الدعاء مدرسة ومنبر
لقد بعث الله تعالى إلينا رسالته، ترى كيف نستجيب له، ونردُّ إلى ربِّنا الرحمن التحية؟.
نردُّها بالدعاء، فإنَّه منهج حديث العبد مع ربِّه عزَّ وجلَّ، كما أنَّ الوحي ذروة حديث الربِّ مع عباده.
والدعاء مخ العبادة، ولباب التواصل، وجوهر الصلاة. وكل دعاء حميد، إلاّ أنّ الله تعالى أنعم علينا بأن هدانا لتعلّم أدعية أوليائه، وبما أورثنا من أدعية النبيِّ وأهل بيته عليه وعليهم الصلاة والسلام. ويبدو أنَّها جميعاً أدعية تَوارثها عباد الله من الأنبياء، ومن ثم من الوحي الإلهي؛ أو لا أقل هي تجليِّات الوحي على أفئدة الهداة من عباد الله المقرَّبين، وانعكاسٌ لمعارف الوحي على قلوبهم الزكية وألسنتهم الصادقة؟
فالأدعية المأثورة إذاً هي الوجه الآخر للوحي، وهي ظلاله الوارفة، وأشعته المنيرة، وتفسيراته وتأويلاته.
وهكذا كانت الأدعية كنوز المعارف الربانية، وتلاد الحِكَم التي لاتنفذ، وفي طليعتها أدعية الصحيفة السجادية التي جُمعت من كلمات الإمام زين العابدين عليه السلام.
فإلى ماذا كان يهدف الإمام من تلك الأدعية؟.
لا ريب أنَّها كانت شعاعاً من قلبه المنير بالإيمان، وفيضاً من فؤاده المتـَّقد بحب الله، وكانت كلماتُها تتزاحم على شفاه رجل كاد يذوب في هيام ربِّهِ، ولم تكن تَكَلُّفاً منه.
بلى، قد حقــَّـقت أهدافاً عديدة، أبرزها تعليم عباد الله كيف يدعون ربَّهم العظيم، وكيف يتضرَّعون إليه، ويتحبَّبون إليه، ويلتمسون رضاه، ويتوافدون على أسمائه الحسنى؟ وكيف يطلبون منـه حوائجهم، وماذا يطلبون؟.
وهذا الهدف الرَّباني تفرّع بدوره إلى عدة أمور حياتية يذكرها المؤرخون عادةً عند بيان حكمة الصحيفة السجادية، ونحن نشير إليها باختصار شديد:
1/ إنَّ الضغوط كانت بالغة الشدَّة في عهد الإمام السجَّاد عليه السلام إلى درجة أنَّ عقيلة الهاشميين زينب الكبرى عليها السلام أصبحت لفترة، وسيطة في شؤون الإمامة بين الإمام والمؤمنين. وفي مثل تلك الظروف العصيبة كان من الطبيعي أن يبثَّ الإمام بصائر الوحي وقيم الرسالة عبر الأدعية التي مشت في الأمة ولا تزال كما يمشي الشذى عند نسيم عليل.
2/ والإمام كثائر ربّاني لم يدع معارضة الطواغيت والوقوف بوجه الفساد الذي أوجدوه بسبب الظروف الصعبة، بل عارضهم بالأدعية التي لم تستطع أجهزة النظام برغم قوتها صدَّ الإمام عنها. وهكذا أتم الله سبحانه الحجة علينا، كي لاندع الوقوف بوجه الطغاة بأية وسيلةٍ ممكنة، حتى في أشدِّ العصور إرهاباً وقمعاً.
3/ وكانت الأدعية، إلى ذلك، وسيلة تربية الناس على التقوى والفضيلة والإيثار والجهاد وذلك بما تضمَّـنت من مفاهيم متسامية، ومواعظ ربّانية، فكان النخبة من أبناء الأمة يتغذُّون عليها كما يتغذى النبات الزاكي من أشعة الشمس. فإنَّ حركات المعارضة تحتاج إلى زخم ثوري يدفع أبناءها قُدُماً في طريق المعارضة كالنشرات السرية والجلسات الخاصة، والشعارات والبيانات، فإنَّ تلك الصحف المطهرة كانت غذاءً رساليّاً لتلك النخبة المؤمنة في مواجهة النظام الأموي.
ولا تزال أدعية الإمام عليه السلام التي جُمعت في الصحيفة السجادية، لاتزال هذه الأدعية ذلك الزخم الإيماني الذي يوفِّر لنا الروح الإيمانية في الأيام العصيبة. ولا أظن - بعد القرآن - أنَّ كتاباً يكون تسلية لفؤاد المحرومين، وثورة في دماء المستضعفين، ونوراً في أفئدة المجاهدين، وهدى على طريق الثائرين كالصحيفة السجاديـة، فسلام الله على تلك النفس الزكية التي فاضت بها، وسلام الله على من تبتـَّل بها مع كل صباح ومساء.
السيد محمد تقي المدرسي
اعداد وتقديم : سيد مرتضى محمدي
القسم العربي - تبيان
فصاحة الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) وبلاغته
خطبة الإمام السجاد ( عليه السلام ) في المدينة المنوّرة
خطبة الإمام السجاد ( عليه السلام ) في الكوفة
خطبة الإمام السجاد ( عليه السلام ) في مسجد دمشق
حوار الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) مع الزهري حول الصوم