المتکبر مطرودا من رحمة الله
إن الحق الذي ينشده الإنسان لا يكون إلا من خلال رفع كاهل العجب عن نفسه الذي يحجبه عن القرب الحقيقي لله سبحانه وتعالى، بل حتى من كان قريبا منه مادام فيه صفة (الكبر) فانه سيكون مطرودا من رحمة الله.
قال تعالى: (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ) الأعراف: 146.
فأن أول معصية عصي بها الله هي التكبر على أوامر الله سبحانه وتعالى. فالتكبر كما ذكر العلماء له مراتب ثلاثة:
الأولى: التكبر على الله سبحانه وتعالى.
قال تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ)، البقرة: 34.
الثانية: التكبر على الأنبياء والرسل.
قال تعالى: (فَقَالُوا أَبَشَرًا مِّنَّا وَاحِدًا نَّتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَّفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ)، القمر: 24.
الثالثة: التكبر على الخلق والقرناء حيث يرى نفسه أكبر منهم.
إن المانع الأساسي لعدم إيمان هؤلاء بالرسل هو تكبرهم واستعلائهم؛ لأن من آمن بالرسل هم من طبقة الفقراء، لذا فهم يرفضون أن يكونوا في صفوفهم. يقول الله تعالى: (فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ)،هود: 27.
وكما أن التكبر سبيلا من سبل الهلاك فأن ضده وهو التواضع سببا من أسباب النجاة سواء كان في الآخرة، أو في الدنيا. فأن المتواضع يكون محبوباً لدى الناس، قريباً منهم، ينال رضا الله، ويرضي الله الناس عنه لدماثة أخلاقه وحسن سلوكه مع الآخرين. ومهما كان الشخص في حالة من العنجهية والغرور إذا تواضع ولو مرة واحدة فأنه سيشمله ذلك التواضع بالخير في حياته وهذا ما يذكره لنا السيد دستغيب (رحمه الله) في أحد كتبه حيث يروي قصة مسئول عسكري كبير في الدولة العثمانية كان مديراً لقسم من أقسام الجمارك والمفارز التي تفصل بين دولة وأخرى أو منطقة وأخرى. ولأنه كان في هذا المنصب أستغل منصبه بأن يفرض على الناس بعض الضرائب التي ترجع له شخصيا، كان يأخذ العشر، وفي يوم من الأيام صادف أن جاء أحد التجار والشخصيات الثرية والمرموقة من إيران إلى العراق من أجل زيارة أمير المؤمنين علي عليه السلام وكان يحمل معه ذخائراً نفسية وأموالاً طائلة اصطحبها معه في سفره إلى العراق وصل إلى المنطقة التي يشرف عليها ذلك العسكري التركي المتكبر فما أن رأى ما لديه من الأموال والذخائر حتى أمر بأخذ عشره أنزعج التاجر لهذا الأمر الظالم، فكيف يأخذ العشر من هذه الأموال الطائلة بلا سبب؟
تكبر الإنسان ناشئ من جهل لديه واعتقاد خاطئ من أنه يمتاز على غيره بخاصية يفتقدها الآخرون كالغنى، أو الجمال، أو الوجاهة الاجتماعية، أو القوة الجسدية، أو المنصب ونحوه وما علم هذا المتكبر أنه كم من غني افتقر، وكم ذو جمال تلاشى جماله، وكم قوي خارت قواه، وكم صاحب وجاهة ومنصب زال عنه ذلك اللقب وصار ممقوتا بسبب كبريائه وعنجهيته.
فذهب التاجر إلى هذا المسؤول وطلب منه أن يعفيه من هذه الضرائب؛ لأنه ذاهب إلى زيارة أمير المؤمنين علي عليه السلام ، لا إلى التجارة ونحوها، فلماذا هذه الضريبة؟ وكلما حاول أن يسترضيه عاند وكابر. فقال له التاجر مهدداً: سوف أشكيك عند
أمير المؤمنين علي عليه السلام.
فرد عليه باستهزاء: إشتك عليّ عند إمامك أمير المؤمنين، لا يهمني ذلك.
أجابه التاجر: سأشكيك عند عليّ عليه السلام وسأتوسل به إلى الله في أن يمقتك.
قال: لا بأس، إفعل ما تريد.
فلما خابت مساعي التاجر الإيراني امتلأ غيضًا وألماً. وعندما وصل إلى النجف تهيأ لزيارة مولانا أمير المؤمنين عليه السلام ، توجه إلى الحرم وظل في حرم الإمام علي عليه السلام طوال الليل يدعو الله ويتوسل اليه، طالباً أن يمقت ذلك العسكري الذي ظلمه ذلك الظلم الفادح والكبير، بأخذ هذا المقدار الكثير من أمواله. وبعد رجوعه إلى مقره وخلوده إلى النوم رأى الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في عالم الرؤيا يقول له: دعه لنا ـ يقصد المسئول التركي ـ
جلس من نومه مستغرباً ومتعجباً، كيف يطلب الإمام عليه السلام منه أن يدع ذلك الظالم له؟ فخاطب نفسه بالتوهم وعدم إمكان صدور هذا الأمر من الإمام عليه السلام.
