يراه الاَصوب في ذلك ( فَإذا عَزمتَ فَتَوكَّل على اللهِ ) والآية اذن تضرب على وتر الرفق بكلِّ أبعاده ليُنشد أنغامه القدسية في هذه الحياة ، وليصنع الاَثر الذي يريده الله تعالى في درب التكامل البشري من خلال رسالته السامية .

ويحضى الاَمر باللين والرفق والرحمة في هذا الموضع بالذات بوقع خاص يجلّي أهميّة هذه القيم على نحو قد يُظهره موضع آخر.. إذ جاء ذلك على أثر مخالفة المسلمين أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم أُحد ، تلك المخالفة التي أدّت إلى أسوء النتائج إذ دهمهم العدو ، فلم يجدوا في أنفسهم ثباتاً ، فانقلبوا منهزمين يلوذون بالجبل ، وتركوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع نفرٍ يسير من أصحابه ، حتى أثخنته الجراح وكُسرت رباعيته وشُجّ وجهه ، وهو صامد يدعوهم فلم يفيئوا إليه حتى انكشف العدو ، فلمّا رجعوا لم يعنّفهم ولم يُسمعهم كلمة ملامة ولا ذكّرهم بأمره الذي خالفوه فتحمّلوا بخلافهم مسؤولية كلّ ما وقع.. «بل رحّب بهم وكأن شيئاً لم يكن ، وكلّمهم برفق ولين ، وما هذا الرفق واللين إلاّ رحمة من الله بنبيّه وعون له على رباطة الجأش.. وإذا مدح الله نبيّه بكظم الغيض والرفق بأصحابه على اساءتهم له، فبالاَولى أن يعفو الله ويصفح عن عباده المسيئين.. ثمّ بيّن سبحانه الحكمة من لين جانب نبيّه الكريم صلى الله عليه وآله وسلم بخطابه له : ( وَلو كُنتَ فَظَّاً غَليظَ القَلبِ لانفضُّوا مِن حَولِك ) وشمت العدوّ بك وطمع فيك ولم يتمّ أمرك وتنتشر رسالتك..

إنّ المقصود من بعثة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هداية الخلق إلى الحق ، وهم لا يستمعون إلاّ إلى قلب رحيم كبير كقلب محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذي وسع الناس ، كلّ الناس ، وما ضاق بجهل جاهل أو ضعف ضعيف» (2).

 

اعداد وتقديم: سيد مرتضى محمدي

القسم العربي – تبيان

المصادر:

(1) مجمع البيان 2 : 869

(2) التفسير الكاشف 2 : 188


اللين مطلوب حتى مع الأعداء

دعوة اللاعنف في القرآن

قيمة التسامح الديني

هل يجوز العفو عن المُسيء؟

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)