تحقّق الاستطاعة بالوصية التمليكية
مسألة 53 ـ لو أوصى لشخص بمال يكفيه للحج ومات الموصي فهل يتحقق بذلك للموصى له الاستطاعة، أم لا ؟ وجهان :
أما على القول بأن الوصية التمليكية إيقاع لا يحتاج وقوعها إلى القبول من الموصى له وإن كان له ردّها لأن التمليك القهري مخالف لسلطنته، وهذا يقتضي سلطنته على الرد فيجب عليه الحج ، وإن اختار الرد يجب عليه الحج متسكعاً .
وأما القول بعدم جواز الرد فإن كان المراد منه الجواز الوضعي فهو باطل قطعاً ، وإن كان المراد الجواز التكليفي ففي حرمته إشكال; لأنه من إزالة الاستطاعة وتفويتها وحرمتها إذا كان متمكناً من أداء الحج متسكعاً محل إشكال، فمن باع دابته أو ذبحها وهو قادر على المشي فهو مخيَّر بين إزالة استطاعته به والحج ماشياً أو الحج راكباً عليها، كمن كان معه راحلته واختار المشي . نعم، إذا انتهى ذلك إلى عدم تمكنه من الحج لا يجوز ذلك .
وأما على القول بأن تحقق ملكية الموصى به للموصى له يحتاج إلى قبوله ـ على ما قويناه في باب الوصية فيكون على هذا الوصية التمليكية كالهبة ـ لا يجب عليه القبول ولا يحصل له الاستطاعة قبله فهو، قبل القبول غير واجد للزاد والراحلة، وبعد القبول وإن صار واجداً ويجب عليه الحج إلاّ أنّه لا يجب عليه القبول لأنه تحصيل للاستطاعة .
هذا، ولكنّ الظاهر من السيد صاحب العروة كفاية هذه الوصية لحصول الاستطاعة على المبنيين، ولعلّ الوجه عنده على المعنى الثاني عدم الفرق بينه وبين الإباحة والبذل .
إلا أنه يمكن أن يقال : إنّ البذل يكون بالمال لخصوص الحج، وهذا أعم منه وإن كان بعد القبول تحصل له الإستطاعة والوصية تكون مثل الإباحة على المبنى الأول، وأما على الثاني فلا تحصل الاستطاعة إلا بالقبول، وهو محصّل للاستطاعة دون الإباحة فإنها لا تحتاج إلى قبول المباح له .
لو نذر قبل أوان الحج كون مال به يصير مستطيعاً صدقةً
مسألة 54 ـ إذا نذر قبل أوان الحج كون مال معيّن صدقةً لله تعالى مطلقةً، أو لصرفه في يوم عرفة على نحو نذر النتيجة .
فإن كان النذر نذراً تبرعياً لا يجب عليه الحج عند أوان الحج وإن بقي عنده هذا المال إلى هذا الزمان لخروجه عن ملكيته وصيرورته صدقة بمجرد النذر فلا تحصل به له الاستطاعة المالية، ويكون من قبيل تعجيز نفسه وإزالة الاستطاعة المالية قبل تنجز وجوب الحج الذي مر الكلام فيه .
وإن كان نذره ذلك معلقاً على أمر فإن حصل المعلق عليه أيضاً قبل أوان الحج وتنجز الوجوب فالحكم فيه حكم الصورة السابقة ، وإن حصل المعلق عليه عند الاستطاعة أو بعدها فحكمه يعلم مما يأتي إن شاء الله تعالى في المسألة اللاحقة، فإن صيرورته صدقةً تتوقف على رجحانه وعدم استلزامه ترك الحج الواجب، ووجوب الحج أيضاً متوقف على عدم منع النذر من استطاعته. هذا في نذر النتيجة .
وأما في نذر الفعل كأن نذر تبرعاً أو معلقاً أن يتصدق بألف تومان وحصل المعلق عليه قبل تنجز وجوب الحج فلا ريب أنه يجب عليه التصدق به إن كان عنده، وإن لم يحصل له المال أو لم يحصل المعلق عليه إلا عند زمان تنجز الوجوب بالاستطاعة والفرض أنه لا يفي إلا لأحدهما، وهذا الفرض أيضاً داخل في المسألة الآتية يعلم حكمه منها; لأنّ وجوب الوفاء بالنذر مشروط بعدم وجوب الحج ووجوب الحج أيضاً متوقف على عدم انعقاد النذر ووجوب الوفاء به ومثله نذر التصدق بمال في يوم عرفة مع حصول الإستطاعة للحج به فهذه الفروع يعلم حكمه إن شاء الله مما سيبين في المسألة الآتية .