جاءت الليلة الثانية وفعل كما فعل في الليلة الأولى أو أكثر، وأصر على دعائه وتوسله من أجل أن ينتقم الله من هذا التركي الظالم. فرأى الإمام عليه السلام في عالم الرؤيا ثانية يقول له الإمام عليه السلام: دعه لنا.
وفي الليلة الثالثة أيضًا رأى الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بعْد ذلك التوسل والإمام يقول: دعه لنا فإنّ له حق علينا.
ففي الرؤيا كان التاجر مستغرباً ومتألماً في نفس الوقت، فسأل الإمام: وما هو حقه عليكم؟
قال: إنه لما أراد دخول النجف كان هو قائد الكتيبة العسكرية، وعندما دخلها، قام هذا القائد بنزع حذائه وأمر جميع أفراد الكتيبة بنزع الأحذية وقال لهم: أنتم أمام أكبر شخصية عسكرية في التاريخ.
وهكذا جلس من نومه معتقداً بصحة ما رأى، وعدل عن دعائه في حق هذا الرجل، ومضى في زيارته بشكل طبيعي. وعند رجوعه إلى إيران رجع من نفس الطريق، فرأى نفس المسئول. فلما التقى به قال الرجل للتاجر الإيراني باستهزاء:
أشكوتني عند إمامك؟
قال: نعم شكوتك عنده.
قال وهو يضحك: لم يفعل بي شيئا؟
قال التاجر: نعم، الإمام أمير المؤمنين قال: إنّ لك عليه حق.
قال: أنا!! ليس لي حق عليه؟
قال: بلى، إن لك عليه حقاً، فلذلك عفوت عنك، وأبحت لك ما أخذته مني ووهبته لك.
تعجب المسئول التركي ووقف متعجباً ومتحيراً من كلام التاجر ودعواه وما رآه في منامه.
فقال: وما هو حقي عليه؟
قال التاجر: أتذكر عندما دخلت إلى النجف أنت والكتيبة العسكرية فخلعت حذاءك وأمرت العساكر أن تخلع أحذيتها تواضعاً لمقام الإمام علي عليه السلام.
قال: ومن قال لك ذلك؟
قال: الإمام نفسه أخبرني بذلك في عالم الرؤيا.
وقف هذا الرجل لحظات صمت، وقال: أشهد أن لا إله إلاّ الله وأشهد أنّ محمدًا رسول الله وأشهد أنّ عليّاً ولي الله.
ونحن حينما نتأمل في هذه الحادثة التي وقعت نجد أن هذا العسكري مع تجاوزه إلا أن الهداية قد شملته واهتدى للولاية ببركات تواضعه لمقام أمير المؤمنين عليه السلام.
وعندما نتساءل لماذا يتكبر الإنسان على غيره؟
يقول العلماء : إن تكبر الإنسان ناشئ من جهل لديه واعتقاد خاطئ من أنه يمتاز على غيره بخاصية يفتقدها الآخرون كالغنى، أو الجمال، أو الوجاهة الاجتماعية، أو القوة الجسدية، أو المنصب ونحوه وما علم هذا المتكبر أنه كم من غني افتقر، وكم ذو جمال تلاشى جماله، وكم قوي خارت قواه، وكم صاحب وجاهة ومنصب زال عنه ذلك اللقب وصار ممقوتا بسبب كبريائه وعنجهيته.
فمن تواضع لله فأن الله يرفعه إلى أعلى عليين. وليس التواضع إلا أن يعتقد الإنسان أن ما عنده ليس من ذاته بل هو من عند مولاه وخالقه سبحانه وتعالى فيتواضع له ويرضخ لكبريائه. فقد جاء عن الإمام الباقر عليه السلام: «الكبر رداء الله» الكافي 2: 309، فإذا علمت ذلك أيها السالك إلى الله أخلع عنك رداء الكبر والتكبر وتواضع إلى الله، واجعل قلبك محلاً للكلمات النورانية والأخلاق الفاضلة حتى تزيل كل ذرة من كبر، فعنهم صلوات الله عليهم أنهم قالوا: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر» الكافي 2: 310.
وعنهم عليهم السلام : «ما من أحد تكبر أو تجبر إلاّ لذلة وجدها في نفسه» الكافي 2: 312.
المصدر: شبکة اهل البيت للاخلاق الاسلامية
السعي وراء اللذة
الرهبانية و الطريق إلى السعادة
استغلال القوى الطبيعية
حجر الأساس في السعادة
مبدأ الواقع في السعادة