• عدد المراجعات :
  • 3769
  • 7/2/2007
  • تاريخ :

مرحلة الاستكشاف عند الطفل

الاستكشاف عند الطفل

تتخذ ظاهرة الاستكشاف لدى الطفل أهميَّة بالغة بعد السنة الأولى ، إذ يشرع في مواجهة مواقف وأشخاص جُدُد يؤثِّرون في تجاربه التعلُّمية الأولى من مختلف النواحي ، ومهما يكن من أمر فالاستكشاف يرتبط بظاهرة أخرى ، ألا وهي التضاؤل التدريجي لتعلُّق الطفل بأمِّه ، ويزداد التعلق الخاص بأشخاص معينين بصورة فورية بعد بروز هذه الحاجة لديه ، ويتناقص عنده التعلق بأشخاص معينين مع مرور الزمن .

تتخذ ظاهرة الاستكشاف لدى الطفل أهميَّة بالغة بعد السنة الأولى ، إذ يشرع في مواجهة مواقف وأشخاص جُدُد يؤثِّرون في تجاربه التعلُّمية الأولى من مختلف النواحي

وذلك على نقيض القدرات الأخرى التي يتعلمها الطفل ، والتي تتزايد مع تقدُّمه في السن ، إذ يصبح الطفل مع الزمن قادراً بصورة متزايدة على تصور أمِّه ، ويتخذ من شكلها وسلوكها وجه مقارنة في تجاربه الجديدة ، ولا يعود وجودها ضرورياً له ، فيشرع الطفل بالابتعاد عنها بصورة تلقائية ، ويزداد هذا الابتعاد بصورة تدريجية .

وفي هذه المرحلة ينبغي للأم أن تضطلع بأصعب دور لها ، فالأم هي التي يتوجب عليها - وإن بدا ذلك متناقضاً مع طبيعتها - أن تدفع طفلها إلى الانفصال عنها ، حتى يكتسب معرفة بالعالم الخارجي ، ولربما بدا ذلك سهلاً في بادئ الأمر ، ولكن التجربة أثبتت أن الأم هي التي تحول دون تحرر طفلها ، وربما كان ذلك دون قصد منها .

والحق أنّ عملية الانفصال عن الطفل أمر صعب دائماً ، وإن كانت مقرونة بمراقبة الأم لطفلها ولتصرفاته ونموه عن كثب .

وفي الشهور الأولى من حياة الطفل توفر الأم له الحوافز اللازمة الملائمة لسنِّه ، وواقع الأمر أن مواقف المجازفة والمغامرة التي يقفها الطفل تعتمد بصورة مبدئية على علاقته بشخص راشد ، يدفعه أو يحفزه تقريباً على الإفادة من جميع الفرص المتوافرة في البيئة التي يعيش فيها .

وبعد شهور معدودات ، وإذ يشرع الطفل في إبداء قدرته على التصور ، فإنه يستطيع أن يشعر وحده بدوافع جديدة ، كما يستطيع كذلك أن يبدأ في استكشاف بيئته ، وفي أثناء السنة الأولى من حياة الطفل يرتبط أمنه النفسي وسعادته كل منهما بالآخر ارتباطاً وثيقاً ، والحقيقة أنه من غير المحتمل أن يتوقَّع من الطفل أن يبدأ بمواجهة بيئته إذا لم يطمئن إلى وجود أمِّه .

وجدير بالذكر أن على الأم أن توقظ في نفس طفلها المحاولات الأولى لديه ، وأن تحافظ على هذه المحاولات ، فغياب الأم يؤدِّي إلى كَبح مبادرات الطفل ومحاولاته الأولى ، وفضلاً عن ذلك ، فإن المغامرات التي يباشرها الطفل تختلف باختلاف الشعور بالثقة الذي تمكنت الأم من غرسه في نفسه .

وتتمثل أهمية العلاقة بين الأم وطفلها في الحماسة ، والمشاركة والدوافع ، والمقترحات التي يبديها الطفل بمساعدة أمّه ، فالأمّ المُثلى توفِّر لطفلها بيئات جديدة ، وألعاب وألواناً ، وأجواءً نفسية ومشاعر ، أجل إنَّها توفر له كل ما يشجعه ويشغل وقته بصورة كاملة في آن واحد .

ثم إن نمو قدرات جسمية جديدة لدى الطفل يبرز حاجة الطفل إلى الحرية من أجل مواجهته الواقع الخارجي الذي يجذبه ، وهي حاجة جديدة مُلحَّة ، وفي هذا المجال ينبغي للأم ألا تفرط في تقديم المساعدة لطفلها

وينبغي للأم - فضلاً عن تأسيس علاقة المشاركة هذه في عملية الاستكشاف التي يباشرها الطفل والموافقة عليها - أن تنشئ لطفلها - ولا سيَّما في البيت - عالماً مادياً يثير فضوله ، وهو عالم مهم جداً بالنسبة إلى طفل في السنة الأولى من العمر ، فينبغي لها مثلاً أن تملأ حجرة طفلها بعديد من الأشياء الصغيرة ، والتماثيل والألعاب الجذَّابة ، التي يسهل على الطفل استعمالها ، وتثير فيه شغفاً بالاستكشاف اللَّمسي والمرئي .

ومن جهة أخرى ينبغي كذلك عدم الاستخفاف بحاسة السمع لدى الطفل ، بل يجب تنبيهها ببضعة أجراس أو أصوات عذبة .

