مظاهر الغيرة عند الطفل وكيفية معالجتها
إن كثرة الأولاد ليست سبباً في شجار الأخوة فيما بينهم كما تتصور بعض الأمهات الكريمات ، بل الغيرة أحد أهم أسباب العراك بين أفراد الأسرة ، و الغيرة من الأمراض التي تدخل بيوتنا بدون إذن وتسلب راحتنا ، ولذا ينبغي الحرص على سلامة صحة الطفل النفسية في السبع سنوات الأولى من عمره أكثر من الاهتمام بصحته الجسدية ، وكثير من الأمراض الجسدية التي تصيب الطفل في هذه المرحلة تكون نتيجة لسوء صحته النفسية .
الغيرة من الأمراض التي تدخل بيوتنا بدون إذن وتسلب راحتنا ، ولذا ينبغي الحرص على سلامة صحة الطفل النفسية في السبع سنوات الأولى من عمره أكثر من الاهتمام بصحته الجسدية ، وكثير من الأمراض الجسدية التي تصيب الطفل في هذه المرحلة تكون نتيجة لسوء صحته النفسية .
والغيرة من الأمراض النفسية الخطيرة التي تصيب الطفل في المرحلة الأولى من حياته نسبة إلى غيرها من الأمراض ، كالكذب ، والسرقة ، وعدم الثقة بالنفس ، فالغيرة تسلب قدرة الطفل وفعاليته وحيويته كالسرطان للجسد ، ويمكن للوالدين تشخيص المرض عند أطفالهم من معرفة مظاهره ودلائله ، فكما إن الحمَّى دليل التهاب في الجسم فكذلك للغيرة علامات بوجودها نستدل عليها ، وفي السطور القادمة سنتحدث عن مظاهر الغيرة عند الطفل .
إن الشجار بين الأخوة من أبرز معالم مرض الغيرة ، وكذلك بكاء الصغير لأتفه الأسباب ، فقد نجده في بعض الأحيان يبكي ويعلو صراخه لمجرد استيقاضه من النوم ، أو لعدم تلبية طلبه بالسرعة الممكنة ، أو لسقوطه على الأرض ، أما العبث في حاجات المنزل فهو مظهر آخر للغيرة التي تحرق قلبه ، وبالخصوص حين ولادة طفل جديد في الأسرة .
أما الانزواء وترك مخالطة الآخرين فهو أخطر مرحلة يصل إليها المريض ، في وقت يتصور فيه الوالدان أنه يلعب ويلهو ، ولا يودُّ الاختلاط مع أقرانه ، وإن له هواية معينة تدفعه إلى عدم اللعب معهم ، أو أنه هادئ ووديع يجلس طوال الوقت جنب والديه في زيارتهم للآخرين ، ولا يعلم الوالدان أن الغيرة حين تصل إلى الحدِّ الأعلى تقضي على مرحه وحيويته تاركاً الاختلاط مع الآخرين ومنطوياً على نفسه .
وإن الغيرة وأي مرض نفسي أو جسدي لابدَّ أن يأتي عارضاً على سلامتنا ، ولا يمكن أن يكون فطرياً ، فالسلامة هي أصل للخلقة ، وهي من الرحمن التي ألزم الله بها نفسه عزَّ وعلا : ( كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ) الأنعام : 54 .
و الغيرة تبدو واضحة للوالدين في الطفل في مرحلته الأولى ، وتختفي مظاهرها - فقط - بعد السابعة ، حيث يتصور الوالدان أن طفلهما أصبح كبيراً لا يغار ، وهو خطأ ، فالطفل في المرحلة الثانية من حياته يقل اهتمامه واعتماده على والديه ، ويجد له وسطاً غير الأسرة بين أصدقائه ورفاقه ، في المدرسة أو الجيران ، ولا تنعكس مظاهرها إلا في شجاره مع إخوانه في الأسرة ، أما في المجتمع فله القسط الأوفر من آثار الغيرة التي يصاب بها الأبناء .
