ساعة الصفر و اختيار الطريق
"وَ الَّذينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أو ظَلَمُوا أنْفُسَهُمْ ذَکَرُوا اللهَ فَاستَغفَرُوا لِذُنُوبِهِم وَ مَن يَغفِرُ الذُّنُوبَ إلاَّ اللهُ"(سورة ال عمران135)
عن الامام الكاظم (عليه السلام)عن أبيه عن آبائه عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : إنما شفاعتي لاهل الكبائر من امتي فأما المحسنون فما عليهم من سبيل ، قيل : يا بن رسول الله كيف تكون الشفاعة لاهل الكبائر والله تعالى يقول : ولا يشفعون إلا لمن إرتضى ومن إرتكب الكبيرة لا يكون مرتضى ؟ فقال ( عليه السلام ) : ما من مؤمن يرتكب ذنبا إلا سائه ذلك وندم عليه ، وقال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : كفي بالندم توبه ،
وقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من سرته حسنة وسائته سيئة فهو مؤمن
فمن لم يندم على ذنب يرتكبه فليس بمؤمن ولم تجب له الشفاعة وكان ظالما والله تعالى ذكره يقول : ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع ، فقيل له : يا بن رسول الله وكيف لا يكون مؤمنا من لا يندم على ذنب يرتكبه فقال : ما من أحد يرتكب كبيرة من المعاصي وهو يعلم أن سيعاقب عليه إلا ندم على ما ارتكب ، ومتى ندم كان تائبا مستحقا للشفاعة ، ومتى لم يندم عليها كان مصرا والمصر لا يغفر له ، لانه غير مؤمن بعقوبة ما ارتكب ، ولو كان مؤمنا بالعقوبة لندم وقد قال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الاصرار ، وأما قول الله عزوجل : ولا يشفعون الا لمن ارتضى فإنهم لا يشفعون إلا لمن ارتضى الله دينه ، والدين الاقرار بالجزاء على الحسنات والسيئات ، فمن ارتضى دينه ندم على ما ارتكبه من الذنوب لمعرفته بعاقبته في القيامة.
الدقائق الاخيرة
ان لتضييع فرصة التوبة، لايوجد مخرج آخر، لان الله سبحانه وتعالى جعل شرط قبول التوبة ان تكون في وقتها وهو في حياة الانسان لا بعد ان يقدم عليه ملك الموت ويرى امامه منكر ونكير، واهوال القبر وظلمته، بل عليه الاسراع الى التوبة واللجوء الى الله وحصول المغفرة يقول تبارك وتعالى: "إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ""وَ لَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَ لاَ الَّذينَ يَمُوتُونَ وَ هُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَليماً" (سورة النساء 1718-).
في فاجعة كربلاء ونكبة عاشوراء، أنّ ضمائر ماتت، فانحاز بعضها الى الباطل، وبعضها نكث وغدر أو قسط ومرق، وبعضها انزوى واعتزل ينجو بنفسه من الموت الذي لا بدّ منه ليقع في الهلاك الابدي، والعذاب الخالد السرمدي، فأن ملحمة الطف كانت وراءها ضمائر حية، وضمائر ابّية، بعضها كانت يقظا ً بصيرا ً من اول الطريق، وبعضها الاخر صحا وتيقظ في دقائق الاخيرة فأسرع الى جبهة الحق والنور والهداية وهؤلاء واولئك، كلهم نهضوا بهمّة الغيرة، وروحية الفداء والتضحية.
وعبيد الله بن الحرّ الجعفي مثال من الضمائر الميتة ،رجل دعاه الحسين عليه السلام لنصرته، لكن الحظّ لم يحالفه في مرافقة قافلة الحسين، واعتذر عن نصرة الإمام، رأى الإمام خيمته في منزل قصر مقاتل، فبعث إليه الحجّاج بن مسروق يدعوه للالتحاق بمعسكره عليه السلام ومناصرته. فاعتذر أنه خرج من الكوفة لكي لا يكون مع الحسين؛ لأنه لا نصير له في الكوفة.
نقلوا قوله إلى الحسين فسار إليه هو وجماعة وتحدّثوا معه عن أوضاع الكوفة، وطلب منه الإمام أن يغسل ذنوبه بماء التوبة ويسارع إلى نصرة أهل البيت. فأبى ذلك ولكنه عرض أن يُعطي الإمام فرساً مسرجاً وسيفاً بتاراً، فقال له الإمام الحسين عليه السلام: "يا ابن الحر، ما جئناك لفرسك وسيفك، وإنّما أتيناك لنسألك النصرة، فإن كنت بخلت علينا بنفسك فلا حاجة لنا في شيء من مالك، ولم أكن بالذي اتّخذ المضلين عضداً؛ لأنّي قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يقول: من سمع داعية أهل بيتي ولم ينصرهم على حقّهم إلاّ أكبّه الله على وجهه في النار"( 1)، ثم خرج الحسين وعاد إلى خيمته.
و بعد واقعة كربلاء ندم أشد الندم على تفريطه في نصرة الإمام، ولام نفسه في أبيات مطلعها: "فيا لك حسرة ما دمت حيّاً . . . "( 2).
و كان عمر بن قيس ممن دعاهم الإمام عليه السلام في هذا المنزل إلى نصرته أيضاً، فتقاعس ولم يستجب لنداء النصرة، أن نداء الإمام لمناصرته يوجب التكليف على الناس، وكل من يسمع نداء: هل من ناصر؟ ولا يستجب، فهو من أهل النار، ونداء النصرة هذا قائم على مر التاريخ؛ فكلّ يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء، والسعادة هي التضحية بالنفس والمال في سبيل الدين، وفي ظل قائد إلهي، وليس هناك أشقى ممن يسمع نداء الإمام المعصوم فلا يستجيب له، ويبخل بالتضحية في سبيل الله بنفسه التي هي أمانة الله عنده.
وفي المقابل من الضمائر الحية و الابية التي تيقظت في دقائق الاخيرة ،الحر بن يزيد الرياحي الذي تاب قبل نشوب المعركة، ولحق بمعسكر الحسين، وقاتل وقتل معه (3) ، توحي لهجة بعض كتب المقتل بأن الحر كان متعاطفا مع الثورة منذ لقي الحسين (4) ، ونحن نشك في ذلك، ونرجح أن هذه اللهجة نتيجة لتأثر كتاب المقتل بالموقف النفسي الذي تولد نتيجة لتحول الحر في النهاية إلى جانب الثورة.
ان الله تبارك وتعالى يقبل التوبة من العبد في اي وقت كان، ولكن،.! بشرط ان يكون قبل الموت، وقبل ان تضيع الفرصة والنبي الاكرم عندما ذكر محطات زمنية مختلفة وجزم بتوبة الله على العبد قبل سنة او شهر او يوم او قبل ان يعاين؛ انما لان الانسان لا يعلم ساعة موته ورحيله عن الدنيا، وعليه ان يعيش التوبة في كل زمان قبل ان يدركه الموت لكي يغفر له الله تبارك وتعالى ذنوبه وتشمله رحمته الواسعة.
المصادر:
1- الفتوح لابن أعثم الكوفي 84:5، موسوعة كلمات الإمام الحسين عليه السلام:365
2- حياة الإمام الحسين 363:3، نقلاً عن مقتل الخوارزمي
3 -الطبري: 5 / 427
4- اللهوف في قتلى الطفوف ص: 32، ومثير الأحزان
كيف ما قبلته كأخيه الحسن ؟
تسابق الحسنين
إحياء الموتى بدعائه عليه السلام
قيام رسول الله صلي الله عليه واله وسلم لسقايته عليه السلام