لو حصلت الاستطاعة بعد نذر عمل راجح لو حصلت الاستطاعة
بعد ما نذر عملاً راحجاً ولايمكن الجمع بينهما
مسألة 55 ـ إذا نذر عملا راجحاً لا يمكن الجمع بينه وبين الحج ثم حصل له بعد النذر الاستطاعة،
مثل أن نذر زيارة مولانا سيد الشهداء ـ روحي لتراب مقدم زواره الفداء ـ في كربلاء في كل يوم عرفة أو في يوم عرفة سنته ثم حصل بعده الاستطاعة للحج ،
فهل يجب عليه الحج لأن صحة النذر مشروطة بكون المنذور راجحاً قابلا لأن يكون لله تعالى، وأما إذا لم يكن كذلك ولو باستلزام الإتيان به ترك الواجب فلا ينعقد .
أو يجب الوفاء بالنذر لأن وجوب الحج مشروط بالاستطاعة والتمكن، فكما يمنع المانع العقلي من حصول الاستطاعة يمنع منها المانع الشرعي وهو وجوب الوفاء بالنذر .
أو يقع التدافع بينهما لأن وجوب الوفاء بالنذر مانع من تحقق موضوع وجوب الحج وهو الاستطاعة ، ووجوب الحج مانع من تحقق موضوع وجوب الوفاء بالنذر وهو كون المنذور راجحاً صالحاً لأن يكون لله تعالى، فكل منهما رافع لموضوع الآخر، فلا يمكن الحكم بوجوب واحد منهما، وحينئذ إن ثبت قيام الإجماع على عدم سقوط كليهما فلابد من علاج هذا التدافع والحكم بوجوب أحدهما بالخصوص إن أمكن إقامة الدليل عليه، وإلا فالحكم هو التخيير إن لم يكن أحدهما أهم من الآخر ؟
والذي ينبغي أن يقال : إننا تارة نبحث في المسألة بناءً على القول بالاستطاعة الشرعية ، واُخرى على القول بأن الاستطاعة هي القدرة العرفية على الحج سواء زاحمه واجب آخر أم لا .
والذي نقول به ويقتضيه ظاهر الأدلة هو الثاني، وعليه لا يكون وجوب الحج مشروطاً بعدم المانع الشرعي، فلا يضر في حصول الاستطاعة وتنجز التكليف بالحج كون المستطيع مكلفاً بواجب آخر، وهذا بخلاف النذر فإن صحته ووجوب الوفاء به مشروطة برجحان المنذور، ومع كونه مستلزماً لترك الواجب لا يكون راجحاً .
لا يقال : إن المنذور أيضاً بتعلق الأمر بالوفاء بالنذر يكون واجباً .
فإنه يقال : إن ما هو المعتبر في رجحان متعلق النذر رجحانه بصرف النظر عن تعلق الأمر النذري به، ومع كونه بنفسه مانعاً من الإتيان بالحج يكون مرجوحاً لا يتعلق الأمر به ولا ينعقد عليه النذر، مضافاً إلى أن ذلك يجعلهما ( الحج والنذر ) كالمتزاحمين، ولا ريب في أن الحج بملاحظة ما ورد في تركه من التهديد أهم من النذر .
فإن قلت : إن الاستطاعة المشروط بها وجوب الحج أيضاً يلزم أن يكون حاصلا بقطع النظر عن الأمر بالحج وهي لا تتحقق مع استلزامه ترك الوفاء بالنذر .
قلت : إن هذا الإشكال يرد على القول باشتراط وجوب الحج بالاستطاعة الشرعية وأن المانع الشرعي كالمانع العقلي ، وأما إن قلنا بعدم اعتبار ذلك وأن ما هو المشروط به وجوب الحج هو الاستطاعة العرفية، وكون المكلف واجداً عرفاً لما يتوقف عليه المسير إلى الحج فالوجوب عليه يتنجز بكونه متمكناً من المسير عرفاً فلا يمنع من وجوبه الواجبات الابتدائية فضلا عن الإمضائية .
هذا، وقد ظهر بذلك كله عدم انعقاد النذر إذا كان الإتيان بمتعلقه مانعاً من أداء الحج .