الغيرة تبدو واضحة للوالدين في الطفل في مرحلته الأولى ، وتختفي مظاهرها - فقط - بعد السابعة ، حيث يتصور الوالدان أن طفلهما أصبح كبيراً لا يغار ، وهو خطأ
أما أسباب الغيرة
أما أسباب الغيرة عند الطفل في المرحلة الأولى من عمره ، فهي كالتالي : إنَّ الكائن البشري صغيراً أو كبيراً ، امرأة أو رجلاً ، أسود أو أبيض ، يمتلك قيمة وجودية من خلال سجود الملائكة له : ( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ ) البقرة : 34
إضافة إلى أنَّ كل المخلوقات جاءت لتأمين احتياجاته ومُسَخَّرَة لخدمته : ( وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ) الجاثية : 13 ، وفي الحديث القدسي : (يَا ابْنَ آدَمَ خَلَقْتُ الأشْيَاءَ لأجْلِكَ وخَلَقْتُكَ لأجْلِي ) .
وقيمة أخرى وهي أنه يحمل نفحة من روح الله ، بخلاف الكائنات الأخرى : ( فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ) ص : 72 ، ولأهمية وجود الكائن الإنساني اختصَّت به أحكام إلهية منذ ولادته ، مثل حرمة قتله ، ووجوب دفع الدية حين تعرضه لأيِّ أذىً مثل خدشه أو جرحه أو جنونه ، وحتى الطريق الذي يسير فيه لا يجوز تعريضه للأذى فيه ، بأن ترمي الأوساخ فيه أو تقطع الطريق عنه بسيارة أو حاجة ، حتى وقوفك للصلاة فيه ، إلى غير ذلك من الأحكام الشرعية التي تعكس لنا مدى اهتمام الخالق بوجود الإنسان ووجوب احترامنا له .
وحين يتعرَّض الطفل إلى تجاهل الآخرين يبرز العناد كوسيلة دفاعية لما يتعرَّض له من أذى في عدم الاهتمام به ، كذلك حين يهتم الوالدان بواحد ويتجاهلان الآخر ، ولقد رفض المربي الإسلامي هذا التعامل مع الأبناء ، لأنه يزرع الحقد في قلبه لأفراد أسرته ، وحتى لأبويه وللناس ، فلقد أبصر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) رجلاً له ولدان ، فقبَّل أحدهما وترك الآخر ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( فهلاَّ سَاوَيْتَ بَيْنَهُمَا ) .
هل تجب المساواة بين الأبناء ؟
إن التربية الإسلامية ترفض من الأبوين الاهتمام بطفل مقابل تجاهلهم الآخر ، ولكن لا بأس بالاهتمام بواحد أو أكثر من الأبناء الآخرين مع عدم تجاهل أحد منهم ، والقرآن الكريم حين يتعرض إلى قصة يوسف وأخوته الذين حقدوا عليه وألقوه في البئر ، يقرُّ أن نبي الله يعقوب ( عليه السلام ) كان يهتم ويحب جميع أبنائه ، ولكنه يخصُّ يوسف بنصيبٍ أكبر لما يجد فيه من خير يفوق أخوته ، فتقول الآية الكريمة عن لسان أخوة يوسف : ( إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا ) يوسف : 8 .
ولم يقل أخوة يوسف إنَّ أباهم ينفرد بحبِّ يوسف دونهم ، لأن تفضيل الوالدين لطفل على آخر - مع عدم تجاهل أي أحد من الأبناء - يدفع بالجميع إلى منافسة الطفل الذي اختص بالعناية في الميزة التي لأجلها اكتسب الأفضلية في قلب والديه ، وتجعل الأبناء في حلبة السباق إلى فعل الخير .
إن التربية الإسلامية ترفض من الأبوين الاهتمام بطفل مقابل تجاهلهم الآخر ، ولكن لا بأس بالاهتمام بواحد أو أكثر من الأبناء الآخرين مع عدم تجاهل أحد منهم
ويجدر بالآباء أن يمتلكوا الحكمة في الميزة التي بها يتم التفضيل بين الأبناء حين تكون للمعاني الحقيقية ، مثل الاستجابة لفعل الخير والبرِّ بالآخرين ، وامتلاك صفة الكرم والصبر على الأذى ، فمن الصحيح أن يغدق الوالدان الحبَّ لطفلٍ أهدى لعبته المحبَّبة لآخر مستضعف ، قبال أخوته الذين يحرصون على أشيائهم ، فهذا التفضيل يدفعهم إلى منافسته في هذا الفعل ، طبعاً التربية الإسلامية لا تشترط التفضيل ، بل تراه صحيحاً .
فعن أحد الرواة قال : سألت أبا الحسن ( عليه السلام ) عن الرجل يكون له بَنون ، أيفضِّل أحدهم على الآخر ؟ فقال ( عليه السلام ) : ( نَعَمْ لا بَأسَ بِهِ ، قَدْ كَانَ أبي ( عليه السلام ) يُفضِّلُنِي عَلَى عَبْدِ الله ) .
