• عدد المراجعات :
  • 2428
  • 12/26/2007
  • تاريخ :

واقعة الغدير

الغدير

أجمع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم الخروج إلى الحجّ في سنة عشْرٍ من مُهاجره ، وأذّن في الناس بذلك ، فقدم المدينة خلق كثير يأتمّون به في حِجّته تلك التي يُقال عليها حجّة الوداع ، وحجّة الإسلام ، وحجّة البلاغ ، وحجّة الكمال ، وحجّة التمام ، ولم يحجّ غيرها منذُ هاجر إلى‏ أن توفّاه‏اللَّه ، فخرج صلى الله عليه وآله وسلم من‏المدينة مغتسلاً متدهِّناً مترجِّلاًمتجرِّداً في ثوبينِ صُحاريّين : إزارٍ ، ورداء ، وذلك يوم السبت لخمسِ ليالٍ أو ستٍّ بقينَ من ذي القِعْدة ، وأخرج معه نساءه كلّهنّ في الهوادج ، وسار معه أهل بيته وعامّةالمهاجرين والأنصار ، ومن شاء اللَّه من قبائل العرب وأفناء الناس .

وعند خروجه صلى الله عليه وآله وسلم أصاب الناس بالمدينة جُدَريٌّ - بضم الجيم وفتح الدال ‏وبفتحهما - أو حصبة منعت كثيراً من الناس من الحجّ معه ‏صلى الله عليه وآله وسلم ، ومع ذلك كان معه ‏جموعٌ لا يعلمها إلّا اللَّه تعالى‏ ، وقد يقال : خرج معه تسعون ألفاً ، ويقال : مائة ألفٍ ‏وأربعةَ عشرَ ألفاً ، وقيل : مائة ألفٍ وعشرونَ ألفاً ، وقيل : مائة ألفٍ وأربعة وعشرون ‏ألفاً ، ويقال : أكثر من ذلك ، وهذه عدّةُ من خرج معه ، وأمّا الذين حجّوا معه فأكثرمن ذلك ، كالمقيمين بمكّة ، والذين أتوا من اليمن مع عليٍّ أميرالمؤمنين وأبي موسى‏.

أصبح صلى الله عليه وآله وسلم يومَ الأحد بيَلَمْلَمَ ، ثمّ راح فتعشّى‏ بشرف السيّالة ، وصلّى‏ هناك المغرب والعشاء ، ثمّ صلّى الصبح بعِرْقِ الظُّبْية ، ثمّ نزل الروْحاء ، ثمّ سار من الروحاء فصلّى العصر بالمنصرف ، وصلّى المغرب والعشاء بالمتعشّى‏ وتعشّى‏ به ، وصلّى الصبح بالأثاية ، وأصبح يوم الثلاثاء بالعَرْج واحتجم بلَحْيِ جَمَلٍ - وهوعقبة الجُحْفة - ونزل السُّقْياء يوم الأربعاء ، وأصبح بالأبواء ، وصلّى‏ هناك ، ثمّ راح من الأبواء ونزل يوم الجمعة الجُحْفة ، ومنها إلى‏ قُدَيْد وسَبَتَ فيه ، وكان يومَ الأحد بعُسْفان ، ثمّ سار ، فلمّا كان بالغَميم اعترض المشاة ، فصُفّوا صفوفاً ،

فَشكَوا إليه المشي ، فقال : استعينوا بالنسَلان - مشيٌ سريعٌ دون العدو - ففعلوافوجدوا لذلك راحة ، وكان يوم الإثنين بمَرِّ الظهْران ، فلم يبرَحْ حتى‏ أمسى‏ ، وغرُبت‏له الشمس بسَرِف فلم يصلِّ المغرب حتى‏ دخل مكة ، ولمّا انتهى‏ إلى الثنِيَّتين بات بينهما ، فدخل مكّة نهار الثلاثاء .

فلمّا قضى‏ مناسكه ، وانصرف راجعاً إلى المدينة ومعه من كان من الجموع ‏المذكورات ، وصل إلى‏ غدير خُمّ من الجُحْفة التي تتشعّب فيها طرق المدنيِّين ‏والمصريِّين والعراقيِّين ، وذلك يوم الخميس الثامن عشر من ذي الحجّة نزل إليه جبرئيل الأمين عن اللَّه بقوله : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) الآية . وأمره‏ أن يقيم عليّاً عَلَماً للناس ، ويبلِّغهم ما نزل فيه من الولاية وفرض الطاعة على‏ كلّ ‏أحد ، وكان أوائل القوم قريباً من الجُحْفة ، فأمر رسول اللَّه أن يردّ من تقدّم منهم ، ويحبس من تأخّر عنهم في ذلك المكان ، ونهى‏ عن سَمُراتٍ خمْسٍ متقاربات دَوْحاتٍ عظام أن لا يَنزل تحتهنَّ أحد ، حتى‏ إذا أخذ القوم منازلهم ، فقُمَّ ما تحتهنَّ ،حتى‏ إذا نودي بالصلاة - صلاة الظهر - عمد إليهنّ ، فصلّى‏ بالناس تحتهنّ ، وكان يوماً هاجراً يضع الرجل بعض ردائه على‏ رأسه ، وبعضه تحت قدميه ، من شدّة الرمضاء ،وظُلِّل لرسول اللَّه بثوبٍ على‏ شجرةِ سَمُرةٍ من الشمس ، فلمّا انصرف صلى الله عليه وآله وسلم من‏صلاته ، قام خطيباً وسط القوم على‏ أقتاب الإبل ، وأسمع الجميع ، رافعاً عقيرته ،

