حصول الاستطاعة بالملكية المتزلزلة، وعدمه
مسألة 49 ـ هل تحصل الاستطاعة المالية بالملكية المتزلزلة كما إذا اشترى مالا بالبيع المشروط فيه للبايع الفسخ إذا رد الثمن وكان المبيع وافياً لأداء الحج دون الثمن، أو صالحه شخص ما يكفيه للحج بشرط الخيار إلى مدة معينة، وكذا في الهبة لغير ذي رحم لو وهبه وأقبضه فإن للواهب الرجوع ما دامت العين موجودة عند المتهب ؟
في المسألة وجهان :
يمكن أن يقال : إن ما هو الملاك في حصول الاستطاعة بحسب الأدلة أن يجد المال ويكون عنده ما يحج به، وهو معنى حاصل له صادق عليه، وإن علم بالزوال فيجب عليه الحج. نعم، إن علم برجوع الواهب أو فسخ المالك ووقوعه في الحرج لأداء بدله له لايجب عليه للحرج .
وفيه : أنه يمكن منع صدق الاستطاعة بوجود مال يعلم برجوع مالكه إليه، فلا حاجة إلى التمسك بالحرج، بل يمكن دعوى ذلك وإن لم يكن عالماً بفسخ المالك .
قال سيدنا الأعظم (قدس سره) : ( بل ومع الوثوق بذلك ( أي بعدم الفسخ ) أيضاً فإن استحقاق البايع محل العقد واسترداد العين أو قيمتها مانع من تحقق الاستطاعة ) .
والظاهر أنه لا فرق في ذلك بين الهبة وغيرها ، فإنه وإن كان للمتهب التصرف في الموهوب ومنع المالك من الرجوع إلا أن الظاهر أنه من تحصيل الاستطاعة، لا الإستطاعة، ومع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط .
بقاء المال الى تمام الأعمال
مسألة 50 ـ الظاهر أنه لا يكفي في الاستطاعة المالية و إجزاء حجه عن حجة الإسلام وجود الزاد والراحلة وما يحج به عنده في ابتداء الشروع في الحج، بل حصولها و إجزاء حجه عنها مشروط ببقاء المال عنده وإمكان صرفه إلى تمام الأعمال .
نعم، لا يجب العلم ببقائه كذلك، بل يكفي الوثوق والاعتماد على البقاء كما هو عليه بناء العرف في أعمالهم ومعاملاتهم وإن كانوا شاكّين في ذلك .
مضافاً إلى جريان استصحاب البقاء على القول بجريانه في الاُمور المستقبلة، وعلى هذا فتلف المال وما يحج به في الأثناء يكشف عن عدم استطاعته وعدم إجزاء حجه عن حجة الإسلام .
وهل يقع حجه مندوباً فيجب عليه إتمامه لوجوب إتمام الحج والعمرة، أم يكشف تلف المال عن بطلان إحرامه لأنه قصد به الإحرام الواجب عليه لحجة الإسلام وأما الإحرام المندوب للحج المندوب فلم يقصده ، فما قصده لم يقع وما
وقع لم يقصد؟
هذا، ولو أتلف المال والزاد والراحلة عمداً يستقر عليه الحج فيجب عليه الإتمام ولو متسكعاً ويجزيه عن حجة الإسلام .
وأما لو حصل له دين قهراً فيمنع عن الاستطاعة إذا كان حالاًّ مطالباً به، أو غير واثق بالأداء عند المطالبة، أو الأجل على تفصيل مرّ ذكره .
تنبيه تفسيري
قال في المسالك: ( ( وأتمّوا الحجَّ والعمرةَ لله ) : ائتوا بهما تامّين بمناسكهما وحدودهما مستجمعي الشرايط لوجه الله، وبهذا التفسير وردت الروايات عن أئمة الهدى (عليهم السلام)ـ إلى قوله : ـ ويؤيد ذلك قراءة ( وأقيموا الحجَّ والعمرةَ ) ، ومقتضى ذلك وجوبهما على المكلف المستطيع ابتداءً بحسب أصل الشرع، وعلى هذا علماؤنا أجمع، وفي أخبارهم دلالة على ذلك ، ووافقهم على ذلك الشافعي في الجديد ) .
