الحاكم والقائد في المجتمعات الإسلامية هوالعالم الفقيه الورع الجامع للشرائط
يقول أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : العلماء حكّام على الناس[1].
وقال الإمام الحسين (عليه السلام) : مجاري الاُمور والأحكام على أيدي العلماء بالله الاُمناء على حلاله وحرامه[2].
وعن أبي خديجة ، قال : بعثني أبو عبد الله (عليه السلام) إلى أصحابنا ، فقال : قل لهم : إيّاكم إذا وقعت بينكم خصومة أو تداري في شيء من الأخذ والعطاء أن تحاكموا إلى أحد من هؤلاء الفسّاق ، اجعلوا بينكم رجلا قد عرف حلالنا وحرامنا ، فإنّي قد جعلته عليكم قاضياً ، وإيّاكم ان يخاصم بعضكم بعضاً إلى السلطان الجائر[3].
وعن عمر بن حنظلة ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دَين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان أو إلى القضاة ، أيحلّ ذلك ؟ قال : من تحاكم إليهم في حقّ أو باطل ، فإنّما تحاكم إلى الجبت والطاغوت المنهي عنه ، قلت : فكيف يصنعان وقد اختلفا ؟ قال : ينظران من كان منكم ، فمن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا ، فليرضيا به حكماً ، فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً ، فإذا حكم بحكم ولم يقبله منه ، فإنّما بحكم الله استخفّ وعلينا ردّ ، والرادّ علينا كالرادّ على الله ، وهو على حدّ من الشرك بالله[4].
لا يخفى ما في هذين الخبرين بعد صحّة السند ، فإنّه ما ذكر من باب ( وتلك الأمثال نضربها للناس لعلّهم يعقلون ) ، وإنّ المورد لا يخصّص ، وإذا كان في مثل دَين وميراث نهى الإمام (عليه السلام) أن يكون الحاكم فيهما من الطغاة والجبابرة ، ومن الفاسقين الذين لا يعرفون الحلال والحرام ، فكيف يسلّم مقاليد اُمور البلاد وزمام الحكومة وسياستها واقتصادها وعسكرها وثقافتها ، بيد من كان جاهلا وفاسقاً ؟ فإنّه بطريق أولى علينا أن نرجع في كلّ الاُمور إلى من كان يحذو حذو الأئمة الهداة المعصومين.
فالواجب علينا الرجوع إلى الأئمة الأطهار (عليهم السلام) ومن نصب من قبلهم ، وأن نعرف ونؤمن بالإمامة حقّاً.
ويقول الإمام الرضا (عليه السلام) في حديث طويل عن الإمامة : إنّ الإمامة زمام الدين ونظام المسلمين وصالح الدنيا وعزّ المؤمنين ، إنّ الإمامة اُسّ الإسلام النامي وفرعه السامي ، بالإمام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحجّ والجهاد وتوفير الفيء والصدقات وإمضاء الحدود والأحكام ومنع الثغور والأطراف ، الإمام يحلّ حلال الله ويحرّم حرام الله ، ويقيم حدود الله ، ويذبّ عن دين الله ، ويدعو إلى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة والحجّة البالغة ، الإمام أمين الله في خلقه وحجّته على عباده وخليفته في بلاده والداعي إلى الله والذابّ عن حرم الله ، الإمام المطهّر من الذنوب والمبرّأ من العيوب ، المخصوص بالعلم الموسوم بالحلم ، نظام الدين وعزّ المسلمين وغيظ المنافقين وبوار الكافرين ... مضطلع بالإمامة عالم بالسياسة مفروض الطاعة قائم بأمر الله عزّ وجلّ ناصح لعباد الله حافظ لدين الله[5].
ما أروع ما يقوله الإمام (عليه السلام) ، حقّاً إنّه كلام الإمام إمام الكلام ، فلو كان زمام المسلمين بيد مثل هذا القائد الإسلامي يجمع هذه الصفات ، فإنّ الدنيا تكون جنّة ، ويسود المجتمع الخير والسعادة والعدالة ، ويعيش الإنسان في طمأنينة ، وعيش رغيد ، وكرامة وبلوغ الكمال.
