ذوي القربى من هم؟
تعددت صياغات الآيات الدالة والمرشدة على إمامة أهل البيت (عليهم السلام) في القرآن الكريم واتخذت ألسناً وأشكالاً مختلفة، كل ذلك تحرياً من الله تعالى على إرشاد الأمة وتنبيهها إلى خطورة التمسك بأهل البيت (عليهم السلام) ومن تلك الصياغات والآيات التي وردت في القرآن للدلالة على إمامتهم (عليهم السلام) هي التي انتهت إلى عنوان ـ ذي القربى ـ وهذا العنوان واردٌ في القران الكريم بعدّة آيات ويمتاز عن بقية العناوين التي وردت في أهل البيت (عليهم السلام) بميزات خاصة حيث اٍنه يطرح سؤال طالما يتكرر وهو لِمَ لم ترد أسماء أهل البيت (عليهم السلام) في القران الكريم أو أسماء جميع الأئمة (عليهم السلام) وفي الواقع إنه ورد عنوان ذوي القربى، مثل هذا العنوان أحرى بالمجيء من عناوين الأسماء أم لا؟
في علوم الأدب واللغة يشيرون من أن اسم العَلم مثل ـ علي و فاطمة و الحسن و الحسين... ليس هو أعرف الأسماء، كما يذكرون أعرف المعاريف البعض قال الضمير وهكذا منها اسم العلم والكثير جعل اسم العلم أدنى درجة من أسماء المعرفة بخلاف المعاريف الأخرى والسر في ذلك حيث يشير إليه أهل اللغة والأدب إلى أن اسم العلم قد يتوخى منه المعنى الحدثي أو الصفتي مثلاً عندما نقول ـ عليٌ ـ من أين نميز هنا عليٌ بمعنى الصفة أو بمعنى العلم لاسيما وانه ليس بدأب القران أن يأتي علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن كذا ولا الكتب السماوية في ذلك، لا في أسماء الأنبياء ولا في الأسماء الأخر حتى أن في بعض السور اختلف في المراد من موسى في سورة الكهف مثلاً هل هو موسى كليم الله أو أن موسى نبي أخر أو عبد صالح أخر مع أن موسى علم لكليم الله وينصرف إليه، ونلاحظ حتى في الأسماء العلمية يحصل الترديد والتذبذب فضلاً عما إذا تردد اسم العلم بين العلمية والصفة فيزاد في الترديد أتساعا وإبهاما فيكون ما هو المقصود من اسم العلم نقض للقصد فيه باعتبار إن اسم العلم يعطي دلالة غير ما قصد استعماله فيه، ومن ثم ذكرت أن علماء الأدب قالوا أن اسم العلم ليس هو أعرف المعاريف بل مثلاً الضمير أو الصلة والموصول أو الصفات المقيدة التي تخرج الاسم النكرة أو العلم عن الإبهام أو الترديد يكون أظهر في المعرفية وأبعد عن النكرة والإبهام، إذا استوعبتا هذه المقدمة نعرف أن عنوان ـ ذوي القربى ـ له ما يمتاز به وان كان هذا العنوان جعل بعض المفسرين من المذاهب الإسلامية الأخرى يعممّون القرابة إلى كل قريش، ولتكن، إلا انه من الواضح أًن الموضوع إذا كان القرابة ولحمة القرابة للنبي (صلى الله عليه وآله) فهي على درجات شدةٍ وضعف كلما ازداد القرب ازدادت شدة الحكم إذا كانت مثلاً في آية المودة (قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى) إذا كان وجوب المودة مرتّباً على هذا الموضوع وهو ـ ذوي القربى ـ فمن المنطقي والعقلي أن يتبادر للإنسان أن القرابة هي موضوع وضابطة المودة التي افترضها وأوجبها الله سبحانه في كتابه ومن المنطقي انه كلما ازداد الإنسان قرباً ازداد الحكم فيه شدةً فالتالي ذوي القرابة أول قرابة ينطبق هذا العنوان عليها هي فاطمة الزهراء (عليها السلام) لأنها أقرب لُحمةٍ للنبي من سائر قراباته ومن ثم زوجها وأبناهما، الدائرة القريبة للنبي (صلى الله عليه وآله) هي ابنته وابن عمه وابناهما (عليها السلام) فإذن ذوي القربى ابرز في الصدق على أهل البيت (علبهم السلام) من أسماء الأعلام لو أوتي فيها بالقران مع أنه في موارد آيات متعددة ورد في روايات أهل البيت (عليهم السلام) إٍنًّ المراد من كلمة علي في أربع سور هو الإمام علي (عليه السلام) ولكن الكثير من المفسرين يفسرون كلمة علي (عليه السلام) بتلك المواضع بمعنى الصفة ـ هذا صراطٌ عليًّ مستقيم ـ والحال أنه لا معنى لعلي أي هذا صراطٌ على الله مستقيم؟ بل انه هذا صراط عليٍ مستقيم, هذه مقدمة دالة على ذوي القربى وهم فاطمة وعلي وأبناهما وقد ورد ذلك في روايات الفريقين في مواضع من الآيات التي ورد فيها هذا العنوان ـ ذوي القربى ـ هذا الموضوع قد اخذ من آيات عديدة لأحكام عديدة أحكام أعتقادية واخذ لأحكام ركنية فالآيات الواردة في هذا العنوان من سورة الأنفال الآية 41 ، ( و اعلموا إنما غنمتم من شيء فان لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قدير)