ومراده من الروايات: مثل ما رواه الكليني: عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن اُذينة قال : « كتبت إلى أبي عبدالله (عليه السلام) بمسائل بعضها مع ابن بكير وبعضها مع أبي العباس، فجاء الجواب بإملائه : سألت عن قول الله عزوجل (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا )يعني به الحج والعمرة جميعاً لأنهما مفروضان ، وسألته عن قول الله عزوجل : (وأتموا الحج والعمرة لله )قال : يعني بتمامهما أداءهما واتقاء ما يتقي المحرم فيهما» الحديث.
وفي تفسير العياشي: عن زرارة، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قوله : ( وأتموا الحج والعمرة لله ) قال : «إتمامهما إذا أداهما ، يتقي ما يتقي المحرم فيهما » .
وما قاله صاحب المسالك هو الصحيح في تفسير الآية لدلالة الروايات ، وبعدها حمل الآية على معنىً آخر يكون من التفسير بالرأي ، ويدل على ذلك دلالة قوله تعالى :( فأتمهن ) ودلالة ( ثم أتموا الصيام إلى الليل ) على الأداء والإتيان ، فمعنى ( فأتمهن )أداهن ، ومعنى ( ثم أتموا ) أي ائتوا بالصيام ، كما صرح القرطبي وغيره .
وأما القول بكون المراد من الإتمام فيهما أن يبلغ آخر أعمالهما بعد الدخول فيهما فمردود:
أولا: لِمَا أشرنا إليه من الروايات.
وثانياً : لاستدلالهم (عليهم السلام)بوجوب العمرة بالآية ابتداءً ، ولو كان المراد إتمامهما بعد الدخول فيهما لا تدل على وجوبهما فإن الإتمام بهذا المعنى أعم من الوجوب .
وثالثاً : هذا المعنى لا يستقيم مع قوله : ( لله )، فإنه لا وجه لاختصاص الإتيان لله بما يأتي منهما بعد الدخول فيهما، بل يجب الإتيان بهما كذلك من أول الشروع فيهما .
والحاصل: أنه لا دلالة للآية على وجوب الإتيان بما بقي من الأجزاء بعنوان الإتمام ، وإن كان ذلك ـ أي الإتيان بكل جزء منهما ـ واجباً بوجوب أصل الحج والعمرة بأجزائهما في الحج الواجب والعمرة الواجبة الجامعَين لشرائط الوجوب .
لو تلف مؤونة عوده بعد الأعمال
مسألة 51 ـ إذا تلف بعد الأعمال مؤونة عوده إلى وطنه كما إذا تلفت راحلته فالظاهر أنه أيضاً يكشف عن عدم الإستطاعة .
لأن ظاهر « من له الزاد والراحلة » هو من له زاد الذهاب والإياب وراحلته كذلك ، فإذا تلف يكشف عن عدم استطاعته وعدم إجزائه عن حجة الإسلام .
وربما يقال: بأن ما به يتحقق الاستطاعة هوأن يكون واجداً لما يحج به ولزاد وراحلة يبلغاه إلى الحج وهو يتحقق بوجدانه ذلك للذهاب ، وأما مؤونة الإياب فإنما تلزم إذا كان المقام له في مكة المكرمة حرجياً ، فلا يجب الحج على من لم يكن له مؤونة الذهاب; لقاعدة نفي الحرج ، أما إذا أتى بالحج بناءً على بقاء وجود مؤونة الذهاب إلى العود إلى وطنه وظهر بعد إتمام الأعمال خلافه فلا مجال للتمسك بقاعدة نفي الحرج ; لأنها امتنانية، ولا امتنان في نفي الوجوب بعد الإتيان بالأعمال، بل يكون خلاف الامتنان .
وفيه : أن عدم كون المقام في مكة حرجياً لا يوجب عدم دخل وجود مؤونة إيابه في حصول الاستطاعة ، فلا يقال لمن كان في وطنه لا يتمكن من السفر إلى مكان آخر إلا بالإياب إليه : إنه متمكن من هذا السفر إذا لم يتمكن من الرجوع إلى مكانه ، والغالب في الناس في أسفارهم ملاحظة نفقة الذهاب والإياب ، فالاستطاعة إلى السفر إلى مكان إنما تتحقق للشخص إذا كان متمكناً من العود، لا تغيير محل إقامته ووطنه ، ولو سلَّمنا صدق الاستطاعة للسفر إلى مكة إذا كان المقام بها والرجوع إلى وطنه على السواء بحاله لكن لا يوجب صدق الاستطاعة لمن يلزم عليه الرجوع عادةً إلى وطنه ، ولا يأبى أن يكون صدق الاستطاعة متوقفاً عليه لكون الإقامة في غير بلده حرجياً .