فقال :

« ألحمد للَّهِ ونستعينه ونؤمن به ، ونتوكّل عليه ، ونعوذ باللَّه من شرور أنفسنا ،ومن سيّئات أعمالنا ، الذي لا هادي لمن أضلّ ، ولا مُضلّ لمن هدى‏ ، وأشهد أن لا إله إلّا اللَّه ، وأنَّ محمداً عبده ورسوله .

أمّا بعدُ : أيُّها الناس قد نبّأني اللطيف الخبير : أنّه لم يُعمَّر نبيٌّ إلّا مثلَ نصفِ عمرالذي قبلَه . وإنّي أُوشِك أن أُدعى‏ فأُجيب ، وإنّي مسؤول ، وأنتم مسؤولون ، فماذا أنتم‏قائلون ؟

قالوا : نشهدُ أنّك قد بلّغتَ ونصحتَ وجهدتَ ، فجزاكَ اللَّه خيراً .

قال : ألستم تشهدون أن لا إله إلّا اللَّه ، وأنَّ محمداً عبدهُ ورسوله ، وأنَّ جنّته‏ حقّ وناره حقّ ، وأنَّ الموت حقّ ، وأنَّ الساعة آتية لا ريبَ فيها وأنَّ اللَّه يبعثُ من في‏القبور ؟

قالوا : بلى‏ نشهد بذلك . قال : أللّهمّ اشهد ، ثمّ قال : أيّها الناس ألا تسمعون ؟قالوا : نعم .

قال : فإنّي فَرَط على الحوض ، وأنتم واردون عليّ الحوض ، وإنَّ عُرضه ما بين صنعاءَ وبُصرى ، فيه أقداح عدد النجوم من فضّة ، فانظروا كيف تخلِفوني في الثقَلَينِ .

فنادى‏ منادٍ : وما الثقَلان يا رسول اللَّه ؟

قال : الثقَل الأكبر كتاب اللَّه طرفٌ بيد اللَّه عزّ وجلّ وطرفٌ بأيديكم ، فتمسّكوابه لا تضلّوا ، والآخر الأصغر عترتي ، وإنَّ اللطيف الخبير نبّأني أنّهما لن يتفرّقا حتى‏يردا عليّ الحوض ، فسألت ذلك لهما ربّي ، فلا تَقدموهما فتهلكوا ، ولا تقصروا عنهمافتهلكوا .

ثمّ أخذ بيد عليّ فرفعها حتى‏ رُؤي بياض آباطهما وعرفه القوم أجمعون ، فقال :أيّها الناس من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم ؟ . قالوا : اللَّه ورسوله أعلم .

قال : إنَّ اللَّه مولاي ، وأنا مولى المؤمنين ، وأنا أولى‏ بهم من أنفسهم فمن كنت‏مولاه فعليّ مولاه ، يقولها ثلاثَ مرّات - وفي لفظ أحمد إمام الحنابلة : أربع مرّات - ثمّ‏قال : أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وأحِبَّ من أحبّه ، وأبغِضْ من أبغضه‏وانصُرْ من نصره ، واخذُلْ من خذله ، وأَدرِ الحقَّ معه حيث دار ، ألا فليبلّغ الشاهدُالغائب . ثمّ لم يتفرّقوا حتى‏ نزل أمين وحي اللَّه بقوله : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ‏عَلَيْكُمْ نِعْمَتي ) الآية . فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم : اللَّه أكبر على‏ إكمال الدين ، وإتمام النعمة ،ورضا الربّ برسالتي ، والولاية لعليٍّ من بعدي » .

ثمّ طَفِق القوم يهنِّئون أمير المؤمنين - صلوات اللَّه عليه - وممّن هنّأه - في مُقدّم‏الصحابة - الشيخان : أبو بكر وعمر كلٌّ يقول : بَخٍ بخٍ لك يا ابن أبي طالب أصبحتَ‏وأمسيتَ مولايَ ومولى‏ كلّ مؤمن ومؤمنة . وقال ابن عبّاس : وجبت - واللَّهِ - في‏أعناق القوم .

فقال حسّان : ائذنْ لي يا رسول اللَّه أن أقول في عليٍّ أبياتاً تسمعهُنّ . فقال :« قُلْ على‏ بركة اللَّه » .

فقام حسّان ، فقال : يا معشر مشيخة قريش أتبعها قولي بشهادةٍ من رسول اللَّه‏في الولاية ماضية ، ثمّ قال :

يُناديهِمُ يومَ الغديرِ نبيُّهمْ‏ بخُمٍّ فأسمِعْ بالرسولِ مُناديا هذا مجمل القول في واقعة الغدير .

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)