ثمّ ما أروع ما يقول أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في مواصفات القائد الإسلامي : وقد علمتم أ نّه لا ينبغي أن يكون الوالي على الفروج والدماء والمغانم والأحكام وإمامة المسلمين ، البخيل ، فتكون في أموالهم نهمته ، ولا الجاهل فيضلّهم بجهله ، ولا الجافي فيقطعهم بجفائه ، ولا الحائف للدول فيتّخذ قوماً دون قوم ، ولا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق ويقف بها دون المقاطع ، ولا المعطّل للسنّة فيهلك الاُمّة[6].
وهذا يعني أنّ الحكومة الإسلامية إنّما تكون بيد الوليّ الفقيه العادل الجامع للشرائط ، لا بأيدي أمثال رؤساء العرب المرتجعين في المنطقة في عصرنا الراهن ، فمن يجمع منهم هذه المواصفات ولو صفة واحدة فقط ؟ ! ! ما لكم كيف تحكمون ؟ ! !
روى الإمام الباقر (عليه السلام) عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، قال : لا تصلح الإمامة إلاّ لرجل فيه ثلاث خصال : ورع يحجزه عن معاصي الله ، وحلم يملك به غضبه ، وحسن الولاية على من يلي ، حتّى يكون لهم كالوالد الرحيم ، وفي رواية اُخرى : حتّى يكون للرعيّة كالأب الرحيم[7].
وما أروع ما قاله أمير المؤمنين في عهده لمالك الأشتر النخعي لمّـا كان والياً على مصر ، فراجع نهج البلاغة في ذلك حتّى تقف على ما يلزم القائد الإسلامي من الخصال والصفات ، وما يجب عليه في إدارة البلاد وسياستها.
يقول (عليه السلام) : إنّ الله تعالى فرض على أئمة الحقّ أن يقدّروا أنفسهم بضَعَفَة الناس كيلا يتبيّن بالفقير فقره[8].
وقال (عليه السلام) : ما أخذ الله على العلماء أن لا يقارّوا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم.
وقال الإمام الحسين (عليه السلام) : أمّا بعد ، فقد علمتم أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد قال في حياته : من رأى سلطاناً جائراً مستحلا لحُرم الله ناكثاً لعهد الله مخالفاً لسنّة رسول الله ، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان ، ثمّ لم يغيّر بقول ولا فعل ، كان حقيقاً على الله أن يدخله مدخله[9].
وهذا منطلق ثوري صارخ ، ومنطق حسيني حاسم ، لكلّ من يحسّ بالمسؤولية وأصبح قائداً إسلامياً ، ولو لمجموعة صغيرة ، فإنّهم مكلّفون بحنك وتدبير وسياسة ومعرفة الزمان والمكان أن يدكّوا عروش الطغاة وتدمّر بلاط الجبابرة ، وتقطع أيادي الاستعمار وأذنابهم اُولئك الملوك الخونة ورؤساء الجمهوريات العملاء ، فتتحرّر الاُمّة وتشقّ طريقها إلى حريّتها وعزّتها ومجدها الخالد الإسلامي العظيم.
اعداد وتقديم: سيد مرتضى محمدي
القسم العربي - تبيان
الهوامش
[1]غرر الحكم : 32.
[2]تحف العقول : 172.
[3]الوسائل 18 : 100.
[4]الاحتجاج 2 : 106.
[5]الكافي 1 : 198.
[6]نهج البلاغة : 407.
[7]الكافي 1 : 407.
[8]نهج البلاغة : 663.
[9]البحار 44 : 382.
دور الأمم المتحدة في صيانة حقوق الإنسان
حقوق الإنسان في نظام الجمهوريه الإسلاميه
انتهاک حقوق الإنسان في معسکر أشرف
الملف الأسود للغرب في مجال حقوق الإنسان