وبالجملة: فالمستفاد من الأدلة هو وجود ما يسافر به إلى الحج ذهاباً وعوداً زاداً وراحلةً، فكما لايجب الحج على المتمكن من المشي وإن لم يكن له المشي حرجياً في الذهاب إلى الحج لا يجب عليه إذا كان متمكناً من الركوب والراحلة في الذهاب دون الإياب .
وقد استشهد لتأييد إجزاء حج من تلف مؤونة عوده عن حجة الإسلام بما دل على إجزاء حج من مات بعد الإحرام ودخول الحرم عن حجة الإسلام: مثل صحيح ضريس الذي رواه الكليني: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن ضريس ، عن أبي جعفر (عليهما السلام) قال : « في رجل خرج حاجاً حجة الإسلام فمات في الطريق ؟ فقال (عليه السلام) : إن مات في الحرم فقد أجزأت عنه حجة الإسلام، وإن مات دون الحرم فليقضِ عنه وليه حجة الإسلام».
والظاهر من الحديث بقرينة جواب الإمام (عليه السلام) أن موضوع الحكم هو من استقر عليه الحج; لأن الإجزاء عن حجة الإسلام إنما يكون لمن كانت عليه وليس هو إلا من استقر عليه الحج، ولأن الأمر بالقضاء إن مات دون الحرم سواء كان ذلك قبل الميقات والإحرام أو بعده يدل على استقرار الحج عليه، فإن الموت دون الحرم إذا لم يستقر عليه الحج يكشف عن عدم وجوب الحج عليه، وعلى هذا الاحتمال لا وجه للاستشهاد به لمن لم يستقر عليه الحج بعد وفقد مؤونة رجوعه وزال استطاعته.
مضافاً إلى أنه لو قلنا بإجزاء الحج عمّن لم يستقر عليه الحج بهذا الحديث إذا زالت استطاعته بعد الأعمال يجب أن نقول به أيضاً إذا زالت استطاعته بعد دخول الحرم وفي الأثناء، كما يجب أن نقول به إذا زالت استطاعته قبل دخول الحرم، بل وقبل الإحرام .
ثمّ إنّ هنا احتمالا آخر، وهو: أن يكون ما هو الموضوع في الحديث من لم يستقر عليه الحج وحج في سنة استطاعته، إلاّ أنه لا يوجه إلا بالتكلف، وحمل الحديث على غير ظاهره بأن يقال : إن المراد من قوله (عليه السلام) : « إن مات في الحرم فقد أجزأت عنه حجة الإسلام » أنه كتب له ثواب حجة الإسلام على نيته، أو لايجب أن يقضى عنه، ويحمل قوله : « وإن مات دون الحرم فليقض عنه وليه حجة الإسلام » على الاستحباب، أو على أن على المستطيع بالاستطاعة المالية السربية الحج ديناً ، فيجب قضاءً عنه من ماله إن مات دون الحرم .
وعلى كل حال لو قلنا بدلالة الحديث على إجزاء حج من لم يستقر عليه الحج عن حجة الإسلام وأمكن لنا تصحيح ذلك لايمكن أن يقال بأولوية من فقد مؤونة إيابه بعد تمام الأعمال بالإجزاء عن حجة الإسلام عمن مات قبل تمام الأعمال ، لأنهما ليسا من باب واحد، فلا يمكن التمسك بالأولوية أو عدم الفرق بين الموردين، فإن من مات لا يتمكن من الحج دون من فقد مؤونته .
مضافاً إلى أن هذه الأولوية أو التساوي توجد فيمن فقدها في الأثناء فيلزم على القول بهذه الأولوية إجزاء عمله عن حجة الإسلام .
وبالجملة: لم نتحقق وجهاً صحيحاً للاستدلال بهذه الصحيحة على اجزاء من فقد مؤونته عن حجة الإسلام .