وأما الكلام في المسألة على القول بالاستطاعة الشرعية ووقوع التدافع بين الحكمين ( وجوب الحج ووجوب الوفاء بالنذر ) لكون الأخذ بأحدهما رافعاً لموضوع الآخر فهل يقدم النذر، أو الحج ؟
قال في المستند: ( الرابعة: إذا نذر الحج فإما أن ينوي حجة الإسلام أو غيرها أو يطلق فلا ينوي شيئاً منهما ـ إلى أن قال : ـ فإن كانت الحجة المنذورة التي غير حجة الإسلام مقيدةً بسنة الاستطاعة ففي تقديم المنذورة أو الفريضة وجهان، أجودهما الأول، وفاقاً للمختلف والمسالك والمدارك وغيرها، لعدم تحقق الاستطاعة; لأن المانع الشرعي كالمانع العقلي، وعلى هذا يعتبر في وجوب حجة الإسلام بقاء الاستطاعة إلى السنة الثانية ) ،(1) .
ومراده: أنه كما في العلل العقلية يؤثر السابق ويذهب بموضوع اللاحق فلا محل لتأثير اللاحق بعد تحقق السابق وتأثيره في وجود معلوله ، في العلل الشرعية أيضاً الأمر كذلك فلايقع التدافع بينهما حتى يكون اللاحق رافعاً لموضوع السابق ، وإن كان احتماله في نفسه في العلل الشرعية معقولاً لكن العرف لا يعتني به ويعمل معه معاملته مع المانع العقلي .
وفيه أولا: أن قياس العلل الشرعية على العلل العقلية قياس مع الفارق; لإمكان تخلف العلل الشرعية عن هذه القاعدة فإنها تدور مدار اعتبار المعتبر، ويمكن أن يعتبرها بعكس ذلك .
وثانياً : أن تحقق النذر الذي هو العلة الاُولى يكون متفرعاً على كون المنذور راجحاً وصالحاً لأن يكون لله، وهو متوقف على عدم كونه ملازماً لترك حجة الإسلام أو واجب آخر، وإلاّ فالنذر بصيغته ليس علةً لوجوب الوفاء به .
وبعبارة اُخرى : علّيته لوجوب الوفاء ووجوب الكون في مشهد مولانا سيدالشهداء ـ عليه آلاف التحية والثناء ـ متوقفة على عدم وجوب الحج ، وعدم وجوب الحج متوقف على علية النذر للوجوب ، وهذا دور ، وذلك بخلاف العلل العقلية فإن علية العلة الاُولى ليست متوقفة على عدم علية اللاحق، بل معه لا يبقى مجال لتأثير اللاحق وإن كانت علية الثاني مشروطة بعدم حصول السابق قبله .
وبعبارة ثالثة : تأثير ما هو السابق في العلل العقلية غير متوقف على عدم اللاحق فيؤثر ويوجد العلة، ولا محلَّ لتأثير اللاحق، بخلاف المقام فإن شرط علّية النذر عدم كون المنذور مانعاً من حجة الإسلام، وهو متوقف على عدم وجوب الحج، وعدم وجوب الحج متوقف على صحة النذر .
ويمكن أن يقال في الذبِّ عن هذا الإشكال : إنّ الواجب الذي يمنع من وجوب الحج وحصول الاستطاعة له هو الواجب الأصلي، لا ما يجب على المكلف التزامه به على نفسه ووجوبه بإمضاء الشارع ، فالقدرة الشرعية المأخوذة في وجوب الحج تكون بالنسبة إلى الواجبات الابتدائية فيقدم غير الحج عليه ولا يحصل معه الاستطاعة ، فلا يجب الحج; لعدم تحقق موضوعه وهو الاستطاعة الشرعية الفارغة من مزاحمة واجب آخر لها ، وأما الواجبات الإمضائية مثل النذر فوجوب الوفاء به إنما يكون في مورد كان قابلا للإمضاء وتشمله أدلة الوفاء بالنذر، وذلك بأن يكون قابلا ليتحقق لله تعالى، وفي المقام لا قابلية للمنذور لكونه كذلك حتى يكون مورداً للإمضاء ، لاستلزامه بنفسه ( ولولا النذر ) ترك الواجب وهو الحج .
ومما يؤكد ذلك : أنه لو صح مثل هذا النذر يتمكن المكلف به الاحتيال لسقوط الحج ودفع وجوبه بنذر الصلاة النافلة في يوم عرفة في مسجد محلته في مدة عمره .