إنَّ بعض الأمهات حين يفضلن طِفلاً على آخر لامتلاكه صفة الجمال ، أو لأنه ذكر ، فإن هذا النوع من التفضيل خطأ في المنظور الإسلامي ، ذلك لأنَّ الجمال أو الذكورة أو غيرها من المعاني التي لا يمكن التسابق فيها ، فلا يملك الطفل القدرة على أن يكون أجمل من أخيه الذي اكتسب الحظوة عند أبيه ، وعندها لا يكون أمام الطفل إلاَّ منفذ واحد للخروج من أزمته النفسية ، وهو الغيرة والحقد على من حوله في الأسرة والمجتمع .
فعَن الإمام علي ( عليه السلام ) إنَّه قال : ( ما سَألْتُ ربِّي أولاداً نُضُر الوَجْه ، ولا سَألتُه وَلداً حَسَن القَامَة ، ولَكِنْ سَألْتُ رَبِّي أوْلاداً مُطِيعِينَ للهِ وَجِلِينَ مِنْهُ ، حَتَّى إذَا نَظَرْتُ إلَيهِ وَهو مُطيعٌ للهِ قُرَّتْ عَيْنِي ) .
المقارنة بين الأبناء :
إنَّ استخدام الوالدين المقارنة بين الأبناء أسلوب مزعج لهم ، فكما أن الزوجة تنزعج حين يطلب الزوج منها أن تكون مثل الجارة ماهرة في إعداد الحلوى ، أو يزعجها أيضا تعنيفه لها رافضاً منها أن تكون مثل الجارة مهملة في ترتيب البيت ، إضافة إلى الآثار الأخرى من انكماشها وعدم ارتياحها من الطرف الآخر المقارن معها .
والطفل كذلك نفسيته مثل الكبير ، فكما أن المقارنة تزعج الأم وكذلك الأب ، فهي تزعجه هو أيضاً مع حالة من التوتر تصيبه مقابل أخيه المقارن معه ، لذا ينبغي على الوالدين عدم استعمال المقارنة بين الأبناء بالمديح أو الذم ، مثل أن تقول الأم لصغيرها لماذا لا تكون مثل أخيك الذي يحافظ على ملابسه دوماً ، أو لا تبكِ وتكون مزعجاً مثل أخيك .
كيف نعالج الغيرة عند الأبناء ؟
إن معرفة الداء نصف الدواء ، كما يقول الحكماء ، ولذا فمعرفة أسباب الغيرة تنفعنا كثيراً في العلاج حين نتوقى العوامل المسببة للمرض ، إضافة إلى أنَّ أهم علاج للغيرة يتركز في إشباع حاجتهم للحُبِّ والحنان ، مع الاهتمام بوجودهم ، وهي نفس الأسباب التي تدفعهم للعناد وعدم طاعة الوالدين .
فالغيرة والعناد قرينان حين يوجد أحدهما تجد الآخر ، وهي نتاج للعناد ، ففي بادئ الأمر يكون الطفل معانداً لأسباب مرَّت معنا ، فإذا لم يتم علاجه يتفاقم الأمر عليه ، ويُصاب بمرض الغيرة ، فلا ينسى الوالدان أن يسمِّعاه كلمات الحب والإطراء ، والتقدير والمديح ، والاهتمام بوجوده .
وقد تثير الأم الحديثة العهد بالولادة سؤالاً حول إمكانية توزيع الاهتمام على كل الأبناء في وقت يأخذ الرضيع كل اهتمام الأم ووقتها ، ونحن ننصح مثل هذه الأم التي حين تهتم برضيعها يقف الأكبر ينظر متألماً من الزائر الجديد الذي عزله عن والديه أن تعالج الموضوع كما يلي :
أولاً : إشعار الطفل بأنَّه كبير :
إنَّ الأم وهي ترضع صغيرها بإمكانها أن تتحدث مع الكبير قائلة : كم أتمنى أن يكبر أخوك ويصبح مثلك يأكل وحده ، وله أسنان يمضغ بها ، ويمشي مثلك ، و.. و.. ، حتى أرتاح من رضاعته وتغيير فوطته ، ولكنه مسكين لا يتمكن من تناول الطعام أو السيطرة على معدته ، وتقول لطفلها الأكبر حين يبكي الرضيع وتهرع إليه : نعم جئنا إليك فلا داعي للبكاء ، إن أخاك سوف يعلمك أن تقول إني جوعان بدل الصراخ والضجيج ، وبهذه الكلمات وغيرها من التصرفات يمكن إشعاره بأنَّه كبير ، والصغير يحتاج إلى هذه الرعاية .