ففي هذه السورة جُعل الخمس لهم وهو أكبر ضريبة مالية تُعهد في القرآن الكريم والمورد الآخر الذي رد فيه هذا العنوان في سورة الحشر آية 7 ( ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دُولةً بين الأغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب) هنا الحكم الذي جُعل لذوي القربى هو جميع المنابع المالية في الدولة الإسلامية، الفيء في اصطلاح فقهاء الفريقين يشمل جميع المنابع للدولة الإسلامية من الأراضي والمعادن والكنوز وغيرها ويعلل هذا بأنه ليس إسناد وتوريث كسروي أو قيصري أو ملوكي وإنما هو توريث رباني لحمكة بالغة معللة في القرآن ـ كي لا تكون دولةً بين الأغنياء منكم ـ أي كي لا تكون المنابع الطبيعية مستأثر بها في خصوص الطبقة الغنية, وملحق بسورة الحشر آيتين من سورتين أخريتين وهما في سور الروم ( فآتِ ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل) وفي سورة الإسراء أيضاً آية 26 ( وأتِ ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل......) ومن الجميل أن في عهد حكومة النبي (صلى الله عليه وآله) نزلت هذه الآية في سورة الحشر، إن المنابع الطبيعية كما تُسند إلى ولاية الرسول (صلى الله عليه وآله) ( ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلّله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين) أيضا تلك المنابع الطبيعية تسند إلى ذوي القربى مما يدلل على أن لهم منصب القيادة في المجتمع الإسلامي, لأن الذي يمتلك إرادة وتدبير ورئاسة الأحوال العامة في البلاد الإسلامية فمن الواضح أن له الحظ الأوفر في قيادة نظام الحكم عند المسلمين، وتلو سورة الحشر نزلت الآيتين من سورة الروم والإسراء حيث ذكر عدة من المفسرين كالطبرسي ومجاهد والسدي وغيرهم أنها نزل بها جبرائيل على النبي بأمرٍ من الله في تعجيل وإسناد هذه الصلاحية لذوي القربى وعلى أثرها النبي (صلى الله عليه وآله) نحل وأعطى فدكاً فاطمة (عليها السلام) وهذا الإعطاء كمصداق لهذا المنصب وربما الكثير في القراءات السابقة لقصة فدك تُبرز كقضية شخصية وعطف أبوي من الرسول (صلى الله عليه وآله) لفاطمة (عليها السلام) في نحلها فدكاً ولكن هذه القراءات في غاية السطحية، بل إعطاء النبي فاطمة فدكاً كان تفعيلاً لهذه الصلاحية القانونية في نظام الحكم الإسلامي، فاللام في قوله تعالى (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى) هنا قد تكررت بينما في قوله (واليتامى والمساكين وابن السبيل) لم تكرر اللام, والعلة في ذلك أن اليتامى والمساكين وابن السبيل ليسوا ذوي صلاحية وولاية واختصاص وإنما هم مصرف وموارد للتوزيع المالي لا أنهم شركاء في ملكية الأموال العامة أو في ملكية الخمس، وإنما الذي له ملكية التصرف لا الملكية الشخصية هو الله ورسوله وذوي القربى فاللام في آيتي الخمس والفيء كررت ثلاثاً مما يدلل عن ملكية التصرف، وملكية التصرف لذوي القربى أشد من الملكية الشخصية، في العرف القانوني البشري الوضعي الملكية الشخصية دون ملكية ولاية الأمر أو ملكية الصلاحية الرئاسية لأن الملك الشخصي قد يقع مزاحماً لطريق عمراني استصلاحي في عمران المدينة فيزال الملك الشخصي ويعوَّض بمال، وقد يوجد في الملك الشخصي منبع نفطي كبير لصالح المجتمع فتزال الملكية الشخصية عن الأراضي ، فنرى أن الملكية الشخصية تحدد بحدود ضيقة جداً بخلاف ملكية ولاية الأمر للأراضي, فالأراضي الشاسعة الآن تحت أشراف الدولة في النظام القانوني البشري مثلاً الولاية للدولة على الأراضي لاشك إنها أعلى بمراتب من الملكية الشخصية.
