هل يجوز العفو عن المُسيء؟
هل يجوز العفو عن العصاة في الآخرة أوْ لا؟ وهل في الحكم بجواز العفو، إغراء للعصاة على إدامة العصيان، أوْلا؟ أوَلَيس العفو عن العاصي، خلفاً للوعيد، وهو قبيح؟
الجواب
إنّ التعذيب حق للمولى سبحانه وله إسقاط حقّه، وهو إحسان منه سبحانه على العبد: "مَا عَلَى الُْمحْسِنِينَ مِنْ سَبِيل"(المائدة:91)، فلا مانع، إذا اقتضت الحكمة، من العفو عن العاصي في ظروف خاصة، إما بالشفاعة، أو بدونها. وقد خالف معتزلة بغداد في ذلك، فلم يجوزوا العفو عن العصاة عقلاً، واستدلوا على ذلك بوجهين:
الوجه الأوّل: إنّ العقاب لطف من الله تعالى، واللطف يجب أنْ يكون مفعولاً بالمكلف على أبلغ الوجوه، ولن يكون كذلك إلا والعقاب واجب على الله تعالى. ومن المعلوم أنّ المكلف متى علم أنّه يُفْعَل به ما يستحقه من العقوبة على كل وجه، كان أقرب إلى أداء الواجبات واجتناب الكبائر1.
يلاحظ عليه: إنّ اللطف عبارة عما يقرب الإنسان من الطاعة، ويبعده عن المعصية، وهذا لا يتصور إلا في دار التكليف لا دار الجزاء، فالدار الأُولى، دار العمل والسعي، والآخرة دار الحساب والاجتناء.
وأما ما ذكروه أخيراً من أنه لو علم أنّه يفعل ما يستحقه من العقوبة على كل وجه، كان أقرب إلى أداء الواجبات واجتناب الكبائر، فهو لو تم، لوجب سد باب التوبة، لإمكان أن يقال إن المكلّف لو علم أنّه لا تقبل توبته كان أقرب إلى الطاعة وأبعد من المعصية.
أضف إلى ذلك أنّ للرجاء آثاراً بنّاءة في حياة الإنسان، ولليأس آثاراً سلبية في الإدامة على الموبقات، ولأجل ذلك جاء الذكر الحكيم، بالترغيب والترهيب معاً.
ثم إنّ الكلام في جواز العفو لا في حتميته، والأثر السلبي ـ لو سلّمناه ـ يترتب على الثاني دون الأول.
الوجه الثاني: أنّ الله أوْعد مرتكب الكبيرة بالعقاب، فلو لم يعاقب، للزم الخلف في وعيده، والكذب في خبره2، وهما محالان3.
الجواب: إنّ الخُلف في الوعد قبيح، وليس كذلك في الوعيد، والدليل على ذلك أنّ كل عاقل يستحسن العفو بعد الوعيد في ظروف خاصة، فلو كان العفو من الله تعالى مع الوعيد قبيحاً، لوجب أنْ يكون كذلك عند كل عاقل. ولعل الوجه في عدم كونه قبيحاً هو أنّ الوعيد حق، والعفو إسقاط، ومثل ذلك يعد مستحسناً لا قبيحاً، إذا وقع العفو في موقعه، ولأجل ذلك يقول الشيخ الصدوق: اعتقادنا في الوعد والوعيد هو أنّ من وعده الله على عمل ثواباً، فهو منجزه، ومن وعده على عمل عقاباً فهو بالخيار إنْ عَذّبَه فَبِعَدْلِه وإن عفا عنه فبفضله، "وما ربُّك بظلاّم للعبيد"(فصلت:46)، "إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ"(النساء:48)4. هذا كله حول العفو عن الوعيد عقلاً. وأما سمعاً، أي حسب الأدلة النقلية فسيوافيك الكلام فيه عند البحث عن عدم خلود غير الكافر في النار.
آية الله جعفر السبحاني
-----------------------------------------------------------------
الهوامش:
1- شرح الأُصول الخمسة، ص 646.
2- أخطأ المستدل في هذا، فإن الوعد إنشاء وليس بإخبار حتى يلزم فيه الكذب.
3- شرح العقائد العضدية، لجلال الدين الدواني م 908 هـ، ج 2، ص 194.
4- عقائد الصدوق، ص 86 من النسخة الحجرية الملحقة بشرح الباب الحادي عشر
الجنَّةُ ونعيمها - أنهار الجنَّة وعيونها
أشراط الساعة(4)
لقاء اللّه ومشاهدته العقلية
قبول التوبة واجب على اللّه أو لا ؟
من يدخل النَّار بلا حساب؟
من هم المخلدون في النار؟
شرائط شمول الشفاعة