ثانياً : لا تقولي له لا تفعل :
وحتى نجنِّبه الغيرة من الرضيع ، يحسن بالأم أن لا تقول للطفل الكبير لا تبك مثل أخيك الصغير ، أو لا تجلس في حضني مثل الصغار ، أو لا تشرب من زجاجة الحليب العائدة لأخيك الصغير .
ثالثاً : إعطاؤه جملة من الامتيازات :
لابد من إشعار الطفل بأنه كبير ، وأنَّ الاهتمام بالصغير لعجزه وعدم مقدرته ، إضافة إلى إعطائه جملة من الامتيازات لأنَّه كبير ، فلا يصح الاهتمام بالوليد دون أن يحصل هو على امتيازات الكبار ، ولابدَّ من الحرص على إعطائه بعض الأشياء لأنه كبير ، مثل أن تَخُصِّيه بقطعة من الحلوى مع القول له : هذه لك لأنَّك كبير ، ولا تعطيها لأخيك لأنَّه صغير ، وهذه اللعبة الجميلة لك لأنَّك كبير ، أما هذه الصغيرة فهي للصغير .
وكذلك يجب الحذر من إعطائه لعبة بعنوان أنَّها هدية له من أخيه الوليد ، لأنَّ هذا التصرف يوحي له بالعجز عن تقديم هدية لأخيه مثلما فعل الأصغر منه ، فتزيد غيرته منه .
رابعاً : ارفضي إيذاءه واقبلي مشاعره :
لابدَّ أن تمنعي بحزم محاولة الطفل الكبير إيذاء أخيه الصغير ، بأن يرفع يده ليهوى بها عليه ، بأن تمسكي يديه أو الحاجة التي يحملها لضربه ، ومع ذلك امسكيه واحضنيه بعطف واحمليه بعيداً عن أخيه ، لأنَّ الطفل بالحقيقة لا يريد إيذاء أخيه ، ولكن سوء تعامل الوالدين واهتمامهم بالرضيع دونه دَفَعَه إلى هذا الفعل ، لذا ينبغي على الأم أن تمنع الأذى وتقبل مشاعره الغاضبة عنده ، لأنه لا يملك القدرة على التحكم بها .
خامساً : الشجار بين الأخوة :
أما الخصام بين الأخوة فيمكن علاجه كالتالي : يجدر بالوالدين عدم التدخل في الخلافات بين الأبناء ، ما دام التدخل لا فائدة مرجوَّة منه ، بسبب الغيرة التي هي وقود النزاع بين الأخوة ، والتي تحتاج إلى علاج كما أسلفنا ، هذا إن كانت الخلافات لا تتعدى الإيذاء الشديد بأن يكسر أحدهما يد الآخر ، أو يكون أحدهما ضعيفاً يتعرض للضرب الشديد دون مقاومة .
فالأفضل في مثل هذه الحالة إيقاف النزاع ، ولو إن عدم تدخل الوالدين تنهي الخلاف بشكل أسرع ، ولكن لعل نفاد صبر الوالدين يجعلهم يتدخلون في النزاع ، وهنا يجدر بهم أن لا يستمعوا إلى أي أحدٍ من أطراف النزاع ، ولا الوقوف مع المظلوم أو العطف عليه ، لأن الاستماع وإبداء الرأي وإبراز العواطف لأحد دون آخر يزيد في الغيرة التي تدفعهم إلى العراك .
كما يجدر بالوالدين عدم إجبار طفلهم الذي انفرد باللعب أن يشارك أخوته الذين يريدون اللعب معه أو بلعبته ، فإجباره يولِّد حالة الشجار فيما بينهم أيضاً .
متى نعتبر سلوك الطفل مشكلة بحد ذاته يحتاج لعلاج؟ ما هو الأساس الأهم للتربية ؟ ..
كيف تحدين من دلع طفلك؟
علمي طفلك تقدير الذات!
تحدثي الى طفلك الأول قبل مجىء الطفل الثاني ...
دور الأم في البناء الثقافي للطفل
لا تقتلي طفلك بهذا الاسلوب