هنا وقفة مهمة يجب أن يلتفت إليها وهي أن فدكاً إعطائها لفاطمة (عليها السلام) من قبل الرسول (صلى الله عليه وآله) عملاً بآية الفيء ويتلو آية الفيء وهي آيتي سورة الروم والإسراء ليس إعطاء نحلي أبوي وشخصي خاص فمن الخطأ إن نقرأ هذا الموقف وهذا الحدث بهذه القراءة القانونية السطحية، بل إعطاء فدك من قبل الرسول (صلى الله عليه وآله) لفاطمة (عليها السلام) هو عملاً بسورة الفيء وهي لا تدلل على الملك الشخصي وإنما تنظم هذه الصلاحية لذوي القربى وأنهم أولياء أمر من الأمور العامة، إن سدة الحكم ومجاري الأمور للمسلمين بيد ذوي القربى وتعلل الآية الكريمة (كي لا يكون دُولةً بين الأغنياء منكم) هذه ملحمة نبوية قرآنية من الملاحم القرآنية أنه لم ولن تستتب العدالة المالية في المسلمين ما لم تسند الأمور المالية العامة لذوي القربى وهذا ما قد وقع, فبعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله) وفي عهد الخليفة الأول بدأ التمييز في العطاء من بيت المال وفي عهد الثاني اشتد التمييز والتفرقة في العطاء بين العربي والموالي وبين المهاجر وغير المهاجر وبين القرشي وغير القرشي.
وهكذا فالتفرقة الطبقية بدأت تدب في الأمة فمعاوية بن أبي سفيان ـ لعنه الله ـ ولي الخلافة على الشام وكانت السيرة عبث في أموال المسلمين فبدأت الطبقية تسود المجتمع الإسلامي ووصلت ذروتها إلى عهد الثالث إلى أن أحتقن الوضع بشكل انفجاري فانفجر وإلى الاحتقان بداية من عهد الأول وإن حصل في الثالث، وهذه ملحمة قرآنية كبرى، إن العدالة المالية لن تستتب في الأمة الإسلامية ما لم تُسند الأموال العامة وإدارتها وتسليم سدة الحكم إلى ذوي القربى وهذا الإسناد ليس إرثاً كسروياً ولا قيصرياً ولا وراثياً ترابياً طينياً بل بسبب ذرية بعضها من بعض ( إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم) هذه الآلات الآلات تختلف عن الآلات الموجودة في عصرنا، هذه الآلات تعقب الذرية الطاهرة في النسب والوراثة, وراثة نورية (إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض) هذا التنسيل تنسيل نوري خاص وعلل في القرآن أنه (كي لا يكون دُولةً بين الأغنياء منكم) مما يدلل على أن ذوي القربى لهم العصمة العملية والعصمة العلمية لأنه حتى يدب العدل الاقتصادي والعدل المالي في توزيع المنابع وتكافئ الفرص ليس يكفي فيه العصمة العملية في أن يكون الإنسان أميناً كما في قول النبي يوسف (عليه السلام)، ( اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم) أي لا يكفي الحفيظ وهو الأمين بل لابد أن يكون عليم أي لابد أن يكون هناك برنامج نقدي ناجح عادل وبرنامج مصرفي واقتصادي وزراعي وصناعي كذلك ناجح عادل مضافاً إلى الأمانة فذروة الأمانة تصل إلى العصمة العملية فنفس أية سورة الحشر مُدللة على وجود العصمة العلمية والعملية في ذوي القربى وإلا لو لم تكن لديهم الكفاءة بشكل الذروة العلمية والعملية التي لا تزل ولا تخطيء لن تستتب العدالة، لأنه لو كانت أمانتهم بحد العدالة المتعارفة بين المسلمين فالعادل قد يكبوا، وان كان علمهم كعلم بقية سائر المسلمين لما امتازوا عن غيرهم ولما أسند إليهم