هذا، ولا يخفى أنه ربما يتمسك لأخذ القدرة الشرعية في موضوع وجوب الحج بصحيح الحلبي الذي رواه الشيخ: عن موسى بن القاسم، عن ابن أبي عمير، عن حماد عن الحلبي، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : « إذا قدر الرجل على ما يحج به ثم رفع ذلك وليس له شغل يعذره الله فيه فقد ترك شريعةً من شرايع الإسلام »(1) ; لأن الظاهر منه رفع وجوب الحج لمطلق العذر، والوفاء بالنذر عذر كسائر الأعذار .
وفيه : أن الاستدلال به من قبيل التمسك بالعام في الشبهات المصداقية ، فإن الصحيح لم يبين ما هو العذر ، فلعله كان ناظراً إلى مثل الحرج والضرر والمرض ، وأما كون الوفاء بالنذر عذراً فلم يثبت من الشرع، كما لم يثبت كون أداء سائر الواجبات عذراً لترك الحج، بل يقع التزاحم بينهما وبين وجوب الحج ويقدم ما هو الأهم .
مضافاً إلى أن كلامنا في المسألة في تحقق النذر ووقوعه صحيحاً، وأنه لا يقع كذلك إذا كان متعلقه مرجوحاً، فالوفاء بالنذر قبال أمر الحج ليس كسائر الواجبات التي يقع التزاحم بينها وبين الحج، بل وجوبه يكون مشروطاً بعدم وجوب الحج، ووجوب الحج كما ذكر مشروط بعدم وجوب النذر، فهما متدافعان لا متزاحمان، فتدبر . والله تعالى عالم بأحكامه .
فروع :
ثمّ إنّ هنا بعض الفروع الذي تعرض له في العروة في طيِّ المسألة .
منها : ( لو نذر إن جاء مسافره أن يعطي الفقير كذا مقداراً فحصل له ما يكفيه لأحدهما بعد حصول المعلق عليه ) فاختار فيه عدم وجوب الحج، وظاهره حصوله له بعد حصول المعلق عليه في أوان الحج .
والظاهر أنه لافرق بين هذا الفرع وبين زيارة سيد الشهداء ـ عليه سلام الله ـ يوم عرفة وحصول الاستطاعة له، فإنه على القول بعدم اعتبار الاستطاعة الشرعية يجب عليه الحج وينحلّ النذر لعدم رجحان المنذور، وعلى القول باعتبارها أيضاً قلنا : إنّ أدلة وجوب الوفاء بالنذر لا تشمل مورداً يلزم منه ترك الواجب لولا النذر .
نعم، هنا يشتغل ذمة الناذر بكلي المنذور الذي له أفراد متعددة لا بأمر شخصي، إلا أن وجوب الوفاء بالنذر لا يشمل هذا الفرد الخاص الذي يستلزم الإتيان به ترك ما هو واجب لو لا النذر، فعليه يصرف ذلك المال في الحج ويبقى الوفاء بالنذر في ذمته .
ومنها : إذا نذر قبل حصول الاستطاعة أن يصرف مقدار مائة ليرة ـ مثلا ـ في الزيارة والتعزية أو نحو ذلك فإنه أيضاً على ما اختاره مانع من تعلق وجوب الحج به .
والكلام فيه هو الكلام في الفرع السابق، فإنه إذا حصل ذلك عنده في أوان الحج لا يشمل أدلة النذر هذا الفرد من أفراد المنذور الذي يستلزم اختياره ترك ما يكون واجباً لولا النذر . نعم، إذا حصل له قبل أوان الحج يجب عليه صرفه في الزيارة والتعزية .
ومنها : ما إذا كان عليه واجب مطلق فوري قبل حصول الاستطاعة ولم يمكن الجمع بينه وبين الحج، ثم حصلت الاستطاعة فاختار أيضاً تقديم هذا الواجب على الحج وإن لم يكن ذلك الواجب أهم; لأن العذر الشرعي كالعقلي في المنع من الوجوب ، وأما لو حصلت الاستطاعة أولا ثم حصل واجب فوري لا يمكن الجمع بينه وبين الحج يكون من باب المزاحمة فيقدم الأهم منهما، فلو كان مثل إنقاذ الغريق قدم على الحج.
أقول : كل ما اختاره في هذا الفرع مبني على الاستطاعة الشرعية وأن المانع الشرعي كالمانع العقلي، إلاّ أنّنا لم نفهم الفرق بين ما إذا حصلت الاستطاعة بعد ما كان عليه واجب مطلق فوري وبعد حصول الاستطاعة أولا ، ثم حصول واجب كذلك; لأنه إن كان واجب آخر مانعاً من حصول الاستطاعة فلماذا لا يمنع بعدها؟ فإن الاستطاعة شرط للوجوب حدوثاً وبقاءً، وإن كان لا يمنع ففي الصورتين تكون المسألة من باب التزاحم ، فلا فرق بين حصول العذر الشرعي قبل الاستطاعة أو بعدها .
وعلى أيِّ حال فعلى ما اخترناه المسألة من باب التزاحم، فيقدّم الأهمّ منهما في الصورتين .
الاستطاعة البذلية
مسألة 56 ـ إذا لم يكن للشخص ما يحج به ولكن عرض عليه الحج فقيل له : « حج وعليَّ نفقتك ونفقة عيالك » أو قيل له : « حج بهذا المال » وكان المال كافياً له للحج ذهاباً وإياباً ولنفقة عياله فالكلام في المسألة يقع ضمن اُمور :
الأول :
الظاهر أنه لاخلاف بين الأصحاب في حصول الاستطاعة ووجوب الحج بالبذل .
قال الشيخ (رحمه الله) في الخلاف : ( إذا بذل له الاستطاعة لزمه فرض الحج . وللشافعي فيه وجهان : أحدهما مثل ما قلناه، والثاني وهو الذي يختارونه أنه لا يلزمه. دليلنا: إجماع الفرقة، والأخبار الواردة في هذا المعنى، وأيضاً قوله تعالى : ( من استطاع إليه سبيلا) ، وهذا قد استطاع )
وقال العلامة (قدس سره) في التذكرة : ( لو لم يكن له زاد وراحلة أو كان له ولا مؤونة له لسفره أو لعياله فبذل له باذل الزاد والراحلة ومؤونته ذاهباً وعائداً ومؤونة عياله مدة غيبته وجب عليه الحج عند علمائنا ) .
الثاني :
يستدل على هذا الحكم الذي ادعي عليه الإجماع قبله:
أوّلا بالكتاب: بقوله تعالى : ( من استطاع إليه سبيلا ) ، لصدق الاستطاعة على بذل ما يحج به، وشمول إطلاقها للاستطاعة البذلية .
لا يقال : إن الاستطاعة قد فسرت في الروايات بأنها ليست مطلقها، وأنها هي ملكية الزاد والراحلة، وذلك مثل قوله (عليه السلام) : « له مايحج به » ، أو « له زاد وراحلة » .
فإنه يقال : إنّ هنا روايات اُخرى تدل بالإطلاق على كونها أعم من ذلك، مثل ما في صحيح الحلبي : « إذا قدر الرجل على ما يحج به » وصحيح معاوية : « إذا هو يجد ما يحج به » وهي تشمل صورة بذل الزاد والراحلة .
فإن قلت : إن مقتضى صناعة الإطلاق والتقييد وحمل المطلق على المقيد حمل الطائفة الثانية على الاُولى .
قلت : قد مضى الكلام في ذلك، وقلنا : إنّ الحمل المذكور إنما يكون في مورد التنافي بين المطلق والمقيد، مثل «أعتق رقبة» و «أعتق رقبةً مؤمنة» مع العلم بوحدة المطلوب، وأما في مسألتنا فلا تنافي بين الطائفتين .
اللهمّ إلاّ أن يقال باستفادة الحصر من الطائفة الاُولى .
ولكن يمكن دعوى أظهرية الطائفة الثانية في الإطلاق من الاُولى في الحصر، فيؤخذ بالأظهر ويترك الظاهر .
مضافاً إلى أن دلالة الاُولى على الملكية من غير قرينة ممنوعة، غاية الأمر تدل على الاختصاص وهو أعم من الملكية .
ولو فرضنا وقوع التعارض في الروايات المفسرة فالمرجع هو إطلاق الآية ، فعلى هذا تكفي في حصول الاستطاعة بالبذل الآية الشريفة .
وثانياً بالروايات :
منها: ما رواه الصدوق في كتاب التوحيد: عن أبيه ومحمد بن موسى بن المتوكل، عن سعد بن عبدالله وعبدالله بن جعفر جميعاً، عن أحمد ابن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن العلاء بن رزين قال : « سألت أبا عبدالله (عليه السلام)عن قول الله عزوجل : ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا )قال : يكون له ما يحج به، قلت : فمن عرض عليه فاستحيى ؟ قال : هو ممن يستطيع » .