ثم إن نمو قدرات جسمية جديدة لدى الطفل يبرز حاجة الطفل إلى الحرية من أجل مواجهته الواقع الخارجي الذي يجذبه ، وهي حاجة جديدة مُلحَّة ، وفي هذا المجال ينبغي للأم ألا تفرط في تقديم المساعدة لطفلها ، إذ يكفي أن ترشده إلى مرحلة الاستكشاف من دون أن تتتبع أعماله خطوة بعد خطوة .

أما إذا أثقل الأبوان على طفلهما بحضورهما الدائم ، وتقديم اقتراحاتهما وحمايتهما التي كان الطفل بحاجة إليها في بادئ الأمر ، فذلك يثير في الطفل عصبية وأثراً معاكساً ، فيوحي إليه بأنه قد فقد الحرية التي كان يحسب أنه قد أكتسبها ، وعلى هذا النحو يشعر الطفل بشيء من الاضطهاد من جانب أبويه ، وينتهي به الأمر إلى صراع دائم بين حقوقه أو التضحية بإرادته وشخصيته في سبيل رغبات الآخرين ، وذلك بقبوله تدخلاتهم المستمرة في شؤونه .

والحقيقة أن النشاط الذي ينبغي للطفل ممارسته وحده من دون تدخل من الآخرين هو استكشاف بيئته ، ومن هنا فإن الطفل الذي تلقى تدريباً حسناً وطمأنة من أمِّه يثق بقدرته ، ويرغب في إثبات ذلك ، ولكن الأمر ليس كذلك فيما يتعلق بالأنشطة الاجتماعية التي يمارسها الطفل ، والتي تتصل باكتشاف أناس آخرين .

فالطفل يشعر بالحاجة إلى شخص مألوف قريب منه ، يستطيع أن يساعده في مجال يتعرَّض فيه لكثير من المآزق العاطفية ، وعلى هذا نقتصر على أمرين مختلفين ، يحتاجهما الطفل خلال السنة الثانية من عمره :

أوَّلهما : رغبته في استكشاف عالمه الجديد بنفسه ، وثانيهما : حاجته إلى جماعة حوله ، نتيجة شعوره العميق بعدم الأمن ، وحقيقة الأمر أن الطفل لا يشرع فقط في استكشاف العالم الخارجي ، بل يحاول كذلك السيطرة على جسمه وإمكاناته الباطنة ، ولهذا السبب فإن كل ما اعتاد الطفل لا يكفيه بعد بلوغه الشهر السابع أو الثامن ، وتصبح حظيرته النقالة التي كان يلعب فيها ضيِّقة .

كما تغدو الدمى التي كان يقضى أيّاماً كاملة في النظر إليها واللعب بها غير ممتعة بالنسبة إليه ، وفي الحقيقة يشرع الطفل في التماس الحرية للتحرك في أرجاء البيت ، ومن الطبيعي أن يمنح الطفل هذه الحرية وتحت إشراف أمه ، لمدة ساعات معدودات كل يوم ، ولكن لا ينبغي للأم منحه الحرِّية الكاملة ، فوضعه الجسمي لا يساعده على السيطرة على حركاته ، فقد يوقعه في مواقف مغيظة خطرة عليه وعلى الأشياء المحيطة به .

ومن الجدير بالذكر أن منح الحرية للطفل بصورة مفرطة ربما كان له أثر سلبي في شخصيته ، فقد يدفعه ذلك إلى الوحدة ، ويوقع الكآبة في نفسه ، ويشعره بهجر الناس له ، وربما كان الحل الأمثل الوسط بين حجز الطفل في الحظيرة النقالة ومنحه الحرية المطلقة هو إنشاء ركن كبير في حجرته ، يقضي فيه أوقاته ، أو في أي مكان تقضي فيه الأم عادة معظم وقتها .

وينبغي أن يكون هذا الركن حافلاً بالأشياء الممتعة غير المؤذية ، وينبغي للأم كذلك إبعاد الأشياء الحادة عنه ، فربما أصابت عينيه بالأذى ، أو ربما ارتطم رأسه بها ، ولعلّ من المستحسن أن تضع الأم سجادة أو بطانية تحميه من السقوط المباشر على الأرض الباردة ، وتخفف من وطأة سقوطه عليها ، ومن العوامل المهمة الأخرى أيضاً هو توفير دعائم للطفل ، تسهل حركاته الأولى .

ومن الجدير بالذكر أن الحياة العصرية والبيوت الحديثة أصبح إنشاؤها يعتمد على المنطق بصورة متزايدة ، كما أصبحت محدودة المساحة ، فالضِّيق النسبي في الأمكنة المكشوفة - كالحدائق والحقول التي يستطيع الطفل التحرك فيها بحرية واستقلال منذ السنة الأولى من عمره فصاعداً - تحدُّ في الواقع من الاكتشافات والتجارب التي كانت مألوفة في السابق .

وهكذا فقد أصبح الطفل في العصر الحديث ضحية لمقتضيات البيئة والمجتمع الراهن ، ولذلك كان واجب الأم حماية طفلها قدر ما تستطيع ، وبذل كل ما يمكنها لإنشاء مكان خاص به يستطيع أن يطوّر فيه استقلاله وينمّي الثقة في نفسه وفي قدراته .


اللعب والتقليد 

وسائل تعليم الطفل مهارة الأتصال والتخاطب مع الآخرين 

عبقري ومبدع.. أم موهوب؟ 

هل تريدين تقوية دماغ طفلك قبل ولادته؟ 

الطفل الذكي.. نباتي 

خطوات مفيدة لتنمية مواهب الطفل ومهاراته 

علامات نبوغ الطفل؟ 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)