ومثل هذه الصحيحة في ضعف الاستدلال بها للإجزاء عن حجة الإسلام في مسألتنا صحيح بريد العجلي الذي رواه الشيخ بالإسناد، عن ابن رئاب، عن بريد العجلي قال : « سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل خرج حاجاً ومعه جمل له ونفقة وزاد فمات في الطريق ؟ قال (عليه السلام): إن كان صرورة ثم مات في الحرم فقد أجزأ عنه حجة الإسلام ، وإن كان مات وهو صرورة قبل أن يحرم جعل جمله وزاده ونفقته وما معه في حجة الإسلام، فإن فضل من ذلك شيء فهو للورثة إن لم يكن عليه دين » الحديث .
فإن المراد منها من استقر عليه الحج، سواء قلنا بأن قوله (عليه السلام) : « قبل أن يحرم » معناه قبل أن ينشى الإحرام، أو أنه يكون من باب أنجد وأيمن إذا دخل في النجد واليمن كما احتمله صاحب المستند. والفرق بينهما: أن على الأول لم يبين في الجواب حكم من أحرم ومات قبل الدخول في الحرم ، وأما على الثاني وإن كان خلاف الظاهر يكون الجواب تاماً يشمل جميع فروع المسألة، وأنه إن مات الذي استقر عليه الحج في الحرم أجزأه عن حجة الإسلام ، وإن مات قبل الدخول في الحرم يقضى عنه .
وكيف كان فاحتمال كون المراد من الصرورة من لم يستقر عليه الحج والحكم بإجزائه عن حجة الإسلام التي لم يستقر عليه، ثم دعوى أولوية ما نحن فيه بذلك الحكم ضعيف جداً أصلا وفرعاً .
ثم إن بعضهم ـ رضوان الله تعالى عليهم ـ تمسك بالقطع بالإجزاء إذا زالت الاستطاعة بعد الفراغ من أعمال الحج :
قال السيد في المدارك : ( فوات الاستطاعة بعد الفراغ من أفعال الحج لم يؤثر في سقوطه قطعاً، وإلا لوجب إعادة الحج مع تلف المال في الرجوع، أو حصول المرض الذي يشق معه السفر، وهو معلوم البطلان ) .
وقال في الجواهر : ( قد يمنع معلومية بطلانه بناءً على اعتبار الاستطاعة ذهاباً وإياباً في الوجوب ) .
مضافاً إلى أن لنا السؤال من السيد عن الفرق بينه وبين الأثناء وقبل الفراغ إذا تم أعماله ولا يحتاج في إتمامه إلى المال؟
ومضافاً إلى أن على ما اختاره من الإجزاء يكون إجزاء ما أتى به من الأعمال عن حجة الإسلام من إجزاء غير الواجب بل غير المنوي، أو مجرد الأعمال عن الواجب لأنه نوى ما لم يكن عليه وهو حجة الإسلام ولم ينو غيره حتى يكون هو مجزياً عن حجة الإسلام، فإجزاء ما أتى به من حجة الإسلام محتاج إلى الدليل، فكما يكون فقدان مؤونة الإياب في الأثناء كاشفاً عن عدم الاستطاعة وعدم إجزاء ما أتى به من حجة الإسلام فليكن فقدانه بعد الأعمال أيضاً كذلك ولا فرق بينهما، وادعاء القطع بالإجزاء في الثاني دون الأول مجازفة .
هذا، وقد حكي عن العلامة (قدس سره) كشف زوال استطاعة العود بعد الأعمال عن عدم الوجوب ، فقال على ما حكي عنه : ( إنّ من تلف ماله قبل عود الحاج وقبل مضي إمكان عودهم لم يستقر الحج في ذمته ; لأن نفقة الرجوع لابد منها في الشرايط) .
ومع ذلك يمكن أن يوجه ما ادعاه السيد في المدارك بكون الإجزاء في هذه الصورة مرتكزاً في الأذهان، ولذا لم يرد خبر في السؤال من ذلك عن الأئمة (عليهم السلام)مع كثرة الابتلاء به، فلعلهم لا يحتملون أن من قصد مكة من شقته البعيدة وتحمل مشاق السفر ونفقة الذهاب لأداء حج الإسلام وحج الواجد للشرايط ثم فقد نفقة عوده إلى وطنه أنه لم يحج حجة الإسلام ويجب عليه إعادة حجه ثانياً إن حصلت الاستطاعة .
