الإرادة هي قوة العقل التنفيذية
إن أحد الاستعدادات التي يجب أن تُنمّى في الإنسان هي الإرادة... و إن من الخطأ ان يعتبر بعض الناس الإرادة من جملة الميول وان يتصوروا أن الإرادة هي الميل الشديد. إن الإرادة هي قوة أخرى في الإنسان ترتبط بعقل الإنسان، خلافاً للميل فانه يرتبط بطبيعة الإنسان. الميل هو من جنس الجاذبية أي أن الأشياء اللازمة والمرادة، تجذب الإنسان نحوها، وكلما يكون الميل شديداً، يسلب اختيار الإنسان بذلك المقدار، أي أن الإنسان تحت سيطرة قوة خارجة عنه، بعكس الإرادة التي هي قوة داخلية وباطنية، إن الإنسان يخرج نفسه عن تأثير القوى الخارجية بواسطة الإرادة. فكلما تكون الإرادة أقوى يكون اختيار الإنسان أكثر ويمتلك نفسه وعمله ومصيره.
أن العقل والعلم ـ الذي هو مكمل للعقل وبعبارة أخرى هو العقل الاكتسابي ـ نور وضياء، يضيء المحيء ليفهم الإنسان ماذا يفعل
السيطرة على النفس
بالنسبة لمسألة الإرادة أو التسلط على النفس وتملكها، فإن ما وصلنا من التعاليم الإسلامية بهذا الصدد تحت عنوان التقوى وتزكية النفس، كثير جداً، بحيث لا توجد ضرورة لذكر دليل على اهتمام الإسلام بمسألة تقوية الإرادة. أذكر جملة من نهج البلاغة نموذجاً لهذا الموضوع. يقول عليه السلام حول الذنب والخطأ: "ألا وان الخطايا خيل شمس، حمل عليها أهلها".
يقع الذنب عندما يقوم الإنسان بفعلٍ بسبب شهواته وميوله النفسية، خلافاً لما يحكم به عقله وإيمانه. يقول عليه السلام ان حالة الذنب هي حالة عدم تملك النفس. ثم يقول حول التقوى وهي النقطة المقابلة لذلك "ألا وان التقوى مطايا ذلك"1. أي أنه يأمر والمطايا تطيع، تسير أينما يوجهها دون أن تركل أو ترفس.
لم يوجد أي مذهب تربوي في الدنيا مادياً كان أو إلهياً يقول: ما معنى تقوية الإرادة؟ أو يقول: على الإنسان أن يسلم نفسه إلى ميوله ويعمل بما تأمره به أهواؤه النفسية. أجل، هكذا أشخاص هم كثيرون في الدنيا ولكن لا يوجد مذهب يدعي تربية الإنسان ويدافع عن هذا الأصل في نفس الوقت. قال سارتر وأمثاله "الوجوديون الملحدون" أقوالاً بشأن الحرية، وكانت هذه هي نتيجة أقوالهم، وعلى أثر ذلك وجهت إليهم الانتقادات، وأصبحت الوجودية في أوروبا مساوية للتلذذ والبغاء واللاأبالية واللاتقييدية. لكنهم بعد ذلك أرادوا توجيه أقوالهم، فقالوا: لا، لقد أُسيء الاستفادة من مذهبنا، وإن مذهبنا لا يدعو لهذا.
الإيمان ضامن حكومة الإرادة
الغرض من هذا هو عدم وجود مذهب في الدنيا يشك في مسألة وجود سيطرة الإرادة على الميول الإنسانية، والبحث حول تنفيذ هذا الأمر وما هو الطريق إليه. الإرادة هي قوة العقل التنفيذية. وبالوجوب المذكور سيصبح العقل والإرادة حاكماً على ميوله مباشرةً فما الذي يضمن تنفيذ حكومة العقل والإرادة على الميول؟
من المسائل التي يتمسك بها المتدينون: أن الإرادة هي القوة التنفيذية للعقل، ولكن ما هو العقل وماذا يمكنه أن يفعل؟ العقل لا شيء سوى الضياء والنور الذي يضيء للإنسان، لكن هل الإضاءة توجه الإنسان لأن يذهب من هنا أو من هناك؟ يتابع الإنسان ما يريده ويستفيد من نور عقله للوصول إلى هدفه. والمشكلة هي ما هو هدف ومطلوب الإنسان؟
طبعاً لا يوجد اعتراض على أن الإنسان بحاجة إلى مصباح العقل ليضيء له طريقه. فلو سار الإنسان في الظلام، فإنه سوف يضيع هدفه. لا بحث في الحاجة إلى العقل. لكن الكلام في أن العقل والعلم ـ الذي هو مكمل للعقل وبعبارة أخرى هو العقل الاكتسابي ـ نور وضياء، يضيء المحيء ليفهم الإنسان ماذا يفعل، وأنه لو أراد الوصول إلى المقصد الفلاني فعليه أن يذهب من هنا. ولكن هل الفهم والمعرفة كافية لحكومة الإرادة على ميول الإنسان؟ كلاّ. ولماذا؟ لأن الإنسان في حد ذاته يسير وراء منافعه وان إرادته حاكمة على ميوله بمقدار ما تقتضيه المنافع والمصالح. وهنا لا يمكن للعقل والإرادة أن يفعل شيئاً، إذا لم يوجد أمر آخر يمنح الإنسان متطلبات مخالفة لمنافعه، وهذا ما نسميه "الإيمان" والشيء القادر على منع الإنسان عن حب المنفعة إلى حدٍّ ما. ويستطيع أن يعرض للإنسان مطالب مخالفة للمنافع الفردية والمادية أيضاً إنه يخلق ويصنع مطلوباً وهدفاً، وعند ذلك فإن العقل يسيّر الإنسان نحو ذلك الهدف. إن العقل مصباح ونور. فعندما تحملون المصباح ليلاً، فإن المصباح لا يقول لكم اذهبوا من هنا أو من هناك: يقول المصباح اذهب إلى حيث تريد واني أضيء لك الطريق. 2
المصادر:
1- نهج البلاغة، خطبة: 16.
2- التربية والتعليم في الإسلام
ما معنى الامر بين الامرين
ما يترتب على البداء في مقام الاثبات
العدل الالهي ومسالة الخلود
حقيقة البداء في ضوء الكتاب والسُّنة
الأثر التربوي للبداء
في العدل والتكليف والقضاء والقدر
إرادتنا واختيارنا