ولما جُعلت العدالة المالية في الأمة الإسلامية إلى يوم القيامة مرهونة بإسناد الأمور إليهم، مما يدلل على أن علمهم يفوق علم غيرهم إلى يوم القيامة لان من كان علمه محدوداً قد يكون أميناً وقد يمتلك عصمة عملية وقد يكون علمه ليس فيه أي بأس كالعلم المكتسب, لكنه قد يفشل لجهله لمحدودية علمه، أما العلم الذي يتصل بالغيب فهو ليس بمحدود لأنه يزقه الله زقاً ويسدده في كل مورد فنفس آية سورة الحشر ملحمة عظيمة وتفصيل سورة الحشر بسورة الروم وسورة الإسراء أي نحن لم نجد في قضية الغدير إلا أن فُعِّلَ مرةً واحدة (يا أيها الرسول بلّغ ما أُنزل إليك من ربك وان لم تفعل فما بلّغت رسالته) مرة واحدة نزلت على الرسول كتجميل أي قرآنياً أقول وان كان بحسب مورد النزول قيل انه أكثر لكن في هذا المنصب نزل الإبلاغ الإلهي القانوني الرسمي بتفعيل هذا المنصب لأهل البيت (عليهم السلام) بذوي القربى في عهد الرسول و حكومته (صلى الله عليه وآله) مرتين من غير سورة الحشر والروم وسورة الإسراء وهذا مما يدلل على الأهمية البالغة لهذا المنصب.
فالقراءة الصحيحة إذن لقضية فدك وصِدام الصديقة (عليه السلام) مع السلطة المستولية على سدة الأمور بعد الرسول (صلى الله عليه وآله) ليس صِداماً على ملك وقضية شخصية وإنما هو صِدام على ولاية الأمر واغتصاب لهذا المنصب منهم (عليهم السلام) ومن ثم ورد في أحاديث عن الإمام الكاظم (عليه السلام) أن المهدي العباسي أراد أن يرد فدكاً فقال للإمام الكاظم (عليه السلام) حدد لي فدكاً فحددها الإمام بجميع حدود الدولة الإسلامية فقال: إن هذا شيء كثير، أي يريد الأمام (عليه السلام) أن يقول أن فدكاً ما هي إلا تفعيل من الله ورسوله لهذا المنصب (ما أفاء الله على رسوله) لان كل منابع وأموال الدولة الإسلامية (فلله وللرسول ولذوي القربى) فلم يبالغ الأمام الكاظم في شرح مفاد هذه الملحمة للمهدي العباسي، وكذلك روايات أخرى عن الأئمة في أن بعض الخلفاء الأمويين كعمر بن عبد العزيز عندما أراد أن يرد فدكاً أيضاً المحاجة كانت بينه وبين أهل البيت (عليه السلام) في هذا المطلب مما يدلل على أن فدكاً وما جرى من صِدام بين الصديقة الزهراء (عليها السلام) والسلطة آنذاك هو في نفس ولاية الأمر هذا هو المورد الثاني الذي ورد فيه ذوي القربى عنواناً لحكم خطير أي مما يدلل على أنه يصبُ في إمامتهم (عليهم السلام).
أمّا المورد الثالث، فهو آية المودة (قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى) من سورة الشورى آية 23 وهذه بنفسها ملحمة أيضاً على إمامتهم وعظمتهم (عليهم السلام), فالمقصود من هذه الآيات التي اشتملت على اخذ عنوان ـ ذوي القربى للنبي (صلى الله عليه وآله) وهم فاطمة وعلي وابناهما (عليهم السلام) وهذه الآيات دالة على حصر المصاديق لها بالمعصومين فقط ولكن لا يُنكر استفادة احترام ذرية الرسول (صلى الله عليه وآله) بالدلاته الألتزامية من هذه الآيات والروايات الواردة في هذا المضمار كما هو المشاهد في تعليل سورة الحشر، (كي لا يكون دولةً بين الأغنياء منكم) ومن يمتلك العصمة علماً وعملاً إلا المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين.