ان التاريخ يحكي لنا حقيقة هامة وهي ان بني امية وبني العباس كانوا من اعداء النبوة والولاية، الاّ ان الفارق بينهما هو ان بني امية كانوا يجاهرون في محاربتهم لآل البيت بينما كان بنو العباس يبطنون الخصومة ويظهرون خلاف ذلك فانخدع البعض بهذا الاسلوب الماكر.
لقد كان اهل ايران و الايرانيون يظهرون الحب والولاء لآل البيت حتى انهم في العهد العباسي لم يمتنعوا من اظهار هذا الحب. وقد اعتقد البعض ان سبب ذلك انما كان بسبب زواج
الامام الحسين (عليه السلام) ببنت يزدجرد الثالث، الا ان الشواهد والآثار تشير الى ان لهذه العلاقة جذوراً تاريخية.
روي انه عندما نزلت على
النبي (صلى الله عليه وآله) الآية الشريفة: (
ان يشأ يذهبكم ايها الناس ويأت بآخرين وكان الله على ذلك قديراً ) وضع النبي (صلى الله عليه وآله) يده على كتف سلمان الفارسي وقال: «هؤلاء قوم سلمان». وفي الحقيقة فان النبي ومن خلال هذه الكلمات أشار الى دور الايرانيين في المستقبل.
والدليل الآخر على علاقة الايرانيين
بأهل البيت (عليهم السلام) هو طلبهم الفطري للعدالة وظلم الملوك الفاسدين وامراء الدولة. اولئك الحكام الجبابرة الذين سمّاهم القرآن بالمترفين و المستكبرين. وبشكل عام فان السبب الاصلي لعلاقة الايرانيين بأهل البيت (عليه السلام) هي الفطرة التي تنشد العدالة التي تجسدت في سلوك وتصرفات الائمة الاطهار (عليه السلام).
ومن المعلوم فان هذه العلاقة ـ التي امتدت جذورها لألف سنة ـ لم تكن مؤقته ولا سطحيه. ولقد كان بنو العباس على علم بهذه العلاقة و كانوا يعلمون بأن خبر اعتقال وحبس
الامام موسى بن جعفر (عليه السلام) أثار غضب الايرانيين ودفعهم باتجاه الثورة ضد السلطة العباسية التي اخذت تفكر بأساليب اخرى ماكرة للتصدي لهم بعد أن وجدوا ان أساليب القوة والعنف لم تحقق اهدافهم فطرحوا مشروع ولاية العهد (الاجبارية) على
الامام علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، كي يستطيعوا بهذه الحيلة التخلص من الخطر القادم من ايران، وفي نفس الوقت يجعلون الامام الرضا (عليه السلام)ونشاطاته تحت نظرهم المباشر ويخففون من علاقته بالناس. ولذلك صار الاتصال بالامام أمراً صعباً وصار الناس مضطرين للحصول على أخبار الامام (عليه السلام)عن طريق عملاء الحكومة.
دور السيدة المعصومة (عليه السلام) في مواجهة بني العباس:
كما نعلم فان الائمة المعصومين كانت لهم اخوات كثيرات فلماذا حظيت السيدة زينب الكبرى ـ اخت
الامام الحسين (عليه السلام) ـ والسيدة المعصومة بنت الامام موسى بن جعفر (عليه السلام) - من بين الجميع ـ بهذا الاهتمام، فنرى ان السيدة زينب تميـــزت بذلــــك الــــدور البــطولي فــــي سفرها الرسالي الخالد
ونرى مرة اخرى السيدة معصومة تحمل تلك الرسالة التي حملتها زينب بعد أحداث كربلاء الدامية. كانت السيدة معصومة وأخوها احمد بن موسى وبعض خواصها هم فقط الذين تفهّموا حقيقة المؤامرات العباسية و ما يترتب عليها من العواقب الوخيمة، و هذا الأمر هو الذي دفع السيدة المعصومة (عليها السلام) لفضح تلك الدسائس فانطلقت تطوي المسافات البعيدة لتحقيق هذا الهدف.
لقد تحركت قافلة فاطمة (عليها السلام) نحو ديار الغربة سنة 201 هـ اي بعد إبعاد أخيها الرضا (عليه السلام) الى «مرو» بصحبة بعض اخوتها للقاء أخيها وأداء الرسالة الملقاة على عاتقها من تجديد العهد بامام زمانها، ولمّا وصلت الى مدينة ساوة التي كان فـيها ـ في ذلك الزمان ـ بعض المخالفين لأهل البيت (عليهم السلام) حصل اشتباك بين هؤلاء المخالفين وجلاوزة الحكومة من جانب، وقافلة السيدة المعصومة من جانب آخر. فاستشهد البعض ممن كان برفقتها، فأصابها الغم والحزن وأدى بها ذلك الى المرض الشديد. ولما احست بالخطر من البقاء في مدينة ساوة قالت: خذوني الى مدينة قم، فاني سمعت ابي يقول: «مدينة قم مأوى شيعتنا». فتحركت السيدة نحو مدينة «قم».
ولما اطّلع كبار أهل قم على هذا الخبر المفرح بادروا لاستقبالها. وكان «موسى بن خزرج» زعيم قبيلة «الاشعري» يمسك زمام ناقتها، فدخلت المدينة في غمرة ابتهاج اهلها وسرورهم، ونزلت في بيت «موسى بن خزرج» وبقيت في هذه المدينة 17 يوماً كانت مشغولة فيها بالعبادة والدعاء وقضت اخريات ايام حياتها بالخضوع والخشوع لله.
وأخيراً تبدل ذلك الشوق والسرور ـ بقدوم شمس الولاية ـ الى حالة من الحزن والغم بافول ذلك النجم، وجلس الناس للعزاء .
وقد ذكر في سبب حصول المرض المفاجىء لها ووفاتها ان امرأة من اهل ساوة قد دسّت اليها السم، وهذا ليس ببعيد لاسيمابعد حصول تلك المعركة مما انعكس على المدينة نفسها وما تركته من آثار وتوترات وحصول جو غير طبيعي في تلك المدينة. نعم لقد كان سفر المعصومة سنداً وشاهداً قوياً على أحقية امامة الائمة (عليهم السلام) وفضح نفاق المأمون. وكما كانت بطلة كربلاء قد أوضحت ببياناتها مظلومية اخيها فان المعصومة كان لها دور مماثل في فضح السلطة العباسية. وقضت الحكمة الالهية ان يكون مرقدها الطاهر مركزاً يخفق فيه علم الولاية والامامة وصرخة تدوّي في وجه الظالمين ومصدر الهام لأتباع التشيع على مدى القرون والاعصار.
وبعد وفاتها في العاشر من ربيع الثاني سنة 201 هـ وهي في سنّ الثامنة والعـــــــشرين، غســــــّلت وكفّنت
وشيّعت الى مقبرة «بابلان»، وحيث لم يكن من محارمها أحد يواريها التراب واجه «آل سعد» مشكلة بسبب ذلك فعزموا أن يقوم بهذا الامر رجل عجوز منهم اسمه «قادر».
الاّ ان قادراً ـ بل حتى كبار علماء قم ـ لم يكونوا أهلاً لتحمّل هذا الامر، وعندما كان الناس ينتظرون مجيء ذلك الرجل الصالح شاهدوا فارسين يتجهان نحوهم. ولما وصلا قرب الجنازة ترجّلا وصلّيا على الجنازة ودفناها في ذلك السرداب المعدّ سابقاً، ومن دون ان يتكلما مع احد ركبا فرسيهما و ذهبا ولم يعرفهما أحد، وبحسب قول أحد العلماء فانه لايبعد ان يكون هذان الرجلان من الائمة المعصومين حيث جاءا لأداء هذا الامر المهم. وبعد انتهاء مراسم الدفن صنع موسى بن خزرج سقفاً من الحصر والبواري فوق قبرها الشريف وبقي ذلك قائماً حتى وردت زينب بنت الامام الجواد مدينة قم فبنت قبه فوق المرقد المطهر. وبهذا صارت تلك التربة الطاهرة للسيدة المعصومة قبلة تتجه نحوها قلوب العارفين بأهل البيت والمحبين الوالهين بذكرهم.
منزلة السيدة المعصومة ومقامها:
قال
الامام الجواد (عليه السلام): «من زار عمتي بقم فله الجنة». لقد كانت السيدة المعصومة عالمةً بحوادث زمانها ومحدّثة ومعلّمه قديرة. وكانت مشغولة بتعليم اصول الدين الاسلامي.
كما نُقل عنها الكثير من الكرامات التي ان دلت على شيء فانما تدل على ان هذه السيدة لها مكانة رفيعة ومنزلة جليلة عند الله تعالى.
يقول
الامام الصادق: «ألا وان قم حرمي ... تقبض فيها امراة من ولدي واسمها فاطمة بنت موسى يدخل بشفاعتها شيعتي الجنة بأجمعهم».
وروي أيضاً عن الامام الصادق (عليه السلام): «من زارها عارفاً بحقها فله الجنة».
ونقل انه لما نزلت على النبي (صلى الله عليه وآله) الآية الشريفة: (ان يشأ يذهبكم ايّها الناس ويأت بآخرين وكان الله على ذلك قديرا) وضع النبي (صلى الله عليه وآله) يده على كتف سلمان الفارسي وقال: «اولئك قوم سلمان».