إن قلت : فما الفرق بين العالم بذهاب نفقة عوده قبل الحج فإنه لا يجب عليه حج الإسلام لعدم حصول الإستطاعة له ولا يجزيه عنها إن تكلف الذهاب إليه وبين من ذهب إليه معتمداً على بقائها ثم اتفق زوالها؟
قلت : الفرق وجوب الحج على الثاني اعتماداً على بقاء الاستطاعة وعدم وجوبه على الأول .
فتحصّل من ذلك: وقوع ما أتى به حجة الإسلام وعدم وجوب الإعادة عليه إذا حصلت له الاستطاعة .
ومع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط بالإعادة، فإن عدم التعرض للمسألة فيما بأيدينا من الأحاديث لا يدل على العدم، فلعلّهم سألوهم (عليهم السلام) عن ذلك واُخفي علينا السؤال والجواب ، مضافاً إلى أن كثرة الابتلاء جارية في تلف المال في الأثناء فما الفارق بين الموردين؟
ويمكن تصحيح الحكم بالإجزاء ، وتقريبه بأن نقول : الاستطاعة العرفية المشروط عليها وجوب الحج تحصل بوجود المال الوافي عنده للحج ولمؤونة أهله ولمؤونة عوده إلى وطنه ورجوعه إليه بالكفاية بالفعل بشرط أن يكون عرفاً صالحاً للبقاء عنده إلى تمام الأعمال، وما يجب بقاؤه إلى تمام الأعمال المحتاج أداؤها إلى المال هو هذه الصلاحية، فانتفاؤها بعد الأعمال غير مخلِّ بالاستطاعة المذكورة التي حصلت له وأتى بالأعمال مقرونة بها، وأما بقاء هذا المال عنده إلى أن يرجع إلى وطنه وبعد ذلك فليس له دخل في حصول الاستطاعة .
نعم، لو علم عروض ذلك بعد تمام الأعمال أو لا يكون ماله وافياً بكل هذه الجهات لا يكون مستطيعاً، وعلى هذا استقرّت سيرة العرف والعقلاء في اُمورهم التجارية .
ويمكن أن يقرر ذلك بوجه آخر، وهو أن نقول : إن الاستطاعة عند العرف هي وجدان المال الذي يفي بأداء الحج والذهاب إليه وعدم الحاجة الفعلية إلى صرفه أو حفظه لصرفه في ضروريات معاشه من العود إلى وطنه أو إدارة اُمور معيشته، فمن أتى بالحج وحاله هكذا أتى به وهو مستطيع; لأنه غير محتاج إليه بالفعل لصرفه في مورد آخر، ومن كان عالماً بتلفه بعد الفراغ من الأعمال يكون محتاجاً إلى حفظه لصرفه في هذه الموارد فلا يكون مستطيعاً عند العرف، وأما من صرفه في الحج بعد ما لم يكن محتاجاً إليه لمؤونة عوده لا يخلّ حدوث الاحتياج بمؤونة العود بعد ذلك باستطاعته الحاصلة عند أداء الأعمال .
وبعبارة اُخرى نقول : الاستطاعة هي وجود ما يحج به عنده وعدم الحاجة العرفية الفعلية إلى حفظه لحاجة اُخرى من مؤونة العود إلى الوطن أو مؤونة الأهل أو معاشه الضروري التي قد تحدث بعد فراغ الأعمال، فمثل هذا الشخص عند العرف مستطيع قادر على العمل يجب عليه الإتيان بالحج، ولا يكون وقوعه حجة الإسلام مشروطاً ببقاء مؤونة عوده إلى وصوله إلى وطنه .
ويمكن أن يقرر ذلك بتقريب آخر، وهو أن نقول : إنّ الاستطاعة المعتبرة المشروط عليها وجوب الحج هي وجدان نفقة الذهاب إلى الحج والعود إلى الوطن والرجوع إلى الكفاية وبقاؤه إلى تمام الأعمال ممّا يحتاج أداؤه إلى المال واحتمال بقائه بعد ذلك، وهذا يكفي في حصول الاستطاعة عند العرف .
وبالجملة: فبهذه التقريبات التي المتقاربة في المضمون يمكن الذبّ عن إشكال منافاة القول بدخل وجود مؤونة العود في الاستطاعة والقول بوقوع الحج حجة الإسلام بعد الفراغ من الأعمال وتلف مؤونة العود .
