جولة في افكار الرجل المبارك جمال الدين الأسد آبادي
إن رجلاً يحيا حياة حافلة بالعطاء ويبقى عطاؤه مثمراً بعد رحيله هو بلا شك رجل مبارك، والسيد جمال الدين الأسد آبادي مصداق شاخص لذلك، وهو الذي تعددت جوانب شخصيته الفذة وأبعادها المعطاءة.
وقد تميز السيد جمال الدين بمنهج فكري خاص به، ولعل نظرة متأنية في حياته الحافلة بألوان الإصلاح والتنوير، وإحياء الفكر الإسلامي تقدم لنا الكثير من سمات منهجه العلمي ونضاله السياسي وفكره الإسلامي الخلاّق.
فجمال الدين عاش وجاهد مصلحاً في عصر اقتحمت فيه المادية العلمانية حصوننا، وكثر المنبهرون فيه بأنوار المادية الغربية، واشتد التصدي خلاله للفكر الاسلامي في ديار الإسلام.
بعض أفكار السيد جمال الدين وأبعاده المتعددة الجوانب، والتي ينبغي أن يدرس كل جانب منها دراسة مستقلة وافية:
1ـ التمسك بمبادئ الاسلام والحرص على تحقيق الوحدة الإسلامية.
2- الكفاح لتحرير الشعوب الإسلامية.
3- التأكيد على الدعوة والتبليغ تحقيقاً لليقظة الإسلامية.
4- محاربة الالحاد وأعداء الإسلام.
5- الاهتمام بشؤون الأمة الإسلامية.
6- التركيز على الجهاد كفريضة إسلامية.
7- تقويم المفاهيم الإسلامية والاشادة بجوهر الإسلام.
8- إعادة الثقة بالثقافة الإسلامية وأهدافها المقدسة.
9- دعوة الشباب الى الالتزام بقيمهم الدينية.
10- تحذير المسلمين من الغزو الفكري الذي يتسرب الى العالم الإسلامي جراء غفلة المسلمين.
11- إماطة اللثام عن مقاصد المستعمرين وكشف أعداء الإسلام.
12- تعبئة المسلمين وإعدادهم روحياً وإثارة عواطفهم الدينية ضد المستعمر.
13- الدعوة الى تظافر الجهود لإحياء العالم الاسلامي وتثبيت أركانه ونبذ عوامل الفرقة والشتات.
14- حث العلماء والمفكرين على الوقوف بوجه الاستعمار وهجماته الشرسة.
15- ضرورة طرح الإسلام فكراً يتصدى في ميادين السياسة والادارة.
16- توعية المسلمين بأمور دينيهم ودعوتهم الى التمسك بمبادئه القومية واتباع تعاليمه الحكيمة.
17- مقارعة المادية العلمانية والمادية الغربية.
أما عن الوحدة الإسلامية وضرورة اتحاد المسلمين
فلعل أبرز مايمكن الإشارة إليه في فكر السيد بلورته مسألة الوحدة الإسلامية ووجوب اتحاد المسلمين، حيث كانت من أهم الأفكار التي أوقف السيد حياته الفكرية عليها، وكان يعتقد بأن أخوّة المسلمين واتحادهم هما الوسيلة الناجحة والوحيدة للوقوف بوجه الاستعمار والانتصار على مؤامرات أعداء الإسلام والمسلمين على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم. وقد دعا السيد في أحاديثه وكتاباته ومحاضراته الى الوحدة الإسلامية أينما حلّ وارتحل وحينما تنقل من إيران الى افغانستان الى الهند الى مصر الى الآستانة الى الحجاز الى العراق الى روسيا وباريس ولندن.
فالاتحاد والوحدة الإسلامية محور تفكير السيد وهو الحل الأوحد لمشاكل المسلمين ومعاناتهم اجتماعية كانت أم سياسية، أو اقتصادية أو ثقافية، وعلى هذا المحور الاتحادي كتب وتكلم في كثير من الأوساط العلمية والصحف منذ حاول تبصير المسلمين بأمور دينهم الحق ودعوتهم الي التمسك بمبادئه القومية واتباع تعاليمه الحكيمة. وكان يؤكد على أن هذا التمسك ضروري لحياة الانسان ، لازم لسعادته في الدنيا والآخرة، كما كان يربط بين التاريخ والفقه الإسلامي ويأخذ من الفقه مايقوم دليلاً على التاريخ، ويناقش قضايا مازلنا نعتقد بضرورتها حتى اليوم كالاتحاد الإسلامي.
وفي مجال الجهاد والكفاح لتحرير الشعوب الإسلامية
لم يكن السيد يخشى خلال جهاده في سبيل الله لومة لائم، بل كان يواصل جهاده ونضاله ضد الاستعمار ويؤيد القضايا الإسلامية في خطبه وكلماته ومحضراته، حتى تكلّلت جهوده بالنجاح في كل من إيران بمصرع ناصر الدين شاه على يد الميرزا رضا الكرماني، وفي الهند على يد أبي الكلام آزاد وإقبال، وفي مصر على يد سعد زغلول. كما ترك بصماته واضحة على مجمل التحرك الإسلامي في كل من تركيا وأفغانستان.
