علاقة العدل الإلهي بمسألة الحسن والقبح العقليين
إن من ثمرات التحسين والتقبيح العقليين إثبات عدله تعالى في أفعاله وأحكامه؛ إذ أن مقتضاهما هو أن العقل بما هو، يدرك أن هذا الفعل بما هو هو من دون اختصاص ظرف من الظروف أو قيد من القيود حسن أو قبيح، والمأخوذ في موضوع هذا الحكم العقلي ليس إلا الفاعل العاقل المختار، من غير فرق بين الواجب والممكن.
وعلى ذلك فالله سبحانه عادل ومنزه من الظلم؛ لأن القيام بالعدل حسن وتركه كارتكاب الظلم قبيح، والله سبحانه حكيم لا يرتكب القبيح كما هو مقتضى القول بالتحسين والتقبيح العقليين.
وحتى تتضح هذه المسألة بشكل أكثر لابد من التعرض لنقطتين أساسيتين:
الأولى: إن العقل له القابلية على تمييز الحسن عن القبح، وأن التحسين والتقبيح من الأمور المنوطة بقضاء العقل.
الثانية: إذا تبين أن العدل حسن والظلم قبيح فالله سبحانه موصوف بالعدل؛ لأنه حسن، نزيه عن فعل الظلم؛ لأنه قبيح، وسنتعرض لكلا النقطتين بالبحث على ما يقتضيه المقام:
النقطة الأولى:
قابلية العقل على تمييز الحسن عن القبح.
يدل على هذه الدعوى أمور:
الأول: التحسين والتقبيح من الأمور البديهية
إن التحسين والتقبيح من الأمور البديهية التي يدركها كل إنسان سليم الفطرة، فمثلاً يدرك أن العمل بالميثاق حسن، والتخلف عنه قبيح، أو أن جزاء الإحسان بالإحسان جميل، وجزاءه بالسيئ قبيح، وهكذا الحال في سائر الأفعال التي توصف بالحسن والقبح.
وموضوع قضاء العقل بالحسن والقبح هو نفس الفعل بما هو هو، سواء أكان الفاعل واجباً أم ممكناً، خالقاً أم مخلوقاً، فيوصف الفعل من أي فاعل صدر بأحد الوصفين.
الثاني: إنكار إدراك العقل يلازم النفي مطلقاً
لقد أنكرت الأشاعرة قابلية إدراك العقل حسن الأفعال وقبحها، وذهبوا إلى أن القضاء بالتحسين والتقبيح بيد الشرع، فكل ما أخبر بحسنه فهو حسن، وما أخبر بقبحه فهو قبيح، ولكنهم غفلوا عن أنهم بإنكارهم قابلية العقل لإدراك الحسن والقبح، أثبتوا عدم ثبوت الحسن والقبح مطلقاً حتى مع تصريح الشرں وذلك لأنه إذا كان تمييز الحسن عن القبيح بيد الشرع دون العقل فإذا أخبر النبي بحسن شئ وقبحه، فمن أين نعلم أنه يصدق في أخباره ولا يكذب، والمفروض أن العقل عاجز عن درك حسن الأول وقبح الثاني؟ فلا يصح إثبات حسن شئ أو قبحه من خلال تصريح الشارع، إلا أن يثبت قبلاً أن الصدق حسن والكذب قبيح، ويثبت أنه سبحانه نزيه عن فعل القبيح، ولولا هذان الأمران لذهب الإخبار بحسن الشئ أو قبحه سدى.
الثالث: لولا التحسين العقلي لما ثبتت شريعة
لو لم نقل بالتحسين والتقبيح العقليين يلزم عدم ثبوت شريعة من الشرائع السماوية، حتى تثبت بها شريعة تحكم بحسن شئ أو قبحه؛ وذلك لأن القائل بالتحسين والتقبيح العقليين، يعتقد بإن حكمته سبحانه تصده عن تزويد الكاذب بالمعجزة، فلو ادعى رجل النبوة من الله وأتى بمعجزة عجز الناس عن مباراته، فهي دليل على صدقه في دعوته. وأما إذا أنكرنا قدرة العقل واستطاعته على درك الحسن والقبح، لكان باب احتمال تزويد الكاذب بالمعجزة مفتوحاً على مصراعيه، وليس هنا دليل يرد هذا الاحتمال فلا يحصل يقين بصدق دعواه.
النقطة الثانية:
الله سبحانه منزه عن فعل الظلم
بعدما تبين أن العدل حسن، والظلم قبيح، فالله سبحانه موصوف بالعدل ومنزه عن الظلم، وذلك مضافاً إلى أنه سبحانه حكيم، والحكيم يعدل ولا يجور؛ لأن الجور رهن أحد أمرين، إما الجهل بقبح العمل، أو الحاجة إليه، والمفروض انتفاء كلا المبدأين عنه سبحانه.
وربما يقال إن كون الشيء حسناً أو قبيحاً عند الإنسان لا يلازم كونه كذلك عند الله، فكيف يمكن استكشاف أنه سبحانه لا يفعل القبيح؟
والجواب عنه واضح؛ لأن المدرك للعقل هو حسن الفعل على وجه الإطلاق، أو قبحه كذلك، من دون أن تكون للفاعل مدخلية فيه سوى كونه فاعلاً مختاراً، وأما كونه واجباً أو ممكناً فليس بمؤثر في قضاء العقل، وعلى ذلك فإذا ثبت كون الشئ جميلاً أو قبيحاً فهو عند الجميع كذلك.
ما معنى الامر بين الامرين
ما يترتب على البداء في مقام الاثبات
حقيقة البداء في ضوء الكتاب والسُّنة
في العدل والتكليف والقضاء والقدر