ثمّ إنّ الكلام في فقد ما يرجع به إلى الكفاية إذا فقد في أثناء الأعمال أو بعد الفراغ منها هو الكلام في فقد نفقة الإياب في الأثناء أو بعد تمام الأعمال، وأما بعد العود فالقول بالإجزاء أقوى من القول به في صورة فقده بعد الأعمال أو قبل الوصول إلى وطنه .
والذي يقوى حسب كل ما ذكرناه في المسألة هو الإجزاء مطلقاً، إلا في أثناء الأعمال التي يحتاج فعلها إلى المال . والله تعالى هو العالم بالأحكام والأحوال .
عدم اعتبار الملكية في الزاد والراحلة
مسألة 52 ـ هل يعتبر في حصول الاستطاعة ملكية الزاد والراحلة، أو يكفي في حصولها الإباحة المالكية اللازمة أو الأعم منها والجائزة أو الأعم من المالكية والشرعية ؟
ظاهر بعض أعاظم العصر اعتبار الملكية في حصولها; لِمَا ورد في تفسيرها من قوله (عليه السلام)في حديث محمد بن مسلم : « يكون له ما يحج به » ، وكذا في حديث العلاء بن رزين، ومن قوله (عليه السلام)في حسنة الحلبي : « أن يكون له ما يحج به » ، وقوله (عليه السلام)في خبر الكناسي : « له زاد وراحلة » وفي خبر هشام بن الحكم، وفي خبر عبدالرحمن بن سيابة ممّا ظاهره الملك وإن كان ظاهر غيره من الروايات مثل صحيح الحلبي: «إذا قدر الرجل على ما يحج به »، وصحيح معاوية بن عمار : « هذه لمن كان عنده مال أو يجد ما يحج به » ، وخبر محمد بن الفضيل : « وعنده ما يحج به »، وعلي بن حمزة : « من قدر على ما يحج به» كونه أعم من الملك، فقال : ( الجمع بينه وبين غيره يقتضي تقييده بالملك وعدم الإجتزاء بمجرد الإباحة ) .
ورُدَّ بأنّ المطلق إنما يحمل على المقيد إذا تحقق التنافي بينهما مثل « أعتق رقبة» و « أعتق رقبة مؤمنة » عند إحراز وحدة المطلوب، وهذا بخلاف ما إذا لم يكن منافاة بينهما مثل الحكم بنجاسة الخمر ونجاسة المسكر ، وفي المقام أيضاً لا منافاة بين حصول الاستطاعة بالملكية وبين حصولها في غير مورد الملكية كالإباحة .
وفيه : أن في المقام ظاهر قوله : « بأن يكون له زاد وراحلة » وسائر التعاريف القريبة منه هو حصر حصولها به وهو ينافي ما يدل على الأعم من الملكية والإباحة فمقتضى الجمع بينهما تقييد الثاني بالأول .
اللهمّ إلا أن يقال : إنّ ظهور الثاني في الأعم أقوى وأظهر من ظهور الأول في الحصر .
وأما التفصيل بين الإباحة اللازمة ـ كما مثّل لها في العروة بأن شرط أحد المتعاملين على الآخر ( في ضمن عقد لازم ) أن يكون له التصرف في ماله بما يعادل مائة ليرة مثلا ـ والإباحة الجائزة فالظاهر أنه لا فرق بينهما في حصول الاستطاعة .
نعم، الظاهر عدم حصول الاستطاعة بالإباحة الشرعية كالمباحات الأصلية وشبهها كالأنفال التي هي ملك للإمام (عليه السلام) ; لعدم صيرورة المباح له مالكاً لها بمجرد إباحة صيد الأسماك والأنفال له، وعدم صدق كونه واجداً لها إلا بعد صيد الأسماك وحيازة المباحات والاستيلاء عليها، وهذه الأعمال تكون من تحصيل الاستطاعة .
وبعبارة اُخرى : إباحة الصيد وإباحة حيازة الحطب لا يجعل المباح له واجداً للسمك والحطب، كما لا يخفى .
الكافر إذا أسلم بعد الميقات
إذا أقرّ بعض الورثة بوجوب الحجّ على مورثهم
إذا قصرت التركة عن أداء الدين و قضاء حجة الإسلام
إذا حجَّت المرأة مع عدم الأمن