ومنها: ما رواه الشيخ بإسناده، عن موسى بن القاسم بن معاوية بن وهب، عن صفوان، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم، قال : « قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : قوله تعالى : ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا )قال : يكون له ما يحج به، قلت : فإن عرض عليه الحج فاستحيى ؟ قال: هو ممن يستطيع ولم يستحي ولو على حمار أجدع أبتر، قال : فإن كان يستطيع أن يمشي بعضاً ويركب بعضاً فليفعل ) .
وظاهر قوله : «فاستحيى» أنه استحيى فلم يقبل البذل، ويشهد له صحيح معاوية بن عمار حيث قال (عليه السلام) : « فاستحيى ولم يفعل».
الثالث :
هل يتحقق البذل للحج بعرض المال على المبذول له وإباحة تصرفه فيه إما مطلقاً أو بصورة يكون البذل واجباً على الباذل بنذر أو عهد أو يمين ونحو ذلك، أو لايتحقق إلا بتمليكه للمبذول له، أو هو أعم من عرض المال والتمليك، سواء كان البذل واجباً على الباذل أم لا؟ وجوه أو أقوال .
اختار صاحب العروة وجماعة من المحشِّين حصول البذل بكلٍّ من الإباحة والتمليك، وإليك جملةً من عبائر الأصحاب :
قال الشيخ في النهاية : ( فإن لم يكن له ولد وعرض عليه بعض إخوانه ما يحتاج إليه من مؤونة الطريق وجب عليه أيضاً الحج ومن ليس له مال وحج به بعض إخوانه فقد أجزأه عن حجة الإسلام ) .
وقال في المبسوط : ( وإذا بذل له الاستطاعة قدر ما يكفيه ذاهباً وجائياً ويخلِّف لمن وجب عليه نفقته لزمه فرض الحج لأنه مستطيع ) . وظاهره تحقق البذل بعرض المال وإباحة التصرف .
وقال المحقق في المعتبر : ( لو بذل له الركوب والزاد وجب عليه الحج مع استكماله بقية الشروط لتحقق الاستطاعة، وكذا لو حج به بعض إخوانه ـ إلى أن قال : ـ ولو بذل له هبة لم يجب القبول; لأنه تحصيل لشرط الوجوب وهو غير لازم ) .
ومثله قال في الشرايع(4) ، وظاهره أيضاً تحقق البذل بالإباحة وبالضيافة وعدم تحققه بالتمليك .
وقال العلامة في التحرير في مسائل الاستطاعة : ( ج : لو بذل له زاد وراحلة ونفقة له ولعياله وجب عليه الحج مع استكمال الشرائط الباقية، وكذا لو حج به بعض إخوانه ... أما لو وهب له مال فإنه لا يجب عليه القبول ) ، وظاهره أيضاً مثل ما سبق .
ومثله قال ابن فهد في المحرر : ( ولو بذل له الزاد والراحلة فقد استطاع . . . ولو وهب مالاً لم يجب القبول ) .
وقال الحلّي في السرائر : ( بشرط أن يملكه ما يبذل له ويعرض عليه لا وعداً بالقول دون الفعال ) .
وقال الشهيد في الدروس : ( ويكفي البذل في الوجوب مع التمليك أو الوثوق به، وهل يستقر الوجوب بمجرد البذل من غير قبول ؟ إشكال، من ظاهر النقل، وعدم وجوب تحصيل الشرط ) .
أقول: أما من اختار تحققه بعرض المال وإباحة التصرف مطلقاًفيدل عليه ظاهر صحيح محمد بن مسلم وعلاء بن رزين عن الصادقين (عليهما السلام) : « وإن لم يكن البذل على الباذل واجباً » . بل ويدل عليه الآية لصدق الاستطاعة به .
ومن اختار تحققه بعرض المال والتمليك يقول : إن عرض الحج صادق على كلتي الصورتين، فكما أن إباحة التصرف في المال بذل له فتمليكه المال أيضاً بذل له وعرض عليه .
وفيه : إن كان الدليل لحصول الاستطاعة بالبذل الآية فلا تشمل صورة التمليك; لأن حصول الاستطاعة به محتاج إلى التملك والقبول كالهبة .
إذا قصرت التركة عن أداء الدين و قضاء حجة الإسلام
إذا أقرّ بعض الورثة بوجوب الحجّ على مورثهم
إذن الزوج للزوجة المستطيعة