وعن صموده أمام فلاسفة الغرب العلمانيين
أمثال فولتر [1] (Voltaire) ، وروسو [2]. (Rousseau) يقول: «… زعما أن الآداب الإلهية أوهام خرافية، كما زعما أن الأديان مخترعات أحدثها نقص العقل الانساني وجهر كلاهما بانكار الألوهية، ورفع كل عقيرته بالتشنيع على الأنبياء، فأخذت هذه الأباطيل مأخذها من نفوس الفرنسيين فنبذو الديانة العيسوية، وفتحوا على أنفسهم أبواب شريعة الطبيعة. ولقد بذل نابليون الأول جهده في أعادة الديانة المسيحية الى ذلك الشعب استدراكاً لشأنه، لكنه لم يستطع محو آثار تلك الأضاليل» [3].
وعن من يقلد الأجانب ويقبل عليهم
يوجه السيد أشد لومه للمتغربين المقلدين ويقول:
«فمتى طرق الأجانب أرضا لأية أمة، ترى هؤلاء المقلدين فيها أول من يقبلون عليهم ويعرضون أنفسهم لخدمتهم، كأنما هم منهم، ويعدون الغلبة الأجنبية في بلادهم أعظم بركة عليهم!… » [4].
ورداً على هؤلاء ودحضاً لفلسفتهم يؤكد السيد جمال الدين على:
1ـ ان الدين هو الضمانة الوحيدة لسعادة الإنسان.
2- ان الفكر الاسلامي الأصيل هو السبيل الوحيد الى إصلاح الثقافة، وتوعية أبناء الأمة، والنهوض بهم الى حيث الحق، وجعل أصول دينهم الحقة نصب أعينهم.
وبهذا يستغرب من أولئك الذين طرقوا كل الأبواب سوى طريق الاسلام ويقول:
« إن الأصول الدينية الحقة تنشئ للأمم قوة الاتحاد وائتلاف الشمل، وتفضيل الشرف على لذة الحياة وتدفعها نحو اقتناء الفضائل…»
ثم يواصل حديثه ويقول: «ودونك تاريخ الأمة العربية وماكانت عليه قبل الإسلام من الهمجية حتى جاءها الدين فوحّدها وقوّاها ونوّر عقلها وقوّم أخلاقها وسدّد أحكامها فسادت على العالم» ([5]).
هذه نبذة عن سمات أفكار السيد جمال الدين وغاياته السامية، ذلك الرجل العظيم الذي صيّرت منه مؤهلاته الفكرية والاجتماعية والسياسية سياسياً محنكاً وفيلسوفاً بارعاً ومفكراً فذاً،
حيث قال فيه أعرف الناس به وأقربهم إليه الشيخ محمد عبده:
«لو قلت: إن ما آتاه الله من قوة الذهن، وسعة العقل، ونفوذ البصيرة هو أقصى ماقدّر لغير الأنبياء لكنت غير مبالغ، فكأنه حقيقة كلية تجلت في كل ذهن بما يلائمه، أو قوة روحية قامت لكل نظر بشكل يشاكله. لقد اُتيت من لدنه حكمة أقلبُ بها القلوب وأعقل العقول.. وأعطاني حياة أشارك بها محمداً وابراهيم والأولياء والقديسين » [6].
فنسأل الله تعالى أن يجعلنا من المتمسكين بتعاليم ديننا، وأن يؤلف بين قلوبنا، ويوحّد لنصرة الحق صفوفنا، ويجمع شلمنا، ويبدل ضعفنا قوة، وتمزقنا وحدة ببركة الإسلام المنقذ العظيم، وأن يعيننا على تحمل مسؤولياتنا، ويأخذ بأيدينا لإنقاذ البشرية والسير بها نحو الإيمان والخير والفضيلة تحقيقاً لقوله تعالى: »كنتم خير أمة أخرجت للناس، تأمرون بالمعروف، وتنهون عن المنكر، وتؤمنون بالله…« [7].
الدكتور محمد حسن تبرائيان
المصادر:
[1] - فولتر (فرنسوا ماري أرواي) (1694 – 1778م) ، ولد في باريس، مؤلف فرنسي، تزعم حركة الفلسفة المادية وقاوم رجال السلطة الدينية والمدنية ونقدهم بقلمه اللاذع كتب في الشعر والتاريخ والمسرح والفلسفة وأجاد في أكثرها. من مؤلفاته: المحاورات الفلسفية.
[2] - روسو (جان جاك) 1712 - 1778م، ولد في جنيف، كاتب فرنسي، ، له تآليف فلسفية واجتماعية، نادى فيها بطيبة الانسان وبالعود الى الطبيعة، منها: »العقد الاجتماعي«..
[3] - جمال الدين الأفغاني، الأعمال الكاملة، تحقيق: محمد عمارة، ص 177، القاهرة، 1968م.
[4] - المصدر نفسه، ص 195 - 197.
[5] - جمال الدين الأفغاني، الأعمال الكاملة، تحقيق: محمد عمارة، ص 197 - 199.
[6] - الأعمال الكاملة للامام محمد عبده، تحقيق: محمد عمارة، ج 2، ص 226 – 245، القاهرة، 1992م.
[7] - سورة آل عمران، الآية 110.
حوار مع الباحث والمترجم عبد المحمد آيتي – 1
ميرزا تقي خان امير کبير
حافظ الشيرازي - الشاعر العارف
